تمرّ أحيانًا بأوقاتٍ عصيبة، تشعر فيها بأنّكَ غير قادر على التحكّم بعواطفك والسيطرة على انفعالاتك، وتميل إلى الشعور بالاستفزاز عند تعرّضِك لأقل المثيرات من حولك، ولكنّ الأمر قد يبدو غير طبيعيّ وخارج عن الإرادة عندما نتحدثُ عن الأشخاص المصابين بالميسوفونيا، الذين قد يُظهرون انزعاجًا شديدًا عند سماعهم أصواتًا معيّنة، يراها الكثيرين ردود فعل مبالغ فيها، فما هي الميسوفونيا؟ سنجيب عن هذا السؤال وغيره في محاور هذا المقال.

ما هي الميسوفونيا؟

الميسوفونيا أو الميزوفونيا(Misophonia)‏ هي ظاهرة أو اضطراب يظهر على شكل استجابة عاطفيّة أو فسيولوجيّة قويّة، يحفّزها التعرّض لأصواتٍ معيّنة، وقد يرى البعض أنّ هذه الاستجابة غير معقولة بناءً على الظروف العاديّة التي ظهرت فيها.

وعلى الرغم من أنّ الأصوات المتكرّرة، مثل المضغ أو الاستنشاق أو التخريش أو النقر بالقلم قد تُثير الانزعاج لدى أي شخصٍ منّا، إلا أن هذه الأصوات وغيرها تكون بالنسبة للشخص الذي يعاني من الميسوفونيا أكثر من مجرّد إزعاج، ويواجه صعوبة بالغة في تحمُّلها. 

ما أعراض الميسوفونيا؟

تختلف أعراض الميسوفونيا من شخصٍ لآخر باختلاف طبيعة التفاعل مع الأصوات المحفّزة، فقد يكونُ التفاعل على صورةٍ واحدة أو أكثر من ردود الفعل، التي سيتم توضيحها فيما يأتي:

– رد فعل عاطفيّ: وهو الذي يتضمن المشاعر التي تتولّد لحظتها وقد تكون شديدة ومربكة، وعادةً ما تتفاقم هذه العواطف وتزدادُ حِدّتها بسُرعة، أي أنّ الانزعاج والهياج قد يتحوّل بسرعة إلى غضبٍ شديد، ومن ردود الفعل العاطفيّة التي قد تتولّد لدى المصابين بالميسوفونيا: الخوف، والقلق، والهياج، والغضب، والاشمئزاز، والانزعاج، والشعور بفقدان السيطرة.

– رد فعل سلوكيّ: وهي الأفعال التي تظهر كاستجابة للأصواتِ المحفّزة وقد يصعب السيطرة عليها بشكلٍ كامل، كترك المكان في حالة وجود صوت محفّز، وتجنّب المواقف التي تظهر فيها الأصوات المثيرة للاضطراب، والتحدث أو الصراخ على الشخص أو الشيء الذي تسبّب في تحفيز الأعراض، والقيام بردّ فعل غير عنيف أو عنيف لوقف مصدر الصوت.

– رد فعل جسميّ: وهي رد فعل مشابه كثيرًا لما يحدث في لحظة التعرّض للخطر أو التواجُد في موقف مخيف، كالتعرّق، وتسارع نبضات القلب، والإحساس بوجود ضغط أو شدّ في الصدر أو في كامل الجسم، وارتفاع ضغط الدم، والإحساس بالقشعريرة، وارتفاع حرارة الجسم.

تبدأ أول أعراض الميسوفونيا بالظهور عادةً خلال سنواتِ المراهقة والفترة التي تسبقها، ولكنها غالبًا ما تظهر بين عمر (9-12) سنة، وتظهر أعراضه الشديدة لدى النساء بصورةٍ أكبر، وقد يشعر المصاب بصعوبةٍ في  السيطرةِ على الضغطِ النفسيّ، الذي قد ينجم عن هذه الأصوات أو السيطرة على شِدّة ردّ الفعل لديه، وفي نهاية المطاف سيكون هذا الاضطراب سببًا في اضطرابِ حياته اليوميّة.

ما هي محفزات الميسوفونيا الشائعة؟

تختلف محفزات الميسوفونيا وشِدتها من شخصٍ لآخر، كما أنّها قد تتغير أو تتفاقم مع الوقت، ومن أكثر محفّزاتها شيوعًا:

– التنفس بصوتٍ مرتفع.

– البلع.

– أصوات محاولة تنظيف الحلق.

– السعال.

– لعق الشفاه أو إصدار الأصوات من خلالها.

– القضم أو السحق بصوتٍ مرتفع.

– التهام الطعام أو تناول الشراب بصوتٍ مرتفع.

– الاستنشاق.

– النقر بالقلم.

– دقات الساعة.

– صوت الكتابة.

– جرجرة الأحذية.

– رنين الجرس أو الهاتف.

– حفيف الأوراق أو الأقمشة.

– طَرق الكؤوس ببعضها.

– تقليم وقص الأظافر.

– أصواتُ الحيوانات.

وفي بعض الحالات تتحفّز أعراض الميسوفونيا عند رؤية بعض المثيرات، مثل:

– هز الأرجل.

– فرك الأنف.

– لف الشعر أو القلم.

– مضغ الطعام مع بقاء الفم مفتوحًا.

– تحريك الشفاه أو الفك بحركة المضغ.

ما سبب الإصابة بالميسوفونيا؟

لم يجد الأطباء سببًا واضحًا للإصابةِ بالميسوفونيا، ولكنّ ثمّة اعتقاد شائع بأنّ هذا الاضطراب قد يكون له علاقة بالجانب النفسيّ والجانب الجسديّ، وكيفيّة تأثير الأصوات على الدماغ وتحفيز الاستجابة التلقائيّة في الجسم.

تظهر حالة الميسوفونيا أحيانًا كاضطراب منفصل بحدّ ذاته، أو يصاحب وجود مشكلات صحيّة ونفسيّة وتطوّريّة أخرى، وقد توصلت إحدى الدراسات التي أجريت مؤخرًا إلى أنّ الميسوفونيا قد تنجم عن حدوث خلل في أجزاء الدماغ التي تركّز على معالجة استجابة الكرّ والفر وأجزاء الدماغ المسؤولة عن معالجة الأصوات.

وعمومًا، قد يلعب العامل الجيني دورًا في الإصابةِ بالميسوفونيا، ونجده ينتقل بين أفراد العائلة الواحدة، وغالبًا ما تظهر أعراضه لدى الأشخاص الذين يعانون مشكلات معيّنة، مثل:

– طنين الأذن.

– احتداد السمع(Hyperacusis).

– فقدان السمع.

– اضطرابات القلق.

– متلازمة توريت.

– الاضطراب الوسواسي القهري (Obsessive-compulsive disorder).

– اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (Attention deficit hyperactivity disorder).

– اضطراب طيف التوحّد.

– اضطراب الاكتئاب الشديد.

– اضطراب الشخصيّة الحديّة.

– اضطراب ما بعد الصدمة.

كيف تُشخَّص الميسوفونيا؟

لم يضع الخبراء معايير محدّدة لتشخيص الميسوفونيا، ولا يوجد طريقة معيّنة لاختبار الإصابة بهذه المشكلة، ومع ذلك، قد يميل الطبيب إلى اقتراح الإصابةِ بمشكلة الميسوفونيا، من خلال تمييز الخصائص الأكثر شيوعًا لهذه الظاهرة، عند طرح الأسئلة حول المشكلة والأعراض والحصول على الإجابات من المصاب، ويعدّ تشخيص هذه الحالة مختلفًا عن التشخيص الرسمي الواضح للمشكلات الجسديّة والنفسيّة عمومًا.

ما هو علاج الميسوفونيا؟

رغم عدم توفر علاج محدّد لحالات الميسوفونيا، قد يوصي الطبيب بـ:

– العلاج النفسي؛ للمساعدة على تمييز المحفّز وإيجاد الطرق المناسبة لمنع أو تقليل تأثيره، وتطوير استراتيجيّات تأقلم وتقنيات محدّدة لتجنّب ردّ الفعل الاندفاعي للأصوات المحفّزة، وتقليل درجة الحساسيّة والتأثُّر بها، ويعد العلاج المعرفي السلوكي(Cognitive behavioral therapy)، من طرق العلاج الفعّالة في السيطرةِ على الميسوفونيا.

علاج المشكلات الأخرى المرتبطة بالميسوفونيا، مثل القلق، واضطراب الوسواس القهري، فبذلك يمكن التخفيف من أعراض الميسوفونيا، وقد يتضمن العلاج في هذه الحالة استخدام أنواع معيّنة من الأدوية.

كما تتوفر طرق أخرى للتأقلم والسيطرة على المشكلة باستخدام بعض الأدوات والتقنيات، مثل:

– الاستماع لشيء معيّن، يساهم في تركيز انتباه الدماغ للاستماع إليه بدلًا من الاستماع للمحفّز الصوتيّ لأعراض الميسوفونيا، مثل الأصوات المريحة والموسيقى وغيرها.

– سؤال الشخص الذي يُصدر الصوت المثير للانزعاج بأن يتوقّف.

– وضع سدادات أذن أو سماعات للأذن تلغي الأصوات المزعجة.

– استخدام مولدات صوت الضوضاء، أو سماعات الأذن التي تولّد صوتًا شبيهًا بصوت تساقط المطر.

– الجلوس في مكانٍ هادئ وآمن في المنزل، لا يمكن فيه الاستماع لأصواتٍ مزعجة.

– اتباع نظام حياة صحيّ، من حيث ممارسة التمارين الرياضيّة بانتظام، والسيطرة على التوتّر، والحصول على القدر الكافي من النوم والراحة.

– علاج إعادة التدريب على الطنين(Tinnitus retraining therapy or TRT)، المصمّم لمساعدة المصاب بطنين الأذن على تقبل أصوات الطنين والتأقلم معها.

– التكييف المضاد(Counterconditioning)، وهو أسلوب يربط بين المثير الصوتي الضعيف، مع شيء يعطي شعورًا بالسعادة أو الإيجابيّة، مثل صورة أو أغنية مفضلة.

هل يمكن الوقاية من حالة الميسوفونيا؟

تظهر مشكلةُ الميسوفونيا لأسبابٍ غير معروفة، لذلك لا يوجد طريقة معيّنة يمكن اتباعها للوقاية منها أو تقليل خطورة تطوّرها مع الوقت، وتجدُر الإشارة إلى أنّ الميسوفونيا تعبّر عن ظاهرة يتمكّن أخصائيّي الرعايةِ الصحيّة من ملاحظتها، وهي ليست شكلًا من أشكال القلق كما يعتقد البعض، ومع ذلك ثمّة علاقة تربط ما بين المشكلتين، وقد يعاني البعض من كليهما.

متى يجب مراجعة الطوارئ في حالات الميسوفونيا؟

يكون بعض مرضى الميسوفونيا الشديدة أكثر عرضة لأذيّة أنفسهم أو الميل للسلوكيّات والأفكار الانتحاريّة مقارنةً بغيرهم، وفي هذه الحالة يجب الحصول على المساعدة فورًا دون تأخير، لذلك احرص على اتخاذ الإجراء الملائم في حال شعرت أنّ شخصًا تعرفه في خطر، كأن تتواصل مع قسم الطوارئ، أو تسارع إلى الاتصال بخطوطِ الأزماتِ المحليّة. 

وأخيرًا، قد تكون الميسوفونيا مصدرًا للانزعاج الشديد بالنسبة لك، وقد تصِل لمرحلة تعتقد فيها أنّك محاصر ولا يمكنك السيطرةُ على ما تعانيه، وقد بدأت تواجه الكثير من العقبات في حياتك اليوميّة، ولكن اعلم بأنّ الطبيب يمكنه مساعدتك لإيجاد أفضل الطرق المُمكنة للتحكّم بأعراضك ومحاولةِ السيطرةِ عليها، والتركيز أكثر على الأشياء الممتعة بالنسبة لك، وجعل القلق أقل حول الأصوات التي تثير انزعاجك وتعكّر مزاجك.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *