نقص الانسجام النفسي أو اليكسيثيميا – Alexithymia

يساعدنا التعبير عن المشاعر والتمكّن من ملاحظة عواطف الآخرين على تقوية علاقاتنا مع الآخرين والتواصل معهم بطريقة سليمة، بل إنّ الإفصاح عن المشاعر واختبارها يعزّز لدينا القدرة على تحقيق الانسجام مع الشريك العاطفيّ ومواصلة العلاقة القائمة على التفهّم والانفتاح على الآخر، ومع ذلك نجد أنّ فئةً من الناس يعانون من حالة تُدعى (نقص الانسجام العاطفي أو اليكسيثيميا)، التي تمثّل بالنسبة لهم عقبة في طريق تكوين العلاقات والتواصل مع الآخرين عاطفيًّا، فما هي هذه المشكلة؟ وما أعراضها؟ وكيف يمكن علاجها؟

ما هو نقص الانسجام النفسي؟

نقص الانسجام النفسي أو اليكسيثيميا أو اللامفرداتية(Alexithymia)‏: هي مصطلح يصِف عجز التعبير عن العواطف والتعرّف إليها واختبارها، إذ يكون المصاب بهذه المشكلة أقل إدراكًا لعواطفه وعواطف الآخرين، وفي الحقيقة، لا يعدّ نقص الانسجام النفسيّ تشخيصًا سريريًّا بحدِّ ذاته أو كونهُ اضطرابًا من اضطرابات الصحّة العقليّة، ولكنّه قد يظهر متزامنًا مع بعض المشكلات النفسيّة والعقليّة، وقد وُصِفت هذه المشكلة للمرّةِ الأولى في أوائل السبعينات من قِبل الطبيب النفسيّ بيتر إي سيفنيوس، وعلى الرغم من كونها مشكلة غير معروفة تمامًا، فإنّ التوقّعات تُشير إلى وجود حوالي شخص واحد بين كلّ 10 أشخاص يعانون من نقص الانسجام النفسي.

ما هي أعراض نقص الانسجام النفسي؟

من أبرز الأعراض والعلامات التي تُشير إلى وجود مشكلة نقص الانسجام النفسي:

  • وجود مشكلات في التفريق بين العواطف والأحاسيس الجسديّة المرتبطة بهذه العواطف.
  • صعوبة التعرّف على المشاعر والعواطف.
  • وجود مشكلة في التعرّف على العواطف لدى الآخرين والاستجابة لها، بما في ذلك نبرة الصوت وتعابير الوجه.
  • امتلاك قدرة محدودة على إيصال المشاعر للآخرين، وامتلاك مهارات تواصل محدودة.
  • عدم امتلاك المهارات للتعامل مع التوتّر والضغط النفسي.
  • اتباع نمط تفكير جامد ويقوم على المنطق فقط، أي لا يأخذ بعين الاعتبار وجود العواطف والمشاعر.
  • عدم الرضا عن الحياة كما يجب.
  • عدم القدرة على التخيّل.
  • التصرّف بطريقة أقلّ إيثارًا مقارنةً بالآخرين.
  • الميل للجمود وانعدام حسّ الفكاهة.
  • الظهور بمظهر الشخص غير المتعاطف في التعامل مع الآخرين والمواقف.
  • الهياج أو الغضب.
  • الشعور بالانزعاج العامّ أو الارتباك.
  • المرور بنوبة ذعر أو تسارع نبضات القلب.
  • الشعور بالخواء أو الفراغ.

وقد تلاحظ على المصاب اختلاف في فهمه لحواسه وحالته الداخليّة:

  • الشعور بالحرارة بطريقة مختلفة عن الآخرين.
  • نسيان تناول الطعام.
  • كونه غير متأكدًا من مقدار صعوبة عناق الآخرين.
  • عدم تأكد الشخص من شعوره بالتوتر حتى يُخبرهم شخص آخر بأنّه يعاني التوتّر.
  • صعوبة الإحساس بتشنّج وشدّ العضلات.
  • تناول الطعام إلى مرحلة الشعور بالانزعاج.
  • يبدو عليه أنّه أخرق أو غير منظّم.

ما هي أسباب نقص الانسجام النفسي؟

لم يتمكّن الأطبّاء من تحديد السّبب الأساسيّ الكامن وراء حدوث مشكلة نقص الانسجام النفسي، ومع ذلك من المحتمل تطوّره لدى البعض بسبب:

  • وراثة جينات معيّنة: فقد دلت العديد من الدراسات إلى أنّ تطور مشكلة نقص الانسجام النفسي قد تظهر في حالة وجود أقارب يعانون المشكلة ذاتها.
  • إصابة الدماغ: من المحتمل أن ينجم عن إصابات الدماغ تضرّر جزء معيّن في الدماغ مسؤول عن التعاطف والمهارات الاجتماعيّة والمشاعر.
  • التعرض  للصدمة: لوحِظَ ظهور أعراض اليكسيثيميا لدى الأشخاص الذين تعرضوا مسبقًا لصدمة أو إهمال في مرحلة الطفولة، إذ قد ينجم عن الصدمة في مرحلة الطفولة حدوث تغيرات في الدماغ، قد تعيق الشعور بالعواطف وتحديدها لاحقًا.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ نقص الانسجام النفسي قد يتعلّق بوجود بعض المشكلات، مثل:

  • الاكتئاب واضطرابات العواطف: من المحتمل ظهور أعراض نقص الانسجام النفسي في حالات الإصابة بالاكتئاب، واضطرابات ما بعد الولادة، كذلك في حالات الإصابة بالفُصام.
  • التوحد: واحدة من الأعراض النمطيّة التي قد تظهر لدى مرضى التوحُّد وهي فقدان التعاطف، وقد أشارت عدد من الدراسات إلى أنّ ما يصل إلى حوالي نصف عدد المصابين بالتوحد يعانون أيضًا من نقص الانسجام النفسي.
  • مشكلات أخرى: قد تظهر مشكلة اليكسيثميا في حالات الإصابة بمشكلات عصبيّة محدّدة، مثل الجلطة الدماغيّة، وإصابات الدماغ الرضية، والتصلّب المتعدّد، ومرض باركنسون، والصّرع، والزهايمر، وخلل التوتر أو ديستونيا (Dystonia)‏.

ما هي عوامل خطورة نقص الانسجام النفسي؟

ثمّة مجموعة من العوامل التي قد تزيد من خطورة ظهور مشكلة نقص الانسجام النفسي، منها:

  • تقدُّم العُمر.
  • الجنس، إذ تشير العديد من الدراسات إلى أنّ نقص الانسجام العاطفيّ يظهر أكثر لدى الذكور مقارنةً بالإناث.
  • تدنّي المستوى التعليميّ.
  • نقص الذكاء العاطفيّ.
  • تدنّي الحالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

كيف يؤثر نقص الانسجام النفسي على العلاقات؟

الخصائص التي يتمتّع بها الشخص الذي يعاني نقص الانسجام النفسيّ قد تكون مثيرة للضجر في العلاقات العاطفيّة، وقد تؤدي إلى:

  • الشعور بعدم تلقّي الدعم من قِبل الشريك.
  • فقدان التعاطف.
  • الشعور كما لو كنت غير مهمّ في العلاقة.
  • الإحساس بأنّ الشريك لا يمكنه تمييز مشاعرك.
  • اختلاف طريقة تفاعل الشريك مع الموقف الذي يستدعي التعاطف.
  • تأثّر كلًّا من: الرومانسيّة، والالتزام في العلاقة، والرضا عنها.
  • الشعور بالوحدة والنقص العاطفيّ، وربما ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، في حال كان الشريك يعاني مشكلة نقص الانسجام النفسي.

ربطت إحدى الدراسات التي أجريت في عام (2021)م، بين مشكلة اليكسيثيميا والخوف من الحميميّة، وفي هذه الحالة قد تظهر على المصاب بعض المشكلات، مثل:

  • فقدان الثقة.
  • الحساسيّة تجاه النقد.
  • الخوف من الرفض.
  • تخريب العلاقات العاطفيّة.
  • الابتعاد عن التواصل الجسدي.
  • تجنّب مناقشة المشاعر أو العواطف.
  • العُزلة الاجتماعيّة.
  • صعوبة تنظيم المشاعر.

هل يُمكن للأشخاص الذين يعانون من نقص الانسجام العاطفي الشعور بالحب؟

يمكنهم الشعور بالحب في حال كانت مشاعر الحب لديهم كبيرة لدرجة كافية، تدفعهم إلى الإحساس بوجودها، ولكنّهم مع ذلك يواجهون صعوبة في التعبير عنها أو وصفها للطرف الآخر، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن يتمكّن البعض من التعبير عن الحب من خلال الأفعال بدلًا من الكلمات، مثل العمل بجدٍّ واجتهاد، من أجل توفير الدعم المادّي أو المساعدة في حلّ المشكلات، ومع ذلك قد لا يكون ذلك كافيًا لإيصال حقيقة المشاعر للشريك العاطفيّ، وهو ما يعيقه من ملاحظة وجود الحب في العلاقة ويدفعه إلى تجنُّب التعبير عن مشاعره والإفصاح عمّا في داخله.

كيف يُشخّص الطبيب نقص الانسجام النفسي؟

لن يتمكّن الأطباء أو الأخصائيّين النفسيّين من تشخيص ظاهرة نقص الانسجام النفسي رسميًّا كونها لا تنتمي إلى مجموعة اضطرابات الصحّة النفسيّة، ولا يوجد اختبار معيّن يمكن من خلاله الكشف عن الإصابة به، ومع ذلك، قد يقوم الطبيب المختصّ بتشخيص هذه الحالة وتمييز وجودها باتباع الآتي:

  • طرح مجموعة من الأسئلة على الشخص الذي يعاني المشكلة وتكوين تشخيص للحالة بناءً على الإجابات التي يحصل عليها.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي(MRI) للدماغ من قِبل مختصّ بالأعصاب.

كيف يعالَج نقص الانسجام النفسي؟

لا يوجد طريقة محدّدة لعلاج حالة نقص الانسجام النفسي، ولكن عادةً ما يضع الطبيب خطّة العلاج المناسبة بالاعتماد على الصحّة العامّة، أي وجود مشكلات نفسيّة أو تناول أدوية معيّنة، وغالبًا ما يفيد العلاج في السيطرة على الحالة وتحسين الصحّة النفسيّة، ومن طرق العلاج التي قد تفيد في هذه الحالة:

  • المعالجة الجماعيّة.
  • العلاج المعرفي السلوكي(Cognitive behavioral therapy).
  • العلاج النفسي، أو العلاج بالكلام.

كيف أساعد شريكي الذي يعاني نقص الانسجام العاطفي؟

رغمَ صعوبة الحياة مع شريك يعاني نقص الانسجام العاطفي، ثمّة مجموعة من الأشياء يمكنك القيام بها لتحسين الوضع، منها:

  • التواصل بوضوح، أي حاول إخباره بما تشعر به أو ما تحتاج إليه بصورة مباشرة، خاصةً وأنّه لا يمتلك مهارة تفسير حقيقة مشاعرك بناءً على الإشارات، فمثلًا، في حال بدأ الشريك يقاطعك في أوقات عملك وانشغالك، يمكنك الإشارة بوضوح إلى أنّ الوقت الحالي ليس مناسبًا للتحدث بسبب انشغالك، فهو يسيء فهم ما تمرّ به.
  • وصف المشاعر، فإذا لاحظت أنّ الشريك لا يستطيع التعرف على المشاعر أو وصفها، يمكنك قراءة الإشارات التي قد تدلّ على ما يشعر به وإخباره بما تراه، كأن تُخبره”تبدو متعبًا” أو “تبدو غاضبًا” أو “تبدو محبطًا”.
  • دعم الاستنباه الداخلي، فمثلًا، قد يشعر الشريك بالعصبيّة بسبب الجوع أو التعب ولكنّه غير قادر على تحديد مشكلته تمامًا، في هذه الحالة يمكنك مساعدته وتشجيعه على تناول الطعام والحصول على الراحة اللّازمة.
  • حضور جلسات علاج الأزواج، فهي من طرق العلاج الفعّالة في تعزيز قدرة الشريك على التعرّف إلى المشاعر، كذلك تعليمك طرق أكثر فعاليّة للتواصل معه.

وأخيرًا، على الرغم من كون مشكلة نقص الانسجام العاطفي مشكلة غير خطِرة، فإنّها قد تتسبّب عن غير قصد حدوث مشكلات وتعقيدات في العلاقات الشخصيّة، ولكن، اعلم بأنّ العديد من طرق العلاج المتوفّرة في وقتنا الراهن قد تساعدك على تحسين المهارات النفسيّة والتمكّن من استعادة عافيتك وتقوية علاقاتك مع الآخرين، وتذكر بأنّ معاناتك من هذه المشكلة ليس خطأك، ولديك كامل الحق أن تشعر بالحبّ والاهتمام، وهنا يتجلّى دور الشريك في تقديم الدعم لتلقّي المساعدة وحضور جلسات العلاج النفسيّ، حتى يتسنّى لكما العيش بسلام وحب سويّة، ومقاومة الصعوبات التي تواجهكما في العلاقة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى          

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *