وجهات نظر مختلفة (الكسارة العقلية)

تظهر لنا الصورة أن الأشياء غالبًا ليست كما تبدو في البداية وهناك دائمًا منظور مختلف.

عند حدوث حادث سير، تطلب الشرطة من الشهود أن يتقدموا ويصفوا ما حدث وذلك لتحصل الشرطة على أكبر عدد ممكن من إفادات الشهود لتتمكن من تكوين أدلة كافية وللحصول على صورة أوسع وأكثر واقعية عما حدث. ضمن حادث السير، سيكون هناك العديد من وجهات النظر المختلفة حول ما حدث.

سيكون لأحد السائقين وجهة نظر معينة، بينما سيكون لسائق آخر أو لشخص راكب وجهة نظر أخرى مختلفة. سيكون لكل متفرج شهد الحادث وجهة نظر مختلفة قليلاً بناءً على مكان تواجدهم وبعدهم عن مكان الحادث ومدى جودة الرؤية لديهم وما الذي كان يحدث ومدى الخطر الذي شعروا به وكيف أثر الحادث عليهم وماذا يعني الحادث لهم.

ينطبق هذا المبدأ على كل شيء – كل موقف أو حدث أو محادثة تعني شيئًا مختلفًا لجميع المعنيين بالموقف وستعني شيئاً مختلفاً لأولئك غير المعنيين. يمنح كل إنسان معاني مختلفة للأشياء حسب معتقداته وأفكاره وكيف يتأثر بالحدث.

ينظر الإنسان عادةً إلى المواقف والأحداث ويفسر ما يقوله ويفعله الآخرون وفقًا لمجموعة تجاربه السابقة وثقافته وإيمانه وقيمه حيث تساعد هذه العوامل في تكوين أفكاره عن نفسه وعن الآخرين وعن العالم بشكل عام. يعتمد المعنى الذي يعطيه الإنسان للأحداث والطريقة التي يفهم بها العالم على مجموعة معتقداته الأساسية.

يحاول العقل الإنساني باستمرار فهم العالم حوله ويُطلق الأحكام والآراء حول كل موقف وحدث وتفاعل. ستتأثر تلك الأحكام والآراء بنظام المعتقدات المركزي أو الأساسي. يبدو الأمر كما لو أن الإنسان ينظر إلى العالم من خلال عدسات مشوهة أو ملونة – ولكل شخص وصفة طبية مختلفة أو لون نظارات مختلف.

يتضمن نظام المعتقدات الأساسي:

  • كيف أفكر بنفسي
  • كيف أفكر بالآخرين
  • كيف أفكر بالعالم

يتكون نظام المعتقدات الأساسي ويتأثر بما يلي:

  • الخبرات الماضية
  • التربية/ الطفولة
  • الثقافة
  • الإيمان
  • القيم
  • الظروف الراهنة
  • السمات الشخصية بما في ذلك التأثيرات الجينية

مثال: ضمن هذا المثال، حتى المواقف التي يجدها الآخرون ممتعة ومريحة، فإن هذا الشخص

 سيختبرها بشكل مختلف تمامًا وسيشعر بالتهديد من قبل الآخرين.

يمكن تفسير أي نظرة أو كلمة أو إيماءة ودودة ولطيفة على أنها “لا تعني ذلك”. فقد يفكر الشخص بأن “الآخرون يحاولون أن يكونوا لطيفين معي فقط لأنهم يشفقون علي”، أو حتى “يقصدون إيذاءي”. هنا يفسر العقل الموقف بتحيز “أنا ضعيف، قد يؤذيني الآخرون، هذا أمر خطير، أنا عديم الفائدة وغير محبوب”. سيعمل العقل على تقديم أي معلومات مخالفة تتناسب مع تلك المعتقدات. يظهر ذلك في شكل “الكسارة العقلية”

تتمركز “الكسارة العقلية” على مدخل نظام المعتقدات ولا تسمح إلا بدخول المعلومات أو “الأدلة” التي تتناسب مع نظام المعتقدات حيث ترفض أي دليل أو معلومات تناقض المعتقدات (أي شكل بخلاف المستطيل) أو تجعلها مناسبة للمعتقدات (ذلك من خلال سحقها لتصبح شكل مستطيل). نرى في الرسم التوضيحي أن شكل “الانفجار” على وشك دخول الكسارة، أثناء مروره (كما هو موضح بالسهم)، يصبح مستطيلًا حيث يتم سحقه وتشويهه ليلائم مع المعتقدات. وعليه، تظل المعتقدات دون تغيير على الرغم من وجود أدلة متناقضة على ما يبدو.

————————————————————————————————————-

ضمن المثال السابق، تكون المعلومات مثل “شخص ما نظر إلي” محطمة ومشوهة (“لقد نظر إليّ نظرة ساخرة”) وذلك لتأكيد أن الآخرين لا يحبونه أو يقصدون إيذائه.

لذا يجب أن يتعلم رؤية الأشياء بشكل مختلف: رؤية الصورة الأكبر من المروحية (The Helicopter View).

قد يكون استخدام استعارة ما أو تشبيه معين مفيداً جداً لمساعدتك على التفكير في الصورة الأكبر. عندما يزعجك أمر ما، تكون قريبًا منه وتتفاعل معه عاطفياً وتشكّل جزءً أساسيًا منه مما يجعل التراجع والابتعاد عما يحدث أمرًا صعبًا للغاية.

الأمر أشبه بمقولة “من ينشغل بالتفاصيل يتوه عن الصورة كاملة” حيث يرى الشخص المشهد عن قرب بتفاصيله ولا يمكنه رؤية أي شيء آخر.

يمكنك توسيع وجهة نظرك ورؤية الصورة الأكبر ويُسمى ذلك برؤية الصورة الأكبر من المروحية (The Helicopter View)، ذلك أن المروحية عندما تقلع وترتفع إلى أعلى ترى صورة أكبر وأكبر وتصبح أبعد عن التفاصيل الصغيرة على مستوى الأرض.

————————————————————————————————————-

يشير العقل الحكيم إلى الجزء المتوازن من الإنسان فيشتمل على المعرفة الداخلية والحدس. يقع العقل الحكيم في الجزء الذي يجتمع فيه العقل العاطفي (الأفكار المدفوعة بمشاعر مؤلمة) والعقل المنطقي (الجزء الذي “يعرف” الصحيح والواقع).

يقود العقل العاطفي إلى الرأي، بينما يكون العقل العقلاني قائم على الحقائق (حقيقة أم رأي؟). أن تسأل نفسك عن رأي “العقل الحكيم” في هذا الموقف سيساعدك في التراجع وأن تصبح أكثر وعياً بالصورة الأكبر وسيساعدك على الاستجابة بطرق أكثر فائدة وفعالية.

ضمن أي اجتماع لمجموعة أشخاص، سيكون لجميع الأفراد بالطبع نظام معتقداتهم الخاصة وبالتالي سيكون لديهم وجهات نظر مختلفة وسيرون ويفكرون في الأشياء بشكل مختلف مما سيؤثر على الطريقة التي يتفاعل بها هؤلاء الأفراد مع بعضهم البعض.

يمكن للمرء أن يتعلم كيف يكون أكثر وعيًا بتأثير نظام المعتقدات عليه، وأن يفكر في الكيفية التي قد يرى بها الآخرون نفس الموقف والتي قد تكون مختلفة تمامًا.

ستساهم رؤية وجهات النظر المختلفة في تقليل المشاعر المؤلمة والشعور بمزيد من الثقة. كما ستجعل الشخص أكثر تفهمًا وتعاطفًا وستُحسن التواصل والعلاقات.

عندما يتعلم الشخص كيف يتحدى أفكاره غير المفيدة ووجهات النظر المتحيزة ويرى الأشياء بطريقة أكثر توازناً وواقعية، سيكتشف أن المواقف والأشخاص قد يكونوا مختلفين عن الطريقة التي نفسر بها الأشياء عادة مما قد يقوده إلى تعديل معتقداته الأساسية وبالتالي إحداث تغيير إيجابي دائم.

*** تم إعداد المحتوى بالتعاون مع Getselfhelp.co.uk

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *