العلاج السلوكي الجدلي Dialectical Behavioral Therapy (DBT)

إن كنتَ تواجه صعوبة في التعامل مع مشاعرك والمواقف المؤلمة وتلجأ إلى سلوكيات مدمرة لذاتك، سيكون العلاج السلوكي الجدلي الخيار الصحيح لمساعدتك على بناء مهارات جديدة للانخراط في سلوكيات أكثر فائدة والتمتع بعقل حكيم، لخلق حياة جيدة سعيدة تستحق العيش.

مقدمة

يُعد العلاج السلوكي الجدلي  (Dialectical Behavioral Therapy – DBT)علاجًا نفسيًا كلاميًا يساعد الأشخاص الذين يواجهون صعوبةً في التعامل مع مشاعرهم والمواقف المؤلمة، حيث أنهم قد يلجئون في بعض الأحيان إلى سلوكيات التدمير الذاتي للتعامل مع هذه المواقف، ويشمل ذلك إيذاء النفس ومحاولة الانتحار وتعاطي المواد المخدرة وسلوكيات أخرى مؤذية. يعتبر العلاج السلوكي الجدلي أحد أهم أنواع العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy- CBT)، وقد طُوّر في البداية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدّية ولكنه أصبح يستخدم الآن لمعالجة مشاكل الصحة النفسية الأخرى كذلك.

ما هو العلاج السلوكي الجدلي ومن قد يستفيد منه؟

يتضمن العلاج السلوكي الجدلي تعليم الأشخاص مجموعة من مهارات التأقلم المفيدة للتعامل مع المشاعر والمواقف المؤلمة ولتحسين علاقاتهم بالآخرين. تقوم فكرة العلاج على النظرية “الجدلية” أي أن الأضداد تتواجد في الوقت ذاته، وعليه يتضمن العلاج مناقشة وجهات النظر المختلفة والمتضادة للوصول إلى حل وسط، ومن ثم مساعدة الشخص على اختيار المهارات المناسبة  لإيجاد التوازن بين التقبل والتغيير، أي تقبّل المواقف والمشاعر المؤلمة أوتقبّل الذات وسلوكياتها كما هي، والعمل في نفس الوقت على التغيير.

يستفيد الأشخاص من العلاج السلوكي الجدلي إذا كانوا يعانون من السمات الآتية المتوافقة عادةً  مع الشخصية غير المستقرة عاطفيًا:  

-التأثر السهل والسريع بمشاعر التوتر.

-الشعور بالضيق والاستياء لفترة طويلة جدًا قبل العودة إلى الحالة الطبيعية والهدوء.

-مواجهة مشاكل أثناء الشعور بالغضب ومواجهة مشاكل مع المشاعر الإيجابية أيضًا.

-الشعور بالفراغ أو عدم التأكد من الهوية الشخصية.

-الخوف من الهجر والترك.

-مواجهة صعوبات في التواصل عند الشعور بالانزعاج العاطفي.

-محاولة إيذاء النفس والإقدام على السلوك الانتحاري.

عند الشعور بالضيق أو الحزن يتفاعل المرء مع المشاعر دون التفكير في العواقب وقد يعتاد على اللجوء لسلوكيات غير مفيدة ومدّمرة للذات وذلك حتى يتمكن من التعامل مع الموقف. يتضمن ذلك إيذاء النفس أو الإفراط في تناول الطعام أو تعاطي المواد المخدرة أو ممارسة الرياضة أو النوم لفترات طويلة أو النوم بدلاً من معالجة المشاكل أو التركيز على المرض والألم الجسدي بدلاً من المشكلة الحقيقية. عند القيام بهذه السلوكيات، يقع الفرد في حلقة مفرغة حيث ينشغل بالتفكير بأنه شخص سيء لأنه أقدم على سلوكيات سيئة مما يعزز شعوره بالضيق والسوء ليصبح أكثر عرضةً لتكرار هذا السلوك في محاولة منه للتخلص من الشعور السلبي، وهكذا.  

لكسر الحلقة المفرغة، يتعلم الفرد في العلاج السلوكي الجدلي كيفية التصرف بشكل مختلف ويكتسب مهارات صحية للتأقلم تساعده على الشعور بشكل جيد تجاه نفسه والآخرين ويتعلم كيف يفهم أفكاره ويراها بشكل مختلف. يتحقق ذلك من خلال المهارات الأربعة التي يعمل على تعزيزها العلاج السلوكي الجدلي.

على ماذا يُركز العلاج السلوكي الجدلي؟

يركز العلاج السلوكي الجدلي على اكتساب أربعة مهارات حياتية هامة تساعد في ضبط الذات وسلوكياتها في التعامل مع مشاعرها:

  1. ضبط المشاعر
  2. اليقظة الذهنية
  3. تحمّل الضيق
  4. التعامل الفعّال مع الآخرين

أولاً: مهارات اليقظة الذهنية 

تتضمن مهارات اليقظة الذهنية الوعي الكامل بالذات وبالآخرين وتساهم في تعزيز قدرة الفرد على تركيز انتباهه على الوقت الحاضر. تُعد هذه المهارات واحدة من أهم فوائد العلاج السلوكي الجدلي حيث أنها تساعد الفرد في التركيز على “أن يعيش اللحظة الحالية” من خلال الانتباه لما يجري داخله من أفكار ومشاعر، ومن ثم يستخدم حواسه لملاحظة وضبط ما يجري حوله بما يتضمن الأمور التي يراها ويسمعها ويلمسها. تساعد هذه المهارات في التوّقف للحظة لإدراك ما يحصل وتوظيف مهارات التأقلم أثناء التعرض لموقف عاطفي مؤلم وبالتالي يصبح الفرد أكثر قدرةً على تهدئة نفسه وتجنّب أنماط التفكير السلبية التلقائية والسلوك الاندفاعي.

ثانياً: مهارات تحمّل الضيق

تُساهم مهارات تحمّل الضيق في تقبل الذات والوضع الحالي والتعامل مع المشاعر القوية والعواطف المؤلمة والأزمات المؤثرة مثل الغضب الشديد دون الإقدام على رد فعل اندفاعي أو التسبب بالأذى للنفس أو تعاطي مواد مخدرة لتخفيف هذا الضيق. يكون تقبل هذه المشاعر بتشتيت الانتباه أو تغيير الموقف الحالي أو تهدئة الذات. تهدف هذه المهارات إلى تحقيق درجة عالية من الجهوزية لتقبّل المشاعر المؤلمة والتعامل معها بطريقة إيجابية أكثر على المدى البعيد. واحدة من التمارين التي من شأنها المساهمة في هذه المواقف تتمثل بتحميل الجسد مسؤولية القيادة بشكل كامل، فمثلاً يمكن للفرد في هذه المواقف أن ينزل الدرج أو يصعده أو يغادر المكان أو يخرج للمشي وذلك لتشتيت الانتباه وإجبار المشاعر والأفكار والعواطف على تتبّع الحركات الجسدية.

ثالثاً:مهارات التعامل الفعّال مع الآخرين

تُساهم مهارات التعامل الفعّال مع الآخرين في تمكين الفرد من أن يكون حازمًا بشكل أكبر في العلاقات الشخصية مما يمكنّه من التعبير عن احتياجاته وامتلاك القدرة على الرفض (مهارة “كيف تقول لأ؟”) مع المحافظة على علاقة جيدة بالأشخاص من حوله. تساعد هذه المهارات في تعليم الفرد الاستماع الجيد والتواصل الفعال مع الأخرين والتعامل بكفاءة مع أشخاص يشكّلون نوعًا من التحدي لهذا الفرد، كما وتساهم هذه المهارات في تعزيز احترام الفرد لذاته وللآخرين. يمكن للفرد المحافظة على علاقاته بالأخرين بأن يتسم باللطف ويتجنب الأسلوب الهجومي أو الحُكم على الأخرين، كما عليه إظهار الاستماع باهتمام لهم دون مقاطعتهم والاهتمام بأفكارهم ومشاعرهم والحفاظ على أسلوب سهل وليّن في التعامل مع الأخرين والمحافظة على ابتسامة دائمة. 

رابعاً: مهارات ضبط المشاعر 

يكون ضبط المشاعر والتحكم بها من خلال معرفتها وتحديدها وتعريفها ليصبح الفرد قادرًا على تغييرها وتعديلها. تساهم هذه المهارات في تحديد المشاعر السلبية مثل الغضب وتمكين الفرد من التعامل معها مما يُقلل من مستوى الضعف العاطفي إلى أدنى مستوياته ليجعل علاقات الفرد بالأخرين أكثر إيجابية. أحد التمارين المفيدة بهذا الخصوص هو تمرين “التصرف بشكل عكسي” حيث يحدد الفرد شعوره ويفعل العكس تمامًا، فمثلاً لو كان يشعر بالحزن ويرغب بالتهرب من عائلته وأصدقائه عليه القيام بالعكس وترتيب موعد أو خطة لمقابلة عائلته وأصدقائه.   

ما هي نظرية بناء العقل الحكيم؟

يعتمد العلاج السلوكي الجدلي على نظرية بناء العقل الحكيم التي تركز عليها  مهارة اليقظة الذهنية. يعتبر العقل الحكيم هو الجزء من العقل الذي يدمج “العقل العاطفي” (الأفكار المبنية على المشاعر) و “العقل المنطقي” (جزء التفكير العقلاني) ويمزج سماتهما معًا.

 يتضمن كل من العقل العاطفي والعقل المنطقي بشكل منفصل على السمات الآتية:

العقل العاطفي:

-سيطرة المشاعر على التفكير والسلوك 

-صعوبة التفكير بشكل منطقي وعقلاني 

-تكون الأفكار غير مفيدة ومزعجة

-يتضمن الآراء الشخصية

-تُشكّل المشاعر الدافع الرئيسي وراء السلوك

-تكون الحقائق مشوهة لتتلاءم مع الشعور الحالي بالضيق  

-يهتم بسؤال: ماذا أريد أن أفعل؟

العقل المنطقي:

-يتضمن التفكير المنطقي والعقلاني

-يكون التفكير فيه واقعي وقائم على الأدلة

-يتصف بالمعرفة والعلم

-يتضمن قدرة التخطيط لكيفية الاستجابة

-يتضمن تركيز وانتباه عالي

-يتعامل مع المشاكل بشكل رائع 

-يهتم بسؤال: ما يجب أن أقوم به؟

أما العقل الحكيم، فيتضمن مزيجًا من العقل العاطفي والمنطقي: 

-يدمج العقل العاطفي والعقل المنطقي

-يضيف معرفة بديهية إلى الضيق العاطفي والتحليل المنطقي

-يُدرك أو يعرف الأمور بشكل مباشر وواضح

-يستوعب الصورة الأكبر للأمور وليس الأجزاء والتفاصيل الصغيرة فقط

-يضمن تلبية احتياجات العقل العاطفي والمنطقي: إن العقل المنطقي على صواب، لكن العقل العاطفي يحتاج إلى تهدئة.

-يهتم بسؤال: ما المهارات الأكثر ملاءمةً وفعاليةً التي يمكن استخدامها في هذا الموقف؟

وفي النهاية، يعتبر الالتزام بالوقت وجلسات العلاج والتمرينات والواجبات المطلوبة من المعالجين أمرًا أساسيًا للاستفادة من العلاج السلوكي الجدلي بالشكل المطلوب. لا تتردد بالتواصل مع المختصين لمعرفة المزيد عن العلاج السلوكي الجدلي، وللتحقق مما إذا كان هذا العلاج مناسبًا لحالتك.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع: 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *