الوسواس القهري (Obsessive Compulsive Disorder)

يتضمن دليل المساعدة الذاتية للتعامل مع الوسواس القهري (Obsessive Compulsive Disorder)، استراتيجيات العلاج المعرفي السلوكي الفعالة حيث يمكنك فهم المشكلة ثم تعلم كيفية إجراء تغييرات إيجابية. 

 يشير اضطراب الوسواس القهري (OCD) إلى اضطراب قلق تُهيمن فيه الهواجس (الأفكار والصور الإقحامية) والسلوكيات القهرية (الطقوس والرغبة المُلّحة في التصرّف والاستجابات السلوكية للأفكار). يشعر الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري بالمسؤولية الكبيرة لمنع حدوث شيء كارثي (مثال: “يجب أن أبقي البكتيريا بعيدة عن عائلتي وإلا سيمرضون أو يموتون وسيكون ذلك خطئي”). بينما لا يمتلك المصابين الآخرين هذه الأفكار الكارثية، لكنّهم قد يشعرون بعدم الارتياح الشديد ويعانون من القلق والاكتئاب بشكل متزايد إذا لم يفعلوا ما يأمرهم عقلهم بفعله.

قد تكون السلوكيات القهرية “علنية” أو واضحة مثل التنظيف أو اللمس أو الفحص، وقد تكون سلوكيات “عقلية خفية” مثل العد وتكرار الأشياء والتشكيك أو الفحص العقلي. قلة من المصابين يعانون من الوساوس فقط، ومجموعة صغيرة فقط من المصابين يعانون من السلوكيات القهرية فقط.

هناك أشكال أخرى من الوسواس القهري مثل نتف الشعر (Trichotillomania) أو نزع الجلد بشكل قهري (Skin Picking) واضطراب تشوه الجسم (Body Dysmorphic Disorder) حيث يعتقد الشخص أن جزءًا معينًا من جسمه فيه عيب فيفحصه ويتفقده باستمرار أو يقوم بمحاولات لإخفاء “الخلل” أو تغييره.

الحلقة المفرغة للوسواس القهري 

يركز العلاج السلوكي المعرفي  لاضطراب الوسواس القهري على تحدي الأفكار غير المفيدة وتعلّم مقاومة الرغبة الملّحة في التصرّف: التعرض ومنع الاستجابة (Exposure & Response Prevention).

————————————————————————————————————-

نبدأ بدايةً بمعرفة كيفية تأثير أي قلق على جسم الإنسان. يعتبر القلق إشارة إنذار للجسم وتُمثل رد الفعل الطبيعي للاعتقاد بالتعرض لتهديد ما أو الشعور بالخطر. تجدر الإشارة إلى أنه من المفيد فهم ماهية الأدرينالين وكيفية تأثيره على الإنسان. 

لكسر الحلقة المفرغة للوسواس القهري، يحتاج المرء إلى تغيير طريقة تفكيره (طريقة التفكير بالأفكار) وتغيير سلوكياته.

يمكن إجراء تغييرات إيجابية في كل “مسننة” في آلة “الوسواس القهري الشرير”. تلعب كل مسننة صغيرة دورًا رئيسيًا في استمرار اضطراب الوسواس القهري. يؤدي إبطاء كل مسننة أو إيقافها إلى إبطاء وإيقاف سيطرة الوسواس القهري. بالعمل على كل مسننة، سوف يستعيد الشخص السيطرة على حياته من الوسواس القهري.

التفكير بشكل مختلف

ينطوي ذلك على تحدي الأفكار والتفكير فيها بطريقة مختلفة تماماً. ستساعد الأساليب الآتية على تغيير هذه “المسننات”: تتضمن المعتقدات والاستراتيجيات الشائعة في الوسواس القهري ما يلي:

  • تصديق الأفكار الإقحامية 
  • لا بد من العمل على هذه الأفكار
  • أنا مسؤول
  • محاولة إيقاف الأفكار

————————————————————————————————————-

الوسواس القهري المتنمر (The OCD Bully)

تخيل أنك في ساحة المدرسة وهناك شخص متنمر. لا يتصف هذا المتنمر بالعنف، لكنه يسخر من الآخرين ويضايقهم ويضحك عليهم وينتقدهم بكلمات قاسية. تخيل أن هذا المتنمر يختار 3 ضحايا وقت اللعب ويقترب من كل واحد منهم ويتحدث بنفس التهكم: “أنت هناك! أنت غبي جدًا – أعطني نقودك الآن وإلا سأخبر الجميع كم أنت غبي!” كيف تتفاعل كل ضحية؟

  • الضحية رقم 1 يُصدّق المتنمر ويشعر بالضيق ويعطيه المال.
  • الضحية رقم 2 يتحدى المتنمر ويقول: “أنا لستُ غبياً، لقد حصلتُ على 8/10 في اختبار الإملاء هذا الصباح، بينما حصلت أنت على 4 من 10، أغرب عن وجهي!”
  • الضحية رقم 3 بالكاد ينظر إلى المتنمر ليعرف هويته ولن يتفاعل معه على الإطلاق، ثم يستدير ليلعب كرة القدم مع أصدقائه.

كيف سيتفاعل المتنمر مع كل منهم؟ على الأغلب سيعود إلى الضحية رقم 1 في معظم الأيام، قد يحاول مرة أخرى مع الضحية رقم 2 لكنه سيستسلم قريبًا، ولن يُزعج الضحية رقم 3 كثيرًا. يتشابه العقل المتنمر لدى الإنسان مع ذلك المتنمر في الملعب، لذا بدلاً من التصرف مثل الضحية رقم 1 وتصديق المتنمر والقيام بما يقول، يمكنك اختيار الرد مثل الضحية رقم 2. علينا أن نتعلم: كيف نتحدى الوسواس القهري المتنمر.

ببساطة انتبه للمتنمر ، ثم اترك الفكرة تذهب وحوّل تركيزك عنها من خلال القيام بشيء آخر.

————————————————————————————————————-

التفكير بشكل مختلف – تحدي الأفكار 

إذا تمكنّ المرء من تغيير طريقة تفكيره في موقف ما، فلن يشعر بالقلق الشديد. يمكنه تعلّم كيفية تحدي تلك الأفكار المقلقة. إن الأفكار ليست حقائق، لذا لا تصدق كل ما تفكر فيه!

ما يؤمن المرء به في أعماقه عن نفسه والآخرين والعالم يؤثر على طريقة فهم الحياة اليومية ويشوهها. اعتقادك أن شيئًا سيئًا قد يحدث، لا يعني أن ذلك سيحدث حقًا! ينظر المرء إلى الحياة والمواقف من خلال تلك العدسات المشوهة.

يمثل تضخم الشعور بالمسؤولية أحد سمات اضطراب الوسواس القهري، مثال: “سيحدث شيء مروع إذا لم أفعل هذا السلوك القهري، وسيكون ذلك خطئي في حال حدوثه”، “إذا فكرت بحدوث هذا الأمر فبالتأكيد سيحدث إذا لم أمنعه بفعل هذا السلوك القهري”. يمكن تحدي هذه المعتقدات المتعلقة بالمسؤولية بنفس الطريقة التي نتحدى بها أفكار الوسواس القهري الأخرى وذلك بإستخدام ورقة عمل سجل أفكار الوسواس القهري أو بإستخدام ورقة عمل دائرة المسؤولية لحساب المسؤولية الحقيقية.

————————————————————————————————————-

التفكير بشكل مختلف – التخلي عن الأفكار 

هذه طريقة أخرى للنظر إلى العقل المتنمر، حيث يميل الإنسان إلى الرد على الأفكار من خلال محاربتها لأنها مزعجة للغاية فيرغب فقط بالتخلص منها. يبدو أن أفضل شيء يمكن فعله هو محاربة هذه الأفكار حتى تختفي أو محاولة إيقافها، غير أنه قد لا يكون ذلك مفيدًا أبداً. 

مثال: حاول ألا تفكر في الفيل الأخضر الآن لمدة 30 ثانية – لا تفكر به ولا تتخيل رؤيته، جرب ذلك لمدة 30 ثانية. ماذا حدث؟ هل فكرت في الفيل الأخضر؟ هذه هي الطريقة التي يعمل بها العقل. عندما يتبع المرء نظام غذائي لخسارة الوزن، ينصب تفكيره على الطعام، أليس كذلك؟ كلما حاول الإنسان عدم التفكير في شيء ما، يزداد ظهوره في عقله. يمكن تشبيه ذلك بمحاولة إغراق كرة تحت الماء حيث يجب المحافظة على زيادة الضغط للأسفل لكن ستستمر الكرة في الظهور مراراً، بينما في حال ترك الكرة تذهب، ستنجرف بعيداً. قد تظهر هذه الأفكار من وقت لآخر، لكن لا بأس بذلك يمكن تركها تذهب.

يشبه ذلك العقل المتنمر، حيث يستمر الشخص في شد الحبل معه، لكن يمكنه ببساطة ترك الحبل.

  • الاعتراف بوجود الوسواس القهري المتنمر 
  • ترك الأفكار تذهب
  • تغيير تركيز الانتباه والقيام بشيء آخر

التقبل والاختيار واتخاذ الإجراء – تقبل الفكرة كفكرة، اختر كيف تتفاعل معها، ثم قم بذلك.

قبول الفكرة أم تغييرها أم تركها تختفي؟ – تقبل ما يحدث كما هو، أو تغيير الموقف، أو ترك الأفكار والمشاعر تذهب بعيداً؟

————————————————————————————————————-

التفكير بشكل مختلف – تركيز الانتباه

ينشغل المرء بسهولة في أفكاره وعدم ارتياحه، لذا من المفيد جدًا أن يتعلم تغيير تركيز انتباه بحيث تتلاشى الأفكار والمشاعر المؤلمة قليلاً في الخلفية بينما لا تزال موجودة. يشكّل البدء بالتنفس الأمر الأسهل والأكثر فاعلية لأن ذلك سيهدئ استجابة الجسم للأدرينالين الناتج عن القلق. يمكن عمل ذلك من خلال التمرن على التنفس واليقظة الذهنية. كما يمكن اكتساب وتطبيق مهارات اليقظة الذهنية بما يتضمن نشاطات اليقظة الذهنية. 

————————————————————————————————————-

التفكير باللحظة الحالية: الآن!

لاحظ: أين يتركز انتباهي الآن؟ 

انتبه: ماذا أفعل. فكر في: “أنا أمشي”، “أنا جالس”، “أنا أتنفس”، ثم لاحظ تلك الأحاسيس في جسدك.

العقل الحكيم: ماذا الآن؟ كيف أستمر؟ الفعل أو الوجود؟

————————————————————————————————————-

اليقظة الذهنية أثناء الانشغال

قم باختيار نشاط معين لتقوم به بتركيز طوال اليوم لمدة دقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق. مثال: اشرب كوبًا من الشاي أو امشِ أو اغسل الصحون.

مهما فعلت أو مهما كان النشاط الذي اخترته، تواجد بكامل تركيزك في تلك اللحظة الحالية. ركّز على النظر والسمع والتذوق والشم واللمس والشعور والتنفس. 

ما عليك سوى ملاحظة توقيت ظهور الأفكار والأحاسيس في الذهن ثم أعد تركيز انتباهك على نشاط اليقظة الذهنية الذي اخترته.

كن صبورًا ورحيمًا مع نفسك وحاول وصف الأشياء فقط دون الحكم عليها بأنها جيدة أو غير جيدة، لطيفة أو غير سارّة، اتبع قاعدة “يبدو الأمر كما هو عليه”.

——————————————————————————————————–

القيام بالأمور بشكل مختلف

يؤدي القيام بالسلوكيات القهرية استجابةً للأفكار إلى استمرار قلق الوسواس القهري، وذلك بسبب عدم تعلّم فكرة “عدم القيام بتلك السلوكيات لن يؤدي إلى النتيجة المخيفة”. وعليه، يتسبب عدم القيام بالسلوكيات القهرية أو عدم التحقق من الأشياء بإثارة القلق في بداية الأمر، ولكن يمكن التعامل مع ذلك باستخدام استراتيجيات التأقلم لتحمل الانزعاج. بتلك الطريقة يقتنع الشخص بفكرة أنه لمجرد وجود فكرة ما، لا يتوجب عليه القيام بالسلوكيات القهرية وأن الحدث المخيف لن يحدث.

——————————————————————————————————–

القيام بالأمور بشكل مختلف: منع التعرض والاستجابة

يشير التعرض ومنع الاستجابة (Exposure and Response Prevention) إلى نوع من العلاج السلوكي لاضطراب الوسواس القهري ويعني ببساطة التعرض للفكرة أو الموقف المُقلق وعدم الاستجابة له بالقيام بالسلوكيات القهرية. تتمثل الطريقة الأسهل للبدء في كتابة مذكرات للأفكار الوسواسية والسلوكيات القهرية لمدة أسبوع باستخدام ورقة العمل، وبعد تحديد ما تفعله (متى، والمدة وما إلى ذلك)، يمكنك سردها جميعًا باستخدام ورقة عمل “التسلسل الهرمي للمواقف المخيفة” وتقييمها وفقًا لتسببها بالقلق أو ماذا سيحصل إذا لم تتمكن من فعل ما تشعر أنك مضطر لفعله.

ابدأ بعد ذلك بالموقف أو السلوكيات القهرية الأقل ألماً أو إزعاجاً. ستحتاج إلى تحديد ما يمكن تحقيقه في الأسبوع الأول – التوقف عن القيام بذلك تماماً، أو تقليل عدد المرات أو المدة التي تقوم فيها بذلك، أو تأجيل القيام بذلك لفترة زمنية معينة. إذا قررت التأجيل، يمكنك استخدام ورقة عمل “التأجيل أو تشتيت الانتباه أو اتخاذ القرار”.

قرر ماذا ستفعل لمدة أسبوع واحد وتدّرب على ذلك طوال الأسبوع عدة مرات في اليوم أو بحسب عدد المرات التي تظهر فيها الأفكار. تتبع ذلك بحسب سجل “التعرض ومنع الاستجابة”. 

بعد التغلب على كل السلوكيات القهرية، ستبدأ تدريجياً بصعود التسلسل الهرمي وستنتقل في كل مرة إلى مواقف أكثر صعوبة وحزناً حتى تتغلب على أكثر الأشياء المحزنة.

أثناء ممارسة هذه الاستراتيجيات، ستظل تشعر بالقلق وعدم الراحة الجسدية المصاحبة لعدم الاستجابة الفورية للأفكار من خلال القيام بالسلوكيات القهرية. ومع ذلك، يمكنك ممارسة الاستراتيجيات المتعددة التي تساعدك على التعامل مع هذا الانزعاج، نذكر منها: التنفس، واليقظة الذهنية، وعبارات التأقلم الإيجابية، والتنفس بالألوان، والاسترخاء، والتخيّل، وصندوق أدوات التعاطف مع الذات.

في كل مرة لا تفعل فيها السلوكيات القهرية، يكتشف عقلك أن الشيء الذي كنت تخشى حدوثه لم يحدث مما سيساعدك على تحدي نفس الفكرة عند ظهورها مرة أخرى. يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تختفي هذه الأفكار، ولكن في النهاية يدرك عقلك أنك لست بحاجة إلى تصديق أو ملاحظة هذه الأفكار بعد الآن – لذا تفقد هذه الأفكار قوتها عليك. قد لا تتوقف الأفكار عن الظهور، لكن لا يتعين عليك تصديق كل ما تفكر به!

***تم إعداد المحتوى بالتعاون مع Getselfhelp.co.uk

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *