اضطراب النوم القهري (Narcolepsy)

يحتاج جسم الإنسان للراحة والنوم بشكلٍ كافٍ في ساعات الليل ليستعيد طاقته ونشاطه، ومع ذلك، يشعر البعض بحاجتهم للنوم طوال اليوم بسبب الإرهاق الشديد الذي يواجهونه، وهو أمرٌ طبيعيّ، غير أنّ فئةً من الأشخاص يعانون من صعوبة مواصلة ساعات اليوم والبقاء مستيقظين خلال ساعات النهار، وهو ما قد يُعيق سير حياتهم الدّراسيّة والعَمليّة والاجتماعيّة، ويزيد فرصة تعرّضهم للحوادث المختلفة، وهم من يعانون من اضطراب النّوم القهريّ، فما هو هذا الاضطراب؟

ما هو اضطراب النوم القهري؟ 

اضطراب النّوم القهريّ أو السَّبَخ أو التغفيق (Narcolepsy or Hypnolepsy)، هو اضطراب عصبي مزمن يؤثّر في قدرة الشخص على النّوم والاستيقاظ، فيعاني من النّعاس الشّديد خلال ساعات النّهار وربما يميل أيضًا للنّوم بصورة مفاجئة وبدون مقدمات في أيّ وقت حتى وإنْ كان غير مناسبًا، وقد يواجه المصاب بالنّوم القهريّ صعوبةً في البقاء مستيقظًا لفترات طويلة، بغضّ النّظر عن الأنشطة التي يمارسها. 

ويُشار إلى أنّ المُصاب بالنوم القهريّ يدخل مرحلة نوم حركة العين السريعة (Rapid eye movement sleep or REM Sleep) بصورة مباشرة تقريبًا خلال دورة النوم، وأحيانًا خلال استيقاظه أيضًا، وذلك على خلاف الحالة الطبيعيَّة التي ينتقل فيها الشخص من مرحلة لمرحلة أخرى خلال دورة النوم تدريجيًّا؛ فعادةً ما يتطلّب الأمر 90 دقيقة للدخول في مرحلة نوم حركة العين السّريعة.

ما هي أعراض الإصابة باضطراب النوم القهري؟

تخلتف الأعراض المصاحبة لاضطراب النّوم القهريّ من شخصٍ لآخر، و قد تتفاقم هذه الأعراض أو تتغيّر مع مرور الوقت، وعمومًا، أكثر هذه الأعراض انتشارًا:

– النعاس الشّديد في ساعات النّهار؛ وهو العَرَضَ الرّئيس والمُميِّز لاضطراب النّوم القهريّ، إذْ يشعر المصاب بالرغبة الشديدة في النّوم وربما فقدان التركيز والانتباه للأحداث المُحيطة، وقد يَغُطّ في النّوم فجأة وبدون سابق إنذار لمدّة تتراوح بين بضع دقائق إلى نصف ساعة، وهذا قد يترتّب عليه التعرّض لحوادث خطِرة حسب النّشاط الذي يمارسه. 

– شلل النّوم أو الجاثوم (Sleep paralysis)؛ وهو فقدان مؤقت للقدرة على التكلم أو الحركة خلال النّوم أو عند الاستيقاظ، والذي قد يستمر لثوانٍ أو دقائق معدودة، ويجدر الذكر بأنّ المعاناة من شلل النوم لا يعني بالضرورة الإصابة بالنوم القهري، فهو حالة قد تؤثر في أيْ شخص.

– الهلوسات، والتي قد تحدث عندما يبدأ النّوم، ويُطلق عليها في هذه الحالة الهلوسات التّنويميّة(Hypnagogic Hallucinations) ، أو تحدث أثناء الاستيقاظ، وتسمّى حينها هلاوس الإفاقة(Hypnopompic Hallucinations) ، وعادةً ما تكون هذه الهلوسات مرعبة وأقرب للواقع، كما أنها تظهر في مُعظم الأحيان مرئية، مع احتمالية الإحساس بوجودها بواسطة الحواس الأخرى.    

– مرض الجمدة أو نوبة خمود (Cataplexy)‏ هو فَقْدان القدرة على التّحكم بالعضلات بصورة مفاجئة ومؤقتة، والذي يحدث غالبًا كاستجابة للمشاعر القويّة؛ كالغضب والضحك والخوف والحماس، فيعاني الشخص من مشكلات عضلية تختلف في شِدتها وطبيعة انتشارها في الجسم من حالة لأخرى بالاعتماد على طبيعة العضلات المتأثرة، فقد تنحصر بكونها تأتأة في النطق، أو ربما تتسبب في حدوث ضعف في كامل الجسم.

– السلوكيّات التّلقائيّة (Automatic behaviors)، وهي السلوكيات التي يقوم بها المُصاب دون وعي لمحاولة البقاء مستيقظًا وتجنّب النعاس؛ كالخربشة على الورق، وغيره، أو ربما يستمر في قيامه بسلوك تلقائي أثناء النوم في حال تملّكه النعاس والنوم أثناء القيام بهذه المهمّة، كالقيادة مثلًا، أو الكتابة.

تغير في نوم حركة العين السريعة، وقد أُشير إلى ذلك سابقًا، فربما ينتقل المُصاب لمرحلة نوم حركة العين السريعة خلال 15 دقيقة من النوم.

– اضطراب وتقطّع النوم في ساعات الليل، ويُعزى سبب حدوث ذلك إلى حركات الجسم، أو مشكلات التنفس، أو ما يعانيه المُصاب من أحلام تكون أقرب للواقع، وغير ذلك، كما ويعاني المُصاب بالنوم القهري أحيانًا من اضطراب في النوم؛ كالأرق، ومتلازمة تململ الساقين (Restless legs syndrome)، وانقطاع النفس الانسدادي النومي (Obstructive sleep apnea).

ما هي أسباب الإصابة باضطراب النوم القهري؟

لم يُعْرَف حتّى الآن سبب محدّد للإصابة باضطراب النّوم القهريّ، غير أنّ الدّراسات تُشير إلى وجود عِدّةِ أمور قد تجتمع وتُسبّب المشكلة، من أهمّها:

– نَقصُ البيبتيد العصبيّ هيبوكريتين (Hypocretin or orexin) في الدماغ، ربما يكون ذلك جرّاء حدوث رد فعل مناعي ذاتي في الجسم، بحيث يُهاجم الجهاز المناعي هذا الناقل العصبي أو مستقبلاته عن طريق الخطأ.

– وجود جينات معينة تلعب دورًا في تطوّر المرض، غير أنّ انتقاله من الآباء للأبناء غير وارد بشكل كبير.

– تعرّض الرأس لإصابة معينة، أو إصابة الجهاز العصبي المركزي بعدوى.

– التعرَّض للضغوطات النفسية الشديدة.

– حدوث التغيرات الهرمونية في الجسم، كما في مرحلة انقطاع الطمث أو البلوغ.

كما وتوجد عوامل معينة قد تزيد من مخاطر الإصابة بالنوم القهريّ، منها:

– وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاضطراب.

– بلوغ عُمر يتراوح بين 15-25 سنة، ولكنّه مع ذلك قد يظهر في أيْ مرحلة عمريّة.

– الجنس، فبعض الدراسات تُشير إلى أنّ هذا الاضطراب يؤثر بصورة أكبر في الذكور مقارنةً بالإناث.

ما هي مضاعفات اضطراب النوم القهري؟

في بعض الحالات قد يترتب على الإصابة باضطراب النوم القهري دون علاج وسيطرة على الأعراض:

أذى جسدي، فقد يُصبح الشخص عُرضة لحوادث السيارات إذا كان يقود المركبة، أو جرح الجلد أو حرقه في حال كان يُعدّ الطعام.

– عدم التفاهم مع الأفراد في المجتمع وسوء تقدير الوضع الصحي، فقد يُطلق على المُصاب كسول أو خامل.

– السمنة، وقد يكون سبب زيادة الوزن انخفاض معدّل الحرق.

– اضطراب العلاقات العاطفية والانسحاب منها.

كيف يتمّ تشخيص اضطراب النوم القهري؟

يبدأ الطّبيب العامّ بتشخيص المصاب باضطراب النّوم القهريّ عن طريق معرفة طبيعة النوم لديه ومشكلة النعاس الزائد في ساعات النهار، غير أنّ التشخيص الدّقيق يتطلّب الرجوع إلى أخصّائي أمراض النّوم ليساعد على تمييز الاضطراب عن غيره من أمراض النّوم، وقد يتبع الطبيب في التشخيص:

– أخذ التاريخ السابق حول طبيعة النوم، وإجراء الفحص الجسدي.

– تتبّع نمط النوم لمدّة 1-2 أسبوع.

– تخطيط النوم أو اختبار النوم المتعدد (Polysomnography)؛ الذي يقيس إشارات مختلفة خلال النوم بواسطة أقطاب توضع على فروة الرأس.

– اختبار استتار النوم المتعدد (Multiple sleep latency test)، الذي يقيس المدّة التي يستغرقها الشخص لبدء النوم خلال اليوم.

وإلى جانب دور هذه الخطوات في تشخيص النوم القهري، فإنها تساعد الطبيب على استثناء الأمراض المتشابهة التي تُسبّب فرط النعاس خلال اليوم، مثل؛ انقطاع النفس النّوميّ (Sleep Apnea)، والحِرْمان من النَّوم المزمن، وقُصور الغدّة الدّرقيّة (Hypothyroidism)، وتململ الساقين، والاكتئاب.

كيف يُعالَج اضطراب النوم القهري؟

لا يوجد حتى الآن علاج لاضطراب النّوم القهريّ، ولكنْ تتوفر طرق مختلفة تساهم في تخفيف الأعراض التي يعانيها المصاب وتحسين طبيعة حياته وحمايته، ومن هذه الطُّرق: 

العلاج بالأدوية

تساعد الأدوية على تحسين الأعراض المصاحبة لاضطراب النّوم القهريّ، ولكنّها قد تكون مصحوبة بأعراض جانبية معيّنة، وهذا ما يستدعي الالتزام بتعليمات الطبيب حول استخدام الأدوية والبقاء تحت إشرافه طوال فترة العلاج لموازنة الفائدةِ المرجوّةِ من العلاجِ و آثاره الجانبيّة، ومن هذه الأدوية بعض المنشطات أو مضادات الاكتئاب.

تغيير نمط الحياة واتباع نصائح معينة

فتحسين العادات اليوميّة يساهم بشكلٍ كبير في تخفيف الأعراض وتعزيز جودة الحياة، ومن النَّصائح التي قد تُفيدك في حال كنتَ تعاني من النوم القهري:

– حافظ على اتباع عادات نوم صحيّة؛ كالالتزام بجدول نوم مناسب، والابتعاد عن استخدام الالكترونيّات قبل النّوم بنصف ساعة على الأقلّ، والنّوم في مكانٍ هادئ وخافت الإضاءة، ومن الأفضل أنْ يكون أيضًا معتدل الحرارة، إلى جانب الحرص على مُمارسة التّأمّل قبل النّوم أو القيام بأيّ نشاط من شأنه أنْ يساعد على الاسترخاء، والابتعاد عن استهلاك الكافيين قبل موعد النّوم.

– من الجيّد أنْ تأخذ قيلولة قصيرة ومخطّط لها خلال اليوم، قد تتراوح مدّتها بين 10-15 دقيقة. 

احرص على تناول غذاء صحيّ ومتوازن، وحاول أكل وجبات صغيرة موزّعة خلال اليوم بدلًا من التهام وجبات كبيرة ولعدد مرات أقل.

– انتظم على ممارسة الرّياضة خلال اليوم؛ فالتمارين تزيد نشاط الجسم وتُساهم في تحسين جودة النّوم، ولكنْ تجنّب ممارسة التمرين في موعد قريب من موعد الخلود للنوم، وحاول ترك ساعتين على الأقل بين وقت إنهاء التمرين والذهاب للفراش.

– تجنّب تناول الكحول والمواد غير القانونية (المخدرات)

– احرص على القيادة بحذر، وابتعد عن القيادة لماسافات طويلة، وقد يساعدكَ أيضًا أخذ غفوة قبل القيادة. 

اطلب الدعم والمساعدة من العائلة والأصدقاء، فالجميع بحاجة للدّعم والمساندة النفسيَّة، خاصّةً في الأيّام الصّعبةِ، وحاول دائمًا إخبار من حولك بما تعانيه وكيف بإمكانِهم مساعدتك بمجرّد ظهور الأعراض.

وفي النهاية، إذا كنتَ تعاني من النوم القهريّ أو بين أحبتكَ من يعاني هذا الاضطراب، لا تتردّد في طلب المساعدة من الطبيب في أيّ وقت كان، وحاول مناقشته حول ما يقلقك وما تواجهه من تغيُّرات تؤثر على إنجازكَ المهام اليوميّة والأعمال، فاستخدام الأدوية التي يصِفها الطبيب أو اتباع بعض نصائحه في هذا المجال قد يُعزّز يقظتك وتركيزك خلال النهار، ويُحدِث فارقًا كبيرًا في حياتك. 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *