متلازمة الانسحاب الكحولي (Alcohol Withdrawal Syndrome)

يقع البعض في فخ إدمان المشروبات الكحولية عندما يستمرّ باستهلاكها لفترات طويلة وبكميات كبيرة، فجسده يُصبح مُعتمدًا على هذه المشروبات، ولكنْ، ما الذي يحدث عندما يحاول هذا الشخص وقف استهلاك الكحول بصورة مفاجئة؟ وهل لذلك علاقة بما يُعرف بمتلازمة الانسحاب الكحولي؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.

ما هي متلازمة الانسحاب الكحولي؟

متلازمة الانسحاب الكحولي (Alcohol Withdrawal Syndrome)؛ هي عبارة عن مجموعة من الأعراض التي تظهر على الشخص عند انقطاعه عن شرب الكحول بصورة مفاجئة أو تقليله الكمية المُستهلكة بشكلٍ كبير في حال كان مدمنًا على الكحول ويعاني الاعتماد الجسدي (Physical Dependence) على هذه المادة؛ جرَّاء استهلاكها بكثرة ولفترة زمنية طويلة، وقد تكون الأعراض الظاهرة على المُصاب مزيجًا من تغيرات جسدية وعاطفية مختلفة في شِدتها من شخصٍ لآخر. 

ما هي أعراض متلازمة الانسحاب الكحولي؟

تتراوح الأعراض في شِدتها بين الخفيفة والخطِرة، وهذا يعتمد بالأساس على طول فترة تعاطي الكحول وكمية الشرب، وفي الآتي ذكر بعض من هذه الأعراض التي قد تظهر عند ترك مدمن الكحول الشرب:

أعراض تظهر خلال 6 ساعات بعد وقف الشرب

  • ارتجاف اليدين.
  • الغثيان.
  • القلق.
  • الأرق.
  • التقيؤ.
  • التعرّق.

أعراض تظهر خلال 12-48 ساعة من ترك الشراب

وهي أعراض أكثر شِدة، مثل:

  • لتشنجات؛ تبدأ بالظهور ربما خلال اليومين التاليين لترك الشرب.
  • الهلوسات؛ التي قد تظهر خلال فترة 12-24 ساعة بعد التوقف عن الشرب.

أعراض تظهر خلال 48-72 ساعة بعد وقف الشرب

وهي مرحلة الهذيان الارتعاشي أو البُطاح الغَوْلي (Delirium tremens)، وهنا تظهر الأعراض الشديدة، مثل:

  • الهلاوس الأقرب للواقعية، سواءً كانت سمعية أو بصرية أو حسيّة.
  • الهذيان.
  • تسارع نبضات القلب.
  • الحمى.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • التعرّق الشديد.
  • التشوش الذهني.
  • تسارع التنفس.

ما سبب متلازمة الانسحاب الكحولي؟

ويعود السبب في ظهور أعراض هذه المتلازمة إلى حدوث تغيّر في مستويات مواد كيميائية معينة في الدماغ عند شرب الكحول؛ الأولى وهي المادة الأساسية المثبِّطة في الدماغ، المعروفة باسم حمض الغاما-أمينوبيوتيريك (GABA)، والثانية هي المادة الكيميائية الأساسية المحفِّزة في الدماغ والتي يُطلق عليها الجلوتاميت (Glutamate).

إذْ يحدث بعد شرب الكحول تغير في وظائف مستقبلات الجابا والجلوتاميت، فيقل نشاط الدماغ ويؤدي ذلك إلى الشعور بالهدوء وانخفاض القلق، لذلك يبدأ الدماغ بتقليل إفراز حمض الغاما-أمينوبيوتيريك وزيادة تحفيز إشارات الجلوتاميت للتغلب على تغير مستوياتهما بسبب شرب الكحول، ويستمر هذا التأقلم مع استمرار شرب الكحول.

وهذا يعني أنّ الإفراط في شرب الكحول يتسبّب في إثارة الجهاز العصبي وتحفيزه، واستهلاكه يوميًّا يُسفر عنه الاعتماد على الكحول مع مرور الوقت، وبالتالي لن يُصبح الجهاز العصبي المركزي قادرًا على التكيف بسهولة مع نقص الكحول في الجسم، وعند وقف استهلاكه أو تقليله يحدث اضطراب في نشاط الدماغ، والدخول في حالة فرط الإثارة وبالتالي ظهور أعراض انسحابية متنوعة خلال ساعات بعد آخر مشروب.

ما الفرق بين تسطيل الخمر ومتلازمة الانسحاب الكحولي؟

لا يُمكن اعتبار متلازمة الانسحاب الكحولي والخُمَار أو تسطيل الخمر (Hangover) حالة واحدة رغم التشابه بينهما في بعض الأعراض، فالأسباب في كِلا الحالتين مختلفة، ويُمكن توضيح ذلك في الآتي:

  • تسطيل الخمر: تظهر أعراضه عندما يبدأ مفعول الكحول بالتلاشي بعد استهلاك كميات كبيرة منه في المرة الواحدة-أيْ المستهلك ليس مدمنًا على الكحول-، وتكون هذه الأعراض على صورة صداع، وغثيان، وإعياء جسدي، بما أنّ استهلاك الكثير من الكحول يسبب تهيّج بطانة المعدة، وحدوث الجفاف، وتحفيز الالتهاب في الجسم.
  • متلازمة الانسحاب الكحولي: كما ذكرنا سابقًا، تظهر أعراضه عند توقف الشخص الذي يعاني من اضطراب تعاطي الكحول (إدمان الكحول) عن تناول المشروبات الكحولية بصورة مفاجئة، أو تقليل استهلاكها بنسبة كبيرة، ويُعزى ذلك إلى تعوّد الجسم على مستويات معينة من الكحول في أجهزته، وحدوث تغير في الجهاز العصبي المركزي وإنتاج النواقل العصبية في الدماغ.

متى يجب طلب المساعدة؟

يجب المسارعة إلى طلب المساعدة الطبيّة في حال أصبح من الصعبالسيطرة على كمية الكحول التي يتناولها الشخص أو طول المدة الزمنية التي يتم فيها تناول الكحول، أو في حالة ظهور تَبَعات سوء تعاطي الكحول وآثاره السلبية، ومواصلة الشرب على الرغم من ذلك.

كما يكون من الضروري إسعاف الشخص إلى الطوارىء في حال ظهرت أعراض متلازمة الانسحاب الكحولي الشديدة والخِطرة، كأنْ يعاني المُصاب من الهلاوس، أو اضطراب نُظُم القلب، أو ارتفاع الحرارة بشكل كبير، أو غيرها.

كيف يتم تشخيص متلازمة الانسحاب الكحولي؟

عند مراجعة الطبيب بسبب ظهور أعراض هذه المتلازمة، فإنّه غالبًا ما يقوم بالتشخيص كالآتي:

  • أخذ التاريخ الطبي للمُصاب.
  • إجراء الفحص الجسدي؛ فقد يراقب الطبيب ارتجاف اليدين، أو الجفاف، أو الحمّى، أو عدم انتظام نبضات القلب.
  • طرح الأسئلة التي تساعده على تقييم الحالة، كالأعراض التي يعانيها وطبيعتها.
  • طلب إجراء تحليل الدم الذي يُعرف بفحص السموم أو المخدرات، الذي يساعد على تحديد مستوى الكحول في جسم الشخص.
  • فحوصات للدم واختبارات تصوير تساهم في تقييم الأعضاء في الجسم (كالكبد) ومعرفة تأثير الكحول عليها.

من هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة الانسحاب الكحولي؟

الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بهذه المتلازمة:

  • الأشخاص الذين يُفرِطون في تناول الكحوليات يوميًّا، ولا يُمكنهم وقفه تدريجيًّا.
  • الأشخاص الكبار في سن الرشد، فهذه المتلازمة أكثر شيوعًا بين هذه الفئة، ومع ذلك، قد يعاني الأطفال والمراهقين من أعراض متلازمة الانسحاب الكحولي في حالة الإفراط في شرب الكحول.
  • المعاناة من أعراض هذه المتلازمة مُسبقًا، أو الخضوع للعلاج الطبي بهدف إزالة السموم الناجم عن فرط الشرب وإدمانه في وقتٍ سابق.

كيف تُعالَج متلازمة الانسحاب الكحولي؟

إن الهدف الأساسي من العلاج في هذه الحالة يتمثل في السيطرة على الأعراض، وتقديم الاستشارة النفسية للمساعدة على وقف استهلاك الكحوليات في أقرب فرصة مُمكنة، ويتم تقديم الرعاية والتعامل مع المشكلة بالاعتماد على شِدة الحالة التي يعانيها الشخص، وفي الآتي توضيح ذلك:

الإقامة في المستشفى

وذلك في الحالات الشديدة، حتى يتسنى لفريق الرعاية الطبية مراقبة المريض ومنع تطوّر المضاعفات المؤذية للانسحاب الكحولي، وفي هذا السياق، قد يلجأ الطبيب إلى إعطاء المُصاب أدوية معينة لتخفيف أعراضه، أو تزويده بالسوائل الوريدية لمنع إصابته بالجفاف.

العلاج بالأدوية

قد يصِف الطبيب المختصّ أنواعًا معينة من الأدوية بهدف التعامل مع أعراض الانسحاب الكحولي، مع ضرورة التأكيد على استخدام الدواء كما يوصي الطبيب وبناءً على تعليماته، ومناقشته قبل كل شيء حول آثاره الجانبية وأمان استخدامه.

الرعاية المنزلية

قد تكون خيارًا مناسبًا في حال كانت الأعراض خفيفة، إذْ يُمكن إبقاء الشخص في المنزل مع تواجد أحد أصدقائه أو أقاربه بجانبه لـ:

  • تقييم الحالة ومراقبتها عن كثب.
  • التأكد من عدم تفاقم الأعراض.
  • الاتصال بالطوارىء في حال بدأت الأعراض تزداد شّدة.
  • التأكد من حضور موعد الاستشارة النفسية مع الطبيب المختصّ، والانتظام على زيارته.

استخدام الفيتامينات

فقد يوصي الطبيب بتناول أنواع معينة من مكملات الفيتامينات في حال كان الشخص يعاني من نقصها في جسمه بسبب اضطراب إدمان الكحول كفيتامين ب1 وفيتامين أ وفيتامين ج.

وفي الختام، يوصي الأطباء دائمًا بضرورة الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية لما لها من آثار سلبية عديدة على صحّة الجسم، خاصةً عند استهلاكها بكميات كبيرة أو لفترات طويلة، وعمومًا، يجب التأكيد على ضرورة المسارعة إلى طلب المساعدة الطبية المتخصّصة إنْ كنتَ تعاني من متلازمة الانسحاب الكحولي بسبب إدمان الكحول، فالإجراءات التي يتّخذها الطبيب وفريق الرعاية الصحيّة تساعدكَ بشكلٍ كبير على تخطّي هذه المرحلة الصعبة وتجاوزها بسلام، والعودة للحياة الطبيعية في أقرب فرصة مُمكنة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى     

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *