تختلط الكثير من المشاعر لدى الأمهات عند قدوم مولودهن الجديد، لتمتزج مشاعر الحماس والفرح بمشاعر الخوف والقلق، ولكن هل من الممكن أن تعيق هذه المشاعر حياة الأم وتؤثر على جودتها؟

كيف تتأثر الصحة النفسية للأمهات بعد الولادة؟

تعاني أغلب الأمهات بعد الولادة بشكلٍ طبيعي من حالة تُسمى بالكآبة النفاسية (Baby Blues)، والتي تشمل عدة أعراض، مثل: تقلبات المِزاج والقلق والبكاء واضطرابات في النوم. تعتبر الكآبة النفاسية أمرًا طبيعيًّا بسبب التغييرات الهرمونية، وقلّة النوم، والتوتر بسبب المسؤوليات الجديدة، والإرهاق، حيث تبدأ أعراض هذه الحالة بالظهور خلال يومين من الولادة وقد تستمر فترة أسبوعين، لتتلاشى تدريجيًّا في أسبوعها الثاني. ولكن ماذا إن ازدادت حدة تلك الأعراض أو استمرت إلى أكثر من المدة المذكورة؟

في بعض الحالات قد تعاني الأم من حالة اكتئاب شديدة وطويلة، لا يجب تجاهلها، و تُسمى باكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression)، التي قد تتطور أعراضها حتى بعد سنة من الولادة.

كما وقد تعاني نادرًا بعض الأمهات الأُخريات من اضطرابٍ آخر أكثر شدة وحدّية ويهدد الحياة مما يتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا، يُسمى هذا الاضطراب بذهان ما بعد الولادة (Postpartum Psychosis)، والذي قد يظهر فجأة في غضون 48 ساعة من الولادة أو خلال أسابيع.

من المثير للاهتمام، أن الآباء أيضًا، وخصوصًا الجدد منهم، قد يعانون من اضطراب الحالة النفسية ما بعد الولادة وأعراض تتشابه مع الأعراض التي تعاني منها الأم، مما قد يستدعي طلب المساعدة كذلك من المختصين.

ما هي أسباب هذه الاضطرابات؟

تلعب أسبابٌ عدة دورًا مهمًا في اضطراب الحالة النفسية لدى الأمهات بعد الولادة، وظهور أي منها لا يعني بالضرورة الإصابة بالاضطراب النفسي، تشمل الأسباب التالي:

– التغييرات الهرمونية: تلعب الهرمونات الأنثوية دورًا كبيرًا في منظومة الحمل والولادة، فبعد عملية الولادة تنخفض كميات هرمون الإستروجين وهرمون البروجسترون بشكلٍ ملحوظ وسريع، مما قد يحفز حدوث اكتئاب ما بعد الولادة. وإضافةً إلى ذلك قد يحدث انخفاض حاد في هرمونات الغدة الدرقية، مما قد يؤدي إلى التعب والاكتئاب.

– الإجهادات العاطفية: تطرأ على حياة الأم تغييرات عديدة بعد الولادة، مما قد يؤثر على مشاعرها وعواطفها، فقد تشعر الأم بفقدان جاذبية المظهر، والقلق والتوتر والشعور بالعبئ الزائد بسبب تحمل مسؤولية المولود الجديد أو المشكلات الاقتصادية، خصوصًا عند الأمهات الجدد، ومن زاوية أخرى قد تعاني الأم من الحرمان من النوم والآلام الجسدية واستصعاب الرضاعة الطبيعية، وكذلك الشعور بتقصير الزوج والعائلة في رعاية المولود وتقديم الدعم ومشاركة المسؤولية، وغيرها من العوامل والأحداث الحياتية.

– التاريخ المرضي: قد تزيد فرصة الإصابة بالاكتئاب في حال وجود إصابة سابقة به عند الأم أو أحد أفراد الأسرة.

ما هي كيفية الوقاية من هذه الاضطرابات؟

إذا كان لدى المرأة تاريخ بإصابة سابقة بالاكتئاب أو كانت تعاني من أي وضع صعب في حياتها قد يزيد من فرصة معاناتها من الاكتئاب بعد الولادة، فعليها إخبار طبيبها بذلك إذا كانت تخطط للحمل أو بمجرد معرفتها بحملها؛ وذلك للوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة، ومراقبته والسيطرة عليه في بداياته من خلال الدعم والمساعدات النفسية أو أي علاجات أخرى قد ينصح بها الطبيب. كما أنه من المهم إجراء فحص الاكتئاب مُبكرًا، للكشف عن علاماته وأعراضه، حيث أنه كلما تم اكتشافه مبكرًا كلما كان الحصول على العلاج أسرع وبنتائج أفضل.

كما وقد يساعد في الوقاية من الاكتئاب وتخفيف فرصته بعض النصائح البسيطة التي تختص بالعناية بالذات كالحصول على الدعم من الزوج والأصدقاء والعائلة، والحصول على فترات كافية من الراحة، والالتزام بنظام غذائي صحي ومتوازن، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. ويجب التنويه، أن طرق الوقاية من أي اضطراب مهمة ولكنها لا تمنع الإصابة به بصورة حتمية.

ما هي أعراض هذه الاضطرابات؟

فيما يلي توضيح لأعراض الاضطرابات النفسية التي قد تعاني منها الأم بعد الولادة والتي قد تتشابه فيما بينها، مع اختلاف حدتها وشدتها وطول مدتها:

—الكآبة النفاسية:

تقلب المزاج والهيجان

-الشعور بالقلق والحزن ونوبات البكاء

-الشعور بالإرهاق والأرق

-قلة التركيز

-اضطرابات في الشهية

—اكتئاب ما بعد الولادة:

تقلبات مزاجية حادة أو الغضب الشديد أو البكاء المفرط

-عدم القدرة على التركيز والتفكير

-تجنب العائلة والأصدقاء وصعوبة توطيد العلاقة مع المولود

-اضطرابات في تناول الطعام أو النوم

-الإرهاق وفقدان الطاقة

-فقدان الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة

-الشعور بالذنب وانعدام القيمة والخوف من الفشل كأم

-أفكار تتعلق بالموت أو أذية النفس أو المولود

—ذهان ما بعد الولادة:

الهلوسة و الأوهام وجنون العظمة و الشك بشدة في الآخرين

-الارتباك وعدم القدرة على التفكير بوضوح

-رفض أو عدم القدرة على النوم وتناول الطعام

-طاقة مفرطة وهيجان شديد و تقلبات مزاجية سريعة

-أفكار مهووسة بالمولود أو أفكار أو محاولات لأذية النفس أو المولود

-سلوكيات غريبة

كيف يتم تشخيص هذه الاضطرابات؟

التشخيص هو مسؤولية الطبيب وحده، وبدوره يقوم بالتحدث مع الأم وسؤالها عن مشاعرها وأفكارها والتحقق من مدى صحتها العقلية، ليقوم عندها بتقييم الحالة والتمييز ما بين الكآبة النفاسية واكتئاب ما بعد الولادة. وكجزء من التقييم، قد يقوم الطبيب بملء استبيان يُقيم إصابة الأم بالاكتئاب، كما وقد يتم طلب فحوصات دم مخبرية تتعلق بهرمونات الغدة الدرقية، أو فحوصات أخرى إذا لزم الأمر، لاستبعاد أي أسباب أخرى للأعراض.

ما هو علاج هذه الاضطرابات؟

إذا تم ترك هذه الاضطرابات دون علاج، فسيترتب على ذلك عدة آثار سلبية على الأم والأب والأطفال، مما يؤكد أهمية استشارة الأطباء والمختصين للحصول على العلاج الأنسب. تتنوع علاجات هذه الاضطرابات حسب الحالة وشدتها لتفاصيل أخرى عدة، لتشمل علاجات دوائية وأخرى نفسية حسب ما يقرره الطبيب المسؤول عن الحالة.

فيما يتعلق بالكآبة النفاسية، عادةً ما تتلاشى من تلقاء نفسها في غضون بضعة أيام إلى أسبوع أو أسبوعين، ويمكننا خلالها اتباع النصائح التالية التي ستساهم كذلك في السيطرة على اكتئاب ما بعد الولادة:

-النوم وأخذ القيلولات، والحصول على أكبر قدر ممكن من الراحة بمساعدة الزوج أو أحد أفراد العائلة.

-التواصل الفعال مع أمهات جدد أُخريات.

-قبول المساعدة من العائلة والأصدقاء.

-تخصيص وقتٍ للاسترخاء والتأمل والاعتناء بالنفس.

-المشي وممارسة التمارين الرياضية (ولو نصف ساعة يوميًا فقط) واليوغا واستنشاق الهواء النقي والتعرض لأشعة الشمس النافعة (ولو 10 إلى 15 دقيقة في اليوم) ؛ حيث أنها أمورٌ قد تصنع فارقًا ايجابيًا هائلًا.

-تناول الأطعمة الصحية والمفيدة.

-تجنب تعاطي المخدرات وشرب الكحول.

أما فيما يتعلق بعلاجات اكتئاب ما بعد الولادة، فإضافةً إلى ما تم ذكره من نصائح، ينقسم العلاج إلى:

–العلاج الدوائي: ويتضمن الأدوية المضادة للاكتئاب؛ لموازنة بعض المواد الكيميائية في الدماغ المرتبطة بالاكتئاب. وقد تتطلب بعض الحالات المعينة علاجًا هرمونيًا بجانب العلاج المضاد للاكتئاب. سيختار الطبيب العلاج الأنسب للحالة في حالة الرضاعة الطبيعية.

–العلاج النفسي أو العلاج بالكلام: ويتضمن الجلسات والاستشارات النفسية والعلاج الأسري. من المهم التحدث عن الأفكار والمخاوف مع الطبيب؛ للقدرة على التحكم في المشاعر وحل المشكلات والتفاعل والتجاوب مع المواقف الحياتية بطريقة إيجابية.

أما بخصوص ذهان ما بعد الولادة، فإن الحالة تتطلب التدخل الطبي الفوري، وقد يشمل علاجه التالي:

-العلاج الدوائي بالأدوية المضادة للذهان، والأدوية المثبتة للحالة المزاجية والمهدئة.

-المعالجة الكهربائية، ويُلجأ إليه في حال عدم الاستجابة للعلاج بالأدوية.

ننبه إلى أهمية عدم تناول الأدوية أو التوقف عنها بشكل مفاجئ دون استشارة الطبيب المعالِج حيث أنه هو المسؤول فقط عن تحديد العلاج المناسب والآمن والفعّال لكل حالة.

نصائح للتأقلم مع فترة ما بعد الولادة.

بجانب ما تم ذكره من العلاجات والاستراتيجيات المهمة لتفادي وعلاج الاضطراب النفسي بعد الولادة، تحتاج الأم لأن تكون أكثر مرونة لمقاومة التحديات والتعامل معها، لذا نستعرض هنا مجموعة من النصائح للتأقلم مع الفترة ما بعد الولادة، ومنها:

-وضع التوقعات الواقعية البعيدة عن المثالية؛ للتقليل من الضغوط النفسية وإعطاء المساحة الكافية للسيطرة على الأفكار السلبية.

-الاستجابة الفعالة والسريعة بالعواطف والحنان والدفئ لتلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية للطفل، وذلك لتكوين رابطة صحية بين الأم وطفلها وتعزيز إفراز الإندورفينات (Endorphins) التي تجعل الأم تشعر بشعور أفضل.

-مشاركة المشاعر والعواطف مع الزوج والأهل والأصدقاء وعدم كتمانها، للحصول على الدعم والمناسب، وتجنب الانعزال عن الأشخاص المقربين.

-طلب المساعدة من الآخرين بخصوص الاعتناء بالطفل عند الحاجة.

-الحفاظ على الرابطة الزوجية وإبقاء خطوط التواصل الفعالة بين الزوجين؛ لتخطي المشاكل وتجاوز العقوبات بشكل أسلم، حيث أن الزوجين فريق واحد في مواجهة التحديات. ينصح بأن يقوم الزوج بتشجيع الزوجة للتعبير عن مشاعرها والحصول على قسط من الراحة، و عرض المساعدة عليها دون انتظار طلبها الصريح للمساعدة، وممارسة الرياضة أو المشي سويًا. كما ويفضل تخصيص أوقات محددة ولو كانت بضع دقائق، للزوجين فقط، للتواصل والتقرب الفعّال.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *