الرهاب المحدد (الفوبيا) Phobia

كثيرًا ما يستخدم البعض مع أنفسهم ومع الآخرين مصطلح “الفوبيا”.  كأن يقول البعض بأنه مصاب بفوبيا من القطط، أو فوبيا من المرتفعات على سبيل المثال.  ولكن ما هي الفوبيا بالفعل؟ هل هي اضطراب نفسي أم مجرد مخاوف طبيعية؟

ما هو الرهاب المحدد (الفوبيا)؟

 الرهاب المحدد (المعروف  بالفوبيا) هو خوف مفرط وغير منطقي ومبالغ فيه  تجاه شيء محدد من الأحداث أو المواقف أو الأماكن أو الحيوانات أو الأشياء عمومًا التي لا تشكّل الخطر الكبير، مما يسبب للشخص الضيق الشديد والقلق والشعور بالذعر والهلع عند مواجهة مصدر الخوف

 يعد الرهاب المحدد من أكثر اضطرابات القلق شيوعًا وينتج عنه عادةً ردود فعل جسدية ونفسية شديدة، وقد يؤثر على طبيعة تسيير الحياة وقدرة الشخص على ممارسة عمله وأنشطته بشكل طبيعي، مما يؤدي عادةً إلى تجنب الشخص لما يخيفه لكونه غير قادر على التحكم بشعوره نحوه ولتخيّله خطرًا أكبر من الخطر الحقيقي الذي قد يتسبب به مصدر الخوف.

تتراوح درجة الخوف والقلق والذعر بين الأشخاص الذين يعانون من الرهاب المحدد، ولا تحتاج جميع الحالات إلى العلاج، حيث أن بعضها قد يتم التأقلم معها بشكل لا يؤثر على تسيير الحياة. ولكن إذا كان النوع المحدد من الرهاب يؤثر على حياة الشخص اليومية بشكل سلبي، فقد يضطر إلى طلب المساعدة وعلاج المخاوف بشكل نهائي.

ما هي أعراض الرهاب المحدد (الفوبيا)؟

تتضمن الأعراض خوفًا شديدًا ومستمرًا من موقف أو شيء أو كائن معين، عند مواجهته. في بعض الحالات، قد يعاني الشخص كذلك من القلق الاستباقي عند التفكير فقط بمصدر الخوف. كما وقد تشمل الأعراض التسارع في دقات القلب، وضيق التنفس، والتلعثم في الكلام، وجفاف الفم، والتعرق الشديد، والدوخة، والغثيان وألم المعدة، والرجفة. يعاني الشخص المصاب بالرهاب المحدد من عدم القدرة على السيطرة على الخوف الغامر وشعور القلق أو ردات الفعل التي تبدر منه على الرغم من معرفته بأن خوفه غير معقول أو مبالغ فيه، كما أنه قد يقوم بأي شيئ لتجنب التعرض لما يخيفه، أو تحمّله مع قلق وخوف شديدين. من جهة أخرى، قد يعاني الأطفال من نوبات الغضب أو البكاء، أو التشبث بالأهل.

لا تعتبر المخاوف التي نعاني منها نوعًا من الرهاب إلا إذا عطّلت حياتنا ومنعتنا من ممارسة نشاطاتنا بشكل طبيعي أو أثرت بشكل سلبي على أدائنا لمهامنا وعلى حياتنا الاجتماعية. إضافةً إلى ذلك، تعتبر مخاوف الطفولة شائعة، كأن يخاف الطفل من الظلام أو الوحدة، وعادةً ما يتم التغلّب عليها بشكل طبيعي مع الوقت. ولكن الخوف المستمر والمفرط والذي يتسبب بتعطيل الحياة والتأثير على حياة الطفل في المنزل أو المدرسة قد يكون بسبب الرهاب المحدد.

يكون معظم المرضى على إدراك ووعي كامل بما يعانون منه، ومع ذلك يقوم الطبيب بتشخيص الحالة بعد أخذ تفاصيلها والتاريخ المرضي لها وسؤال المريض عن أعراضه التي يعاني منها.

ما هي أنواع الرهاب المحدد (الفوبيا)؟

يوجد أشكال وأنواع عديدة للفوبيا، منها ما لم يسجل بسبب أن الأشخاص الذين يعانون منها لايلزمهم الخضوع للعلاج. تنقسم الفوبيا عادةً إلى قسمين: فوبيا بسيطة ومحددة وفوبيا معقّدة. فيما يلي سنتطرق لأشهر أنواعها.

الفوبيا البسيطة أو المحددة، والتي قد تظهر خلال مرحلة الطفولة وقد تخف حدتها مع التقدم في السن، إلا أنه يمكن أن يعاني منها أي شخص بغض النظر عن عمره، و تتضمن الأنواع التالية:

-فوبيا من أمور تتعلق بالطبيعة والبيئة كالعواصف أو المرتفعات (Acrophobia) أو الجراثيم أو المياه العميقة.

-فوبيا من بعض أنواع الحيوانات والحشرات.

-فوبيا من أمور تتعلق بجسم الانسان كالدم أو الاستفراغ أو الحقن أو الإجراءات الطبية أو التعرض لحوادث السير أو الاختناق أو الاحمرار خجلًا أو المرض.

-فوبيا من بعض المواقف والأماكن كالطائرات أو الأماكن المغلقة أو الضيقة (Claustrophobia) أو الذهاب إلى المدرسة أو زيارة طبيب الأسنان أو المصاعد أوالأنفاق.

-أنواع أخرى: فوبيا من الأصوات العالية، فوبيا من المهرجين، فوبيا من البقاء بعيدًا عن التكنولوجيا.

أما الرهاب المعقد أو الفوبيا المعقدة الذي يعيق الحياة بشكل أكبر، فقد يظهر عند الأشخاص البالغين ويشمل التالي:

-رهاب الخلاء (Agoraphobia) : وهو خوف معقد من الأماكن المفتوحة، أي أنه قد يتسبب بقلق الشخص من تواجده في مكان أو موقف يصعب فيه الهرب إذا أصيب بنوبة هلع، وقد يتسبب كذلك بتجنب الشخص المواقف التي تجعله يبقى وحيدًا أو في مكان مزدحم، أو تجنّبه التنقل بالمواصلات العامة، كما وقد لا يخرج  الشخص من المنزل بسببه.

-الرهاب الاجتماعي أو ما يعرف باضطراب القلق الاجتماعي، يخاف فيه المصاب من التحدث أمام الناس، وقد يمنعه من مقابلة أصدقائه أو  تناول الطعام في الخارج.

ما هي أسباب الرهاب المحدد (الفوبيا)؟

تظهر أغلب أنواع الفوبيا خلال مرحلة الطفولة والشباب ولا يوجد سبب واضح محدد لها، ولكن تلعب العوامل التالية دورًا في نشوئها:

-العامل الوراثي والجينات

-تعلّم الفوبيا وملاحظتها ومراقبتها عند من يعاني منها من الأهل والأقارب.

-عيش التجارب السلبية المخيفة والأحداث السيئة الحياتية أو السماع عنها من الآخرين.

-تغييرات في كيمياء الدماغ. 

ننوه إلى أن وجود أي من هذه العوامل لا يعني بالضرورة إصابة الشخص بالفوبيا بصورة حتمية.

ما هو علاج الرهاب المحدد (الفوبيا)؟

لا تحتاج كل حالة للعلاج، حيث أن بعض الأشخاص قد يختارون التعايش والتأقلم والتعامل مع الفوبيا التي يعانون منها. ولكن من جهة أخرى قد تسبب الفوبيا بعض المضاعفات كاضطرابات في المزاج كالاكتئاب والعزلة عن الآخرين وتعطيل الحياة وأنشطتها و سود استخدام بعض الأدوية والمخدرات وحتى قد تسبب الأفكار الانتحارية. لذا في بعض الحالات يكون العلاج ضروريًا للتعامل مع المخاوف بالشكل الصحيح ومنعها من تقييد حياة الشخص ولتحسين جودة الحياة.

يكون العلاج عادةً فعّالًا وناجحًا في التخلص من الفوبيا بشكل نهائي، ويعتمد بالأساس على جلسات العلاج النفسي كالعلاج السلوكي المعرض والعلاج بالتعرض. يكون علاج الفوبيا المحددة غالبًا عن طريق العلاج بالتعرّض المتكرر لمصدر الخوف بشكل تدريجي، والذي يعتبر من أفضل خيارات العلاج. أما الفوبيا المعقدة، فيحتاج علاجها لمدة زمنية أطول ويتضمن جلسات العلاج السلوكي المعرفي الذي يشمل العلاج بالتعرض إضافةً إلى تدريب المريض على مهارات أخرى تساعده في تغيير أفكاره السلبية وإعادة توجيهها.

لا يتم استخدام الأدوية عادةً ولكن قد يضطر الطبيب لوصف بعضها لتسهيل التعايش مع أعراضها عند بعض الأشخاص ولفترة مؤقتة، والتي قد تشمل المهدئات وأدوية اضطراب القلق وبعض أدوية القلب (كمثبطات البيتا) والأدوية المضادة للاكتئاب.

كما وينصح بالالتزام بالنصائح التالية لتخفيف الشعور بالقلق والتوتر المتعلق بالرهاب:

-ممارسة الرياضة بانتظام

-ممارسة تمرينات الاسترخاء كالتأمل والتنفس العميق واليوغا

-تجنب الكافيين واحصل على قسط كافي من الراحة، والتزم بنظام غذائي صحي ومتوازن

-حاول أن لا تتجنب ما يخيفك وتدرب على البقاء بالقرب منه بقدر ما تستطيع

-تحدث بصراحة عن المخاوف مع طفلك ودعه يعلم بأنها أمر طبيعي ولكن عند بعض الأشخاص قد تكون بشكل أكبر. لا تقلل من شأن مخاوف طفلك ولكن تحدث معه عنها وعن أفكاره ومشاعره واجعله يعرف بأنك متواجد للاستماع والمساعدة.

-لا تعزز الفوبيا عند طفلك واغتنم الفرص لمساعدته في التغلب عليها.

-حاول أن تتبع نموذج السلوك الإيجابي أمام أطفالك، بمعنى أظهر الخوف ثم أظهر كيفية الاستجابة له والتغلب عليه بالشكل الصحيح

-إذا كنت تعاني من الرهاب، احصل على المساعدة والعلاج حتى لا ينتقل الرهاب لطفلك مع مراقبته لك، حيث أن تعاملك مع مخاوفك بشكل سليم أمام طفلك سيعلمه مهارات المرونة الممتازة.

تذكر، إذا كنت تعاني من الفوبيا، فالشيء الوحيد الذي لا يجب الخوف منه هو: طلب المساعدة!

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع :

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *