يمتلك البشر القدرة على تمييز ما يحدث في بيئتهم المحيطة والانتباه له، وهو ما يساعدهم على متابعة سير الحياة، سواءً بملاحظة تغيّر موقع الأشياء، أو ملاحظة تواجد أشخاص في مكانٍ ما خلال فترة زمنيّة محدّدة، ولكن يبدو أنّ البعض قد يعاني من تشويش أو خلل يؤثّر في هذه القدرة بشكلٍ مؤقّت أو دائم لأسبابٍ عدّة، كما هو الحال مع متلازمة فريجولي وغيرها من المشكلات والاضطرابات التي تؤثر في فئات معيّنة.

 

ما هي متلازمة فريجولي؟ 

تعدّ متلازمة فريجولي(Fregoli Syndrome)  واحدةً من المشكلات النّفسيّة النّادرة التي يعاني فيها المصاب من اعتقاد خاطئ وواهم بأنّ شخصًا محدّدًا موجود في محيطه -والذي عادةً ما يكون غريبًا- هو في الواقع شخص مألوف متنكِّر على هيئة شخص آخر يقوم بملاحقته من اجل اضطهاده، وقد يكون لدى المصاب اعتقاد شديد وخاطئ بأنّ مجموعةً من الأشخاص هم في الواقع شخصٌ واحدٌ يغيّر مظهره ويتنكّر، وقد تؤدّي هذه الأوهام إلى زيادة الشّعور بالرّيبة والقلق ما يؤثّر سلبًا على حياة المصاب، لذلك، من المهمّ السّيطرة على الحالة وتخفيف أعراضها بتلقّي العلاج.      

ظهرت متلازمة فريجولي لأوّل مرّة في عام 1927 ميلادي، إذ وُثّقت حالة لامرأة اعتقدت أنّ اثنين من الممثّلين المشاهير في وقتها يقومان بالتّنكّر على شكل أصدقائها، أو غرباء، أو رؤساء عمل، ويقومان بملاحقتها في الشّارع والتّربّص بها، ولقد أطلق كوربون(Courbon)  وفايل(Fail)  على هذه المتلازمة اسم متلازمة فريجولي نسبةً للممثّل الإيطاليّ ليوبولدو فريجولي(Leopoldo Fregoli)  بسبب قدرته الاستثنائيّة على تقليد وتجسيد شخصيات مختلفة على المسرح. 

تنتمي متلازمة فريجولي لمجموعة تعرف باسم متلازمات سوء التّعرّف (Misidentification syndromes)؛ والتي يعتقد فيها المصاب مخطئًا بأنّ شخصًا ما ينتحل شخصيّة شخصٍ آخر، وتضمّ المجموعة أنواعًا أخرى من المتلازمات إلى جانب متلازمة فريجولي، وهي:

  • أوهام كابجراس أو أوهام كابغرا(Capgras Delusions) ؛ وهي اعتقاد المصاب بأنّ أحد أحبّته قد استُبدل بمحتال، أي أنّ المظهر والهويّة لشخص معروف جدًّا أو قريب قد سرقه محتال أو أنه قد تم استبداله بنسخة شبيهة. 
  • أوهام التّحوّل الشّخصي (Intermetamorphosis Delusions)؛ وهي اعتقاد المصاب بأنّ عددًا من الأشخاص هم في الواقع شخص واحد، يقوم بتغيير شكله باستمرار، أو أنّ أحد الأقارب ذوي الأهمية يتم استبداله بقريب آخر مهم، كاستبدال الأب بالزوج والعكس صحيح، كما قد يظهر على صورة اعتقاد بأنّ شخص أو شيء   تغيّر بشكل مادي أو نفسي إلى شيء آخر. 
  • متلازمة التّضاعف الذّاتي (Subjective Doubles) ؛ وهي اعتقاد المصاب بوجود شبيهٍ له أو نسخةٌ عنه.

 

ما هي أسباب الإصابة بمتلازمة فريجولي؟ 

لم يُعرف المسبّب الرّئيسيّ للإصابة بمتلازمة فريجولي حتّى هذه اللّحظة، ولكنّه من المعتقد أنّ المتلازمة مرتبطةٌ باضطرابات الدّماغ، وأنّ التّعرّض للصّدمات يحفّز الإصابة بها. وبشكلٍ عام، من الأسباب المحتملة للإصابة بمتلازمة فريجولي: 

  • الفصام(Schizophrenia) ؛ الذي يصاحبه في كثيرٍ من الأحيان أوهام وهلوسات يعانيها المصاب، وقد تتعلّق هذه الأوهام بأنّ شخصًا ينتحل شخصيّة آخر يستمرّ في ملاحقته. 
  • صدمة إصابات الدماغ الرضية(Traumatic Brain Injury/ TBI) ؛ فقد تؤدّي إصابات الدّماغ إلى تغيّر أسلوب تفكير الشّخص وتصرّفاته، لذلك يكون أكثر عرضةً للإصابة بالأوهام، بما في ذلك أوهام فريجولي. 
  • الخرف(Dementia) ؛ وهو حالة تؤثّر سلبًا على الدّماغ، وتؤدّي إلى تغيّر في أسلوب تفكير وتصرّفات المصاب، فمن الممكن أن يعاني من أوهام بشأن وجود شخص يتتبّعه. 
  • بعض الاضطرابات النّفسيّة؛ فقد تؤدي بعض الاضطرابات النّفسيّة إلى بدء الأوهام؛ كالقلق(Anxiety) ، والاكتئاب(Depression) ، واضطراب ثنائي القطب(Bipolar Disorder) .

 

ما هي علامات الإصابة بمتلازمة فريجولي؟

تظهر على المصاب بمتلازمة فريجولي مجموعة من العلامات والأعراض، من أهمّها: 

  • شعور المصاب بأنّ شخصًا ما يتظاهر بكونه شخصًا آخر بهدف إلحاق الأذى به. 
  • الشّعور بملاحقة شخص ما له. 
  • الإحساس بالقلق وجنون الارتياب أو البارانويا (Paranoia)
  • الشّعور بأنّ عدّة أشخاص هم في الواقع شخص واحد متنكّر.
  • اختلال الذاكرة الصوريّة لدى المصاب.
  • المعاناة من الهلاوس.
  • اضطراب الوعي بالذات.
  • اختلال في المرونة الإدراكيّة (Cognitive flexibility).
  • اضطراب الوظائف التنفيذيّة (Executive functions).
  • وجود تاريخ سابق لحالات النشاط المُحدث للصّرع (Epileptogenic).

ما الفرق بين متلازمة فريجولي ومتلازمة كابجراس؟

تم تعريف كلّا من المتلازمتين سابقًا، فهما من الاضطرابات النفسيّة التي تسبّب توهّمًا لدى المصاب بشأن الأشخاص حوله، والذين يتفاعل معهم اجتماعيًّا، وهما من المشكلات النادرة جدًّا التي غالبًا ما تظهر لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسيّة أخرى، ولكن لتوضيح الفرق بينهما يمكن القول بأنّ المصاب بمتلازمة كابجراس يعتقد أنّ محتالًا قد أخذ مكان شخص مهمّ في حياته، أمّا في متلازمة فريجولي، فإنّ المصاب يؤمن بأنّ أشخاصًا مختلفين هم في الحقيقة شخص واحد، وأنّ الشخص المعني يقوم ببساطة بالتنكّر لخداعه.

وبالنسبة للفروقات الأخرى، فيمكن توضيحها في الآتي:

  • السّبب: قد تحدث متلازمة فريجولي جرّاء التعرّض لإصابة قوية على الجزء الجداري (Parietal area) والجزء الصدغي (Temporal area) في الدماغ، أو تضرّر الممرّات العصبيّة الأخرى، أمّا متلازمة كابجراس، فقد تحدث لأسباب أكثر تعقيدًا تتعلق بالتشريح العصبيّ.
  • الأعراض: قد يصاحب متلازمة فريجولي أوهام، وخلل إدراكي، وهلاوس بصريّة وسمعيّة، ومشاكل في الذاكرة البصريّة والوظيفة الحركيّة، أمّا متلازمة كابجراس، فقد يصاحبها فقدان الاستجابة العاطفيّة للوجوه المألوفة، والمعاناة من الأوهام، والقلق والاكتئاب المتواصل.
  • العلاج: قد يصِف الطبيب في علاج متلازمة فريجولي أدوية معيّنة للسيطرة على الأعراض، كمضادات الذهان، ومضادات التشنجات، ومضادات الاكتئاب، إلى جانب أهميّة التوجيه السليم لعائلة المصاب، أمّا متلازمة كابجراس، فقد تُظهر تحسّنًا أكثر باتباع العلاج السلوكي المعرفي مقارنةً باستخدام الأدوية، إلى جانب استخدام العلاج بالتأهيل. 

  

كيف يتمّ تشخيص الإصابة بمتلازمة فريجولي؟ 

تعدّ متلازمة فريجولي من المشكلات التي يصعب تشخيصها نظرًا لنُدرة حدوثها، لذلك، غالبًا ما ينطوي التشخيص على استبعاد المشكلات التي تسبّب الأعراض ذاتها، إذ يقوم الطّبيب النّفسيّ بإجراء تقييم نفسيّ شامل للمصاب الذي تلازمه أوهام تتعلّق بملاحقة شخص ينتحل شخصيّة شخصٍ آخر له، فإن لم تتوافق أعراض المصاب وتاريخه المرضيّ مع تشخيص إحدى الاضطرابات النّفسيّة الأخرى، فقد يقوم الطّبيب النّفسيّ بتشخيص الحالة بمتلازمة فريجولي، كما يتضمّن التشخيص القيام بالتحقّق من التعرّض لإصابات في الدّماغ، سواءً كانت قديمة أم جديدة، أو الكشف عن الإصابة باضطرابات محتملة في الدماغ.

 

كيف تُعالج متلازمة فريجولي؟ 

على الرّغم من عدم وجود علاج فعليّ لمتلازمة فريجولي، إلّا أنَّ السّيطرة على الحالة وتحسين أعراضها مُمكن، إذ يهدف العلاج في هذه الحالة إلى تخفيف حدّة الأعراض وتحسين جودة حياة المصاب. ومن خيارات العلاج المتاحة للمصاب:

  • العلاج الدّوائيّ: فقد يوصي الطبيب باستخدام مضادّات الذّهان(Antipsychotic Medication)  للمساعدة على تخفيف الأوهام، كما يصِف الطبيب في بعض الحالات مضادات للاكتئاب (Antidepressants)، أو مضادات الاختلاج (Anticonvulsants)، وعمومًا، تُعطى الأدوية في حالات الإصابة بمتلازمة فريجولي بهدف تخفيف الأعراض المزعجة التي يعانيها المصاب.
  • العلاج النّفسيّ: يساعد العلاج النّفسيّ على التّأقلم مع الضّغوطات والتوتر النّاجم عن الأوهام المصاحبة للإصابة بمتلازمة فريجولي، ومن أفضل أنواع العلاج النّفسيّ المُتّبع في حالات الإصابة بمتلازمة فريجولي ما يعرف بالعلاج المعرفيّ السّلوكيّ (Cognitive Behavioral Therapy)، وفيه يساعد الطّبيب النّفسي المصاب على تمييز ومجابهة أوهامه واعتقاداته الخاطئة.
  • مجموعات الدّعم: تساعد مجموعات الدّعم على ربط المصابين ببعضهم وتقليل شعورهم بالوحدة، كما أنّها تساعد على توفير بيئة آمنة للمصابين ليتمكّنوا من مشاركة تجاربهم مع أشخاص عاشوا تجارب مشابهة، ويمكنهم فهم ما يشعر به المصاب بالفعل، كما يقوم الأفراد بمشاركة وسائل التّأقلم التي حقّقت فائدة فيما بينهم. 

 

كيف أتعايش مع متلازمة فريجولي؟ 

قد تسبب متلازمة فريجولي الكثير من القلق والخوف لدى المصاب جرّاء اعتقاده أنّ شخصًا يقوم بملاحقته متنكّرًا، لذلك، يمكن القول بأنّ السّيطرة على هذه الأوهام وزيادة قدرة المصاب على تمييزها قد يساهم في تحسين جودة حياته وسلامته، وقبل كلّ شيء، يجب الحرص على طلب المساعدة من الطّبيب أو المعالج النّفسيّ والالتزام بالعلاج المناسب الذي يحدّده وفق ما تتطلّبه الحالة، كما يمكنك أخذ هذه النّقاط بعين الاعتبار للتّعايش مع المتلازمة: 

  • زيادة الوعي؛ فعليك معرفة مرضك أكثر لتتمكّن من فهم حالتك وتأثيرها على حياتك، كما أنّ هذه المعرفة ستساعدك على اتّخاذ القرارات المناسبة بخصوص وسائل التّأقلم والعلاج المتاحة. 
  • الاعتناء بالصّحّة النّفسيّة والجسديّة؛ إذ تؤثر الصّحّة الجسديّة على الصّحّة النّفسيّة والعكس صحيح، لذلك يجب دائمًا الأخذ بعين الاعتبار العناية بسلامة الجسد والعقل، وعدم الاهتمام بجانب واحد فقط على حساب الآخر، وفي هذا السياق، يوصَى بتناول الغذاء الصّحيّ والمتوازن، وممارسة الرّياضة، وأخذ قسط كافٍ من الرّاحة، إلى جانب الاهتمام بممارسة تقنيات الاسترخاء وتقليل التّوتّر؛ كاليوغا، والتّأمّل، والرّسم، وأيّة أنشطة أخرى تساعد على الاسترخاء وتهدئة النّفس والأفكار.
  • البقاء على تواصل مع أفراد العائلة أو الأصدقاء المقرّبين؛ فالجميع بحاجةٍ للدّعم والمساندة، كما يساعدك قضاء الوقت مع أحبّتك على تقليل التّوتّر وإضفاء البهجة في حياتك. 

لابدّ من طلب المساعدة من الطّبيب أو المعالج النّفسيّ في حالات الإصابة بمتلازمة فريجولي لما قد يكون لها من أثر سلبيّ على حياة المصاب، خاصةً وأنّ أولى خطوات العلاج ترتكز على تشخيص المشكلة بشكلٍ صحيح، ورغم عدم توفّر علاج قطعيّ للمتلازمة، إلّا أنّ مجموعةً واسعة من العلاجات المتوفّرة قد تساهم في تخفيف الأعراض، ومساعدة المصاب على ممارسة حياته بشكلٍ طبيعيّ، لذلك، احرص على التحلّي بالأمل وعدم اليأس، واعلم أنّ متلازمة فريجولي من الاضطرابات الجديدة، وهذا يعني أنّ الكثير من الأمور قد تُكشَف مع الوقت بشأن العلاج والقدرة على التحكّم بالأعراض. 

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى    

المراجع: 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *