اضطراب المعارض المتحدي Oppositional Defiant Disorder (ODD)

في بعض الأحيان، يكون التعامل مع الأطفال صعبًا، حتى مع أكثرهم أدبًا وإحسانًا في السلوك، ولكن هل من الطبيعي أن يكون للطفل أو المراهق نمطًا مفرطًا ومستمرًا من الغضب والتهيج والجدال والتحدي؟

ما هو اضطراب المعارض المتحدي؟

من الطبيعي أن يكون للطفل بعض التصرفات المنافية للهدوء والطواعية من حينٍ لآخر، ولكن استمرارية هذه الأعراض الشديدة وزيادة حدتها قد يكون مؤشرًا على وجود ما يُسمى بـ “اضطراب المعارض المتحدي” لدى الطفل. اضطراب المعارض المتحدي أو اضطراب العناد الشارد (Oppositional Defiant Disorder)  هو اضطراب سلوكي نفسي يظهر عادةً في مرحلة الطفولة بين سن 6 و8 سنوات، ويمكن أن يستمر طوال فترة البلوغ. ويتمثل الاضطراب بنوبات متكررة ومستمرة من الغضب أو حدة الطباع أو الجدال أو التحدي أو العدوانية أو النزعة الانتقامية تجاه الآخرين، والتي تستمر لمدة أطول من 6 شهور. يشكل هذا السلوك تحديًا جليًا في التعامل مع الطفل من قبل أسرته والمحيطين به مما يؤثر على طبيعة الحياة اليومية بين أفراد العائلة و في المدرسة. 

ما هي أعراضه؟

قد يصعب التمييز بين السلوك الطبيعي لدى الطفل الذي يتميز بقوة إرادته أو عاطفته، وبين الأعراض المرتبطة باضطراب المعارض المتحدي. كما أنه من غير المرجح أن يرى الطفل سلوكه على أنه مشكلة. يمكن ملاحظة الفرق عند الانتباه على شدة الأعراض واستمراريتها ومدى امتدادها في أماكن مختلفة، والتي عادةً ما تكون متعمدة وعدوانية. تؤدي تلك الأعراض والسلوكيات إلى القصور الكبير في العلاقة الأسرية والأنشطة الاجتماعية والمدرسية. كما ويجدر الذكر بأن تصنيف حدة الاضطراب (خفيفة – متوسطة – شديدة) يعتمد على عدد الأماكن والبيئات التي تلاحظ فيها الأعراض.

تشمل الأعراض، التي تستمر أكثر من 6 شهور، ما يلي:

—الغضب وسرعة الانفعال: 

-نوبات غضب متكررة وفقدان الأعصاب بسهولة

-الإحباط والاستياء وتدني احترام الذات

-الحساسية والانزعاج بسهولة من الآخرين

—السلوك الجدلي والمتحدي والعنادي: 

-مجادلة البالغين أو الأفراد في موقع السلطة

-العناد بشدة ورفض الامتثال للقواعد وطلبات البالغين

-إزعاج الآخرين عمدًا أو لومهم على أخطائه وسوء سلوكه

—النزعة الانتقامية: 

-الحقد وحب الانتقام، وممارسة أحد هذين السلوكين مرتين على الأقل خلال الستة أشهر الماضية

ما هي أسبابه وكيفية الوقاية منه؟

لا يوجد سبب محدد للإصابة بالاضطراب، وظهور أي من العوامل التي تساهم في نشوء المرض لا يعني بالضرورة حتمية الإصابة به. قد يكون الاضطراب ناجمًا عن مزيج من العوامل المُسببة التي تعزز هذه السلوكيات، مثل:


عوامل وراثية: طباع الطفل وحالته المزاجية، والاختلافات البيولوجية في طريقة عمل الأعصاب والدماغ لديه.
عوامل بيئية واجتماعية: وتشمل ما يتعرض له الطفل من محيطه الأسري والاجتماعي، مثل: عدم الاستقرار الأسري والعلاقة السيئة مع أحد الوالدين أو الإهمال أو القسوة أوالفوضوية، أو عدم القدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية أو الفقر.
وجود اضطرابات نفسية أو سلوكية  أخرى لدى الطفل أو أحد والديه: اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، واضطرابات القلق والاكتئاب.
عوامل أخرى: عيوب أو إصابات في مناطق معينة من الدماغ، وتدخين الأم خلال الحمل، و سوء تغذية الطفل، والحصول على انتباه واهتمام الآخرين أو الأقران.

لا توجد طريقة تمنع اضطراب المعارض المتحدي بصورة حتمية، ولكن  يمكن أن تساعد تصرفات الأبوين الإيجابية في تحسين السلوك ومنع الحالة من التدهور. التعامل مع الأعراض عند ظهورها لأول مرة قد يخفف من الضغط على الطفل والأسرة، ويساعد في الوقاية من نوبات الاضطراب، وذلك يمكن من خلال توفير بيئة منزلية داعمة ومتينة مع توازن الحب والانضباط.

كيف يتم تشخيصه؟

يقوم الطبيب بإجراء التشخيص عبر تقييم الحالة والتحقق من سلوكها، وذلك بعد استبعاد الحالات الصحية الجسدية الأخرى عن طريق عمل فحوصات مخبرية أو إشعاعية أو تصويرية.  يتضمن تقييم الطفل تقييمًا شاملًا لحالته الصحية العامة، والمشاعر والسلوكيات وطبيعة العلاقات ومدى تكرار وشدة ما يعاني منه. كما ويقوم الطبيب بالتحقق من وجود اضطرابات عقلية أو نفسية أو سلوكية أخرى عند الطفل.

ما هي علاجاته؟

قد يتخلص الأطفال من هذا الاضطراب مع الزمن، ولكن البقاء دون علاج قد يجعل الكثيرين منهم مستمرين في مواجهة السلوكيات الإشكالية والخلافات العائلية، والصعوبات في تكوين العلاقات الصحية . من المهم البدء بالعلاج سريعًا لمنع تطور الاضطراب لدى الطفل إلى اضطراب السلوك أو التصرف (Conduct Disorder)  الذي يتمثل في أعمال إجرامية و إيذاء الناس. لذلك، كلما كانت السيطرة على اضطراب المعارض المتحدي أسرع، كلما كان أفضل، وذلك لوضع الأطفال على مسار أحسن للمستقبل وتسهيل الحياة على جميع أفراد العائلة.

يستمر العلاج غالبًا لعدة شهور أو أكثر، ويهدف إلى تعلم مهارات تساعد في بناء التفاعلات العائلية الإيجابية وتحسين العلاقات العائلية والسيطرة على السلوكيات الإشكالية، بالإضافة إلى تدريب الطفل على التعامل مع مشاعر الغضب والإحباط.

عادةً ما تتضمن أساسيات العلاج ما يلي:

برامج تدريب الوالدين: يقوم أخصائي الصحة النفسية في هذا التدريب على تطوير مهارات الأبوة والأمومة لتكون أكثر اتساقًا وإيجابية في التعامل مع الطفل. يشمل التدريب عدة برامج من ضمنها علاج التفاعل بين الأبوين والطفل، الذي يقوم فيه أخصائي العلاج النفسي بتوجيه الوالدين خلال تواصلهم مع طفلهم، لتعليمهم أساليبًا تربوية أكثر فعالية في تحسين جودة العلاقة بينهما وطفلهما، وتقليل السلوكيات المثيرة للمشاكل.

العلاج الأسري: دعوة أفراد الأسرة لحضور جلسات العلاج مع الطفل من أجل تحسين التواصل والعلاقات الأسرية، والتعاون معًا.

العلاج النفسي: يمكن أن يساعد العلاج الفردي للطفل على تعلم مهارات جديدة مثل إدارة الغضب والتحكم في الانفعالات والتعبير عن المشاعر بطريقة أفضل. 

التدريب المعرفي على حل المشكلات: يهدف إلى مساعدة الطفل على تحديد طرق التفكير المؤدية للسلوكيات الناتجة وتغييرها وإدارتها، وحل المشكلات. 

التدريب على المهارات الاجتماعية: لمساعدة الطفل على التفاعل مع أقرانه والتواصل معهم بإيجابية وفعالية أكبر، وتدريبه على المرونة.

لا يتم استخدام الأدوية عادةً في العلاج إلا في حالة وجود اضطراب آخر يستدعي العلاج. من الضروري علاج أية مشاكل نفسية أو سلوكية متزامنة مع اضطراب المعارض المتحدي لدى الطفل ؛ لمنع تطور الاضطراب وزيادة حالته سوءًا عند الطفل المصاب. 

نصائح للتأقلم مع اضطراب المعارض المتحدي

يمكن للوالدين مساعدة أنفسهم ومساعدة الطفل في التأقلم مع اضطراب المعارض المتحدي من خلال اتباع الاستراتيجيات التالية لتحسين السلوك:

-مدح سلوكيات الطفل الإيجابية وخصاله الحميدة وتحديدها، مثل “لقد أحببت حقًا طريقتك في ترتيب الكتب على الرف يوم أمس”، وتجنب الثناء المباشر الذي قد يؤدي إلى سوء السلوك، مثلًا تجنب قول “أحب الطريقة التي تحتفظ فيها بيديك لنفسك” حيث أن هذه الجملة قد تستفزه إذا كان لديه ميل لفعل عكس ما يريده الأهل، قد يصبح وقتها عدوانيًا جسديًا .

-تقديم المكافآت للسلوك الإيجابي، خاصةً  مع الأطفال الصغار، مثل: قضاء الوقت في النشاط المفضل، أو الثناء اللفظي، أو مكافآت الطعام وغيرها من المكافآت.

-تجنب الصراع على السلطة ومقاومة الجدال أو إلقاء المحاضرات على الطفل. ينصح بمحاولة إبقاء الأعصاب تحت السيطرة.

-إظهار الحب غير المشروط والتقبل للطفل حتى في الأوقات العصيبة.

-تجنب السماح للطفل برؤية الأب أو الأم عند الغضب، حيث أن هذا قد يكون بمثابة مكافأة للطفل. ينصح بعرض السلوكيات التي نريده  أن يكتسبها ليكون الأبوين قدوة له بسلوكياتهم.

-السماح للطفل بالتنفيس عن إحباطه بطرق آمنة، مثل توفير وسادة للضرب عليها أو الصراخ فيها.

-إعداد روتين يومي والالتزام به من خلال عمل جدول يومي لمهام الطفل، حيث يمكن أن يساعده ذلك على تطبيق القواعد والإجراءات بشكل عادل ومستمر.

-توضيح الحدود وإعطاء تعليمات واضحة وفرض عواقب معقولة عند كسر القواعد، يتم مناقشة هذه الحدود في الأوقات التي لا يكون فيها جدال أو مواجهة بين الأبوين والطفل، ويتم التحدث بنبرة صوت جادة عند كسر القواعد لتحديدها وذكر عواقبها دون الدخول في جدال مع الطفل.

-الترتيب لقضاء وقت مع الطفل، ومشاركته في اللعب معه وعمل الأنشطة المفضلة، لبناء علاقة إيجابية وتعزيز دور المشاركة.

-تشجيع العمل الجماعي بين الأم والأب وباقي أفراد العائلة في المنزل لضمان تطبيق الطفل القواعد وتنفيذ الإجراءات التأديبية المناسبة.

-تخصيص أعمال منزلية ضرورية لا تُنجز إلا بعد أن يقوم الطفل بتنفيذها، وتقديم تعليمات واضحة وسهلة التنفيذ. ومن المهم تهيئة الطفل أولًا للنجاح في أداء مهام سهلة نسبيًا، وبعد ذلك الانخراط تدريجيًا في أعمال توقعاتها أكثر أهمية وفيها تحدي أكبر. 

-تجنب التطرف أو التساهل في ردة الفعل تجاه السلوكيات السلبية، حيث أن ذلك يعزز منها لظن الطفل بأنه قادر على الحصول على ما يريده بهذه الطريقة. على سبيل المثال، في حال طلب الذهاب إلى النوم من الطفل ورفضه لذلك بسبب رغبته في اللعب، قد يقوم الأب/الأم بالطلب مرتين وعند المرة الثالثة يبدأ الصراخ بوجه الطفل. في هذا السيناريو يعتاد الطفل على الصراخ ويراه أمرًا عاديًا أو يستمر في تجاهل الطلبات الأولى حتى يتصعد الأمر بصراخ الأهل. أما في سيناريو آخر، قد يتساهل الأب/الأم بعد أن يبدأ الطفل بنوبة الغضب، مما يضطرهما لإعطاء الطفل المزيد من الوقت للعب قبل الذهاب للنوم، وهنا يظن الطفل بأن نوبات الغضب ستجعله دومًا يحصل على ما يريده مما يزيد من فرصة تكراره لهذا السلوك مستقبلًا.

-الاستعداد وتوقع التحديات. قد لا يكون الطفل بدايةً متعاونًا مع الاستجابة المتغيرة تجاه سلوكه، ومن الممكن تفاقم السلوك مؤقتًا في مواجهة ردود الفعل الجديدة. إن استمرار الثبات أمام مواجهة السلوك المُتسم بالتحدي بشكل كبير، يُعد مفتاح النجاح في هذه المرحلة المبكرة. إضافةً إلى أهمية طلب الدعم النفسي من قبل الأهل لأنفسهم عند الحاجة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *