الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، فأحيانًا نشعر بالإيجابيّة والقدرة على تحقيق المستحيل، وفي أوقاتٍ أخرى نمر بظروفٍ صعبة تتملّكنا فيها مشاعر الحزن أو الغضب أو الرغبة في العُزلة والابتعاد عن الجميع، فإذا كان صديقك أو أحد معارفك المقربين يمرّ بظرفٍ صعب، قد تقع في حيرةٍ من أمرك، وتجد نفسك عاجزًا عن فعل أي شيء لمساعدته، ربما تكتفي بمجرّد عدم التدخل، أو تبتعد بسبب رهبةٍ متولّدة لديك من التدخل بطريقةٍ سلبيّة بناءً على تجربةٍ سابقة، ولكن لا بدّ أنّك تتساءل عن الطريقة الأفضل التي يمكن من خلالها مساعدة الشخص الذي يمرّ بوقتٍ عصيب، وكيفيّة تقديم الدعم له، وهذا ما سنجيب عليه في هذا المقال.

الدعم العاطفي

يظهر الدعم العاطفي من خلال تقديم التشجيع والتعاطف والطمأنينة الصادقة، والذي يتم إيصاله عن طريق الإيماءات الجسديّة أو التعابير اللفظيّة، وعمومًا، مهما كان الشكل الذي يتخذه الدعم العاطفي، فهو قد يكون الوسيلة التي تساهم في تحسين تطلعات الشخص وصحته العامّة، ودعمه في تخطي المرحلة الصعبة التي يواجهها، قد لا يمتلك الجميع المهارات اللّازمة التي تمكّنهم من تقديم الدعم العاطفي، ومع ذلك، يمكنهم تطوير هذه المهارات، ومحاولة التمرّن عليها وممارستها، لمساعدة الآخرين، وتقديم يد العون لهم.

كيفية مساعدة شخص يمر بوقتٍ عصيب

يمكنك تقديم الدعم المالي لأخيك عندما يمر بضائقة مالية، أو تقديم الدعم الجسدي لجدك المُقعد، ولكن كيف يمكنك تقديم الدعم العاطفي لصديقك الذي يعاني من مشاكل زوجية، أو أختك التي تعرّضت مؤخرًا للإجهاض، أو والدك الغارق في التعب والإجهاد؟ قد تتساءل عن أفضل وسيلة يمكنك اتباعها لتقديم الدعم النفسي في مثل هذه الحالات، ومساعدتهم على تخطّي الوقت العصيب الذي يمرّون به، في الحقيقة، يمكنك بالفعل تقديم المساعدة والتعامل مع الأمر بجديّة باتّباع مجموعة من النصائح والاستراتيجيّات المدروسة، والتي يمكن توضيح أبرزها في الآتي: 

ابدأ بطرح الأسئلة للطرف الآخر بشكل خاص عن موقفه، مثل قول: “أعلم أنك كنت تمر بوقت عصيب في عملك، أخبرني كيف تمكنت من الصمود؟”، وشجعه على مشاركة شعوره بشأن ما يضايقه، واطرح السؤال بشكل عام عند عدم معرفتك لما يمر به، مثل قول: “ما الذي يحصل معك؟”، وتجنب طرح الأسئلة المغلقة التي تتم إجابتها بنعم أو لا أو بأجوبة قصيرة محددة، وذلك للمساعدة على فتح الحوار واستمرار النقاش.

اختر الوقت المناسب لبدء المحادثة، وقم بتنظيم جدول المواعيد بطريقة تسمح لأن يأخذ الحوار مجراه بأريحيّة مع الشخص الذي يمرّ بوقتٍ عصيب ودون مقاطعته، مع إتاحة الوقت أيضًا لإظهار أي مخاوف أو وجهات نظر بعد انتهاء كلامه. 

تواصل معه ولا تهمله، فعندما يتغيّب صديقك أو شخص عزيز عليك عن المشاركة في الأنشطة التي اعتاد الانخراط بها، وتوقّف عن الاتصال بمن يهتمّ لأمرهم، وبدأ يميل إلى عزل نفسه عن محيطه، قد يكون بالفعل لديه مشكلة حقيقيّة تتطلّب الاهتمام والسؤال عن أحواله، لذلك لا بدّ من إشعاره بأنّه ليس وحيدًا، سواءً بإرسال الرسائل له عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، أو مكالمته باتصالٍ هاتفي، أو زيارته وإتاحة الفرصة للحوار معه وجهًا لوجه، وإظهار القلق والاهتمام به، وعدم الاستسلام من محاولة التواصل معه حتى لو رفض التواصل في البداية، فهذا يؤكّد له على اهتمامك الشديد به، وقد يفلح التواصل لاحقًا. 

استمع جيدًا للطرف الآخر، واحرص على فهم ما يمرّ به، ولا تحاول تغيير رأيه أو إطلاق الأحكام عليه، فقد يكون أفضل ما تقدّمه له هو الاستماع الجيد لمشكلته ببساطة، وتركه يقود الحوار بأريحيّة، وأخبره أنّ بإمكانه الحديث معك وقت الحاجة.

بالاستماع الجيد يُمكن أن يحدث ذلك فرقًا كبيرًا لدى الطرف الآخر، ولتتمكن من ذلك تعلم المهارات اللازمة له، ويمكن توضيح بعضها كالآتي: 

1- استخدم لغة جسد متناسبة مع الشكوى؛ بالإيماءات المتوافقة مع الكلمات، وتوجيه الجسد نحوهم بطريقة متلائمة، لإظهار اهتمامك الكامل له.

2- تجنب المشتتات، وتغيير الحديث إلى أشياء أخرى.

3- اطلب توضيحًا لما لا تفهمه.

4- اطرح بعض الأسئلة أثناء الحوار لمعرفة ما يشعر به تحديدًا.

5- بعد فهم الموقف جيدًا، لخّصه بكلمات قوية ومتماسكة.

قدم يد العون للمحبطين منهم بالكلمات والمجاملات الصادقة، وأعد بناء ثقتهم في أنفسهم، وكن حريصًا على أن تكون المجاملات مرتبطة بالوضع الحالي، واجعلها محددة أكثر، ودون مبالغة.

تجنب التقليل من حجم المشكلة التي يمر بها الطرف الآخر، وقدّرها ولو لم تكن بنظرك تُشكل تحديًا حقيقيًّا، فإن الشعور بالضيق تجاه أمر ما يختلف من شخص لآخر، ولا يجدر به أن يُقاس أوأن  يقارن مع المشكلات الأخرى.

ابتعد عن كثرة الكلام، وتقديم النصائح، وطرح الأسئلة التي تُفسّر على نحو خاطئ، وذكر التجارب الخاصّة أثناء الحوار، فإن النصائح والملاحظات حتى لو كانت تُعطى عن حسن نيّة، قد تؤخذ على أنّها مجرّد انتقاد وإصدار للأحكام، وقد تقف عائقًا أمام اكتمال الحوار البنّاء؛ وذلك لأنّ الشخص الذي يمرّ بموقفٍ صعب سيشعر بأنّه غير مسموع، ولا يجد المساحة الكافية لمناقشة مشاعره، لذلك، حاول دائمًا تجنب كثرة الكلام، وأيضًا حافظ على نبرة صوت متعاطفة مع ما يشاركه الطرف الآخر، وادعم حلوله التي يراها مناسبة لمشكلته ما لم تُشكل خطرًا، وقدم له رأيك عند سؤالك عنه بلطف وإيجابية.

قدم الدعم الجسدي بما يتوافق مع حاجة الطرف الآخر، واعتمادًا على العلاقة به، لتعزيز دعمه عاطفيًّا، كالتربيت على أكتاف صديقك المحبط، أو مسك يد أحد أفراد أسرتك أثناء خضوعه لإجراء مؤلم، قدم أشياء أخرى لطيفة قد تترك أثرًا كبيرًا عندهم، كأن تحضر الزهور لأختك المتأثرة بمرحلة الانفصال، أو تخفيف أعمال المنزل عن والدتك المتعبة، أو إحضار وجبة العشاء المفضلة لصديقك المنفصل عن العمل.

حاول النظر للأمور من المنظور الشخصي للطّرف الآخر، لا من منظورك وطريقتك المعتادة، وحاول التمرّن على مهارة الابتعاد عن إصدار الأحكام لتتجنبها أثناء الحديث معه، وذلك، بدءًا بتعلّم الرأفة مع نفسك عند ارتكاب الأخطاء، وإدراك أنّ الآخرين يمرون بأوقات عصيبة مثلنا، فإصدار الأحكام قد يكون جزءًا من أنماط التفكير التي يصعب تفسير حدوثها، ولكنّها دائمًا ما تكون سببًا في خلق المسافات بين الأفراد وانقطاع التواصل.

ركز على ما يشعر به الشخص، فمثلًا، في حال أخبرك صديق أنّ زواجه بدأ بالانهيار، يمكن قول: ” أنا آسف حقًّا، قد يشعرك ذلك بالوحدة، هل يوجد أي شيء يمكنني تقديمه؟” أو “إنّ ما تمرّ به يبدو صعبًا بالفعل، أشعر بالأسف لأنّك تتألم بشدّة”، فهذه الجمل تُظهر التعاطف مع الطرف الآخر، على خلاف بعض الجمل التي لا يمكنها أبدًا أن تعكس مشاعر التعاطف، مثل: ” على الأقل لديك زوجة، أنا وفلان لم نتزوّج بعد” أو ” أووه، أنتما زوجان رائعان، أنا متأكد أنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام”، وهكذا.

ركّز فضولك على الجانب الصحيح؛ أي على حال الشخص نفسه وليس القصة، ولا تتدخّل في التفاصيل المنفّرة أو الحمقاء التي لا فائدة من معرفتها، فبهذا تكون شخصًا داعمًا بالفعل، وتريد المساعدة.

ابتعد عن إخبار الشخص أنّه مخطئ، والتفوّه بعبارات مثل: “لا يجب عليك الشعور بالسوء إلى هذا الحدّ” أو ” أنت تبالغ في ردّ فعلك” أو “إنّه ليس سيئًا كما تعتقد”، فلا يوجد خطأ عندما يتحدّث الشخص المهموم عن مشاعره وتجربته.

تجنّب محاولة حل المشكلة، واسأله عن ما إذا كانت الخطوة التالية واضحة بالنسبة له، إذ يساعده ذلك على معرفة أفضل طريقة تمكّنه من تقديم الدعم لنفسه وحلّ المشكلة.

فكّر بالأشياء التي ساعدتك في حال مررت بمثل موقفه، كعدم إصدار الأحكام، والتواجد دائمًا لأجلك، وإحضار الزهور أو الطعام لك، وكذلك بالأشياء التي لم تساعدك وأنت في الوقت العصيب، كالانشغال بالهاتف أثناء الحديث معك، وتحويل الحديث عنك إلى قضايا أخرى، فرغم اختلاف الأفراد عن بعضهم البعض، قد يسهّل التفكير بتلك الأمور عندما كنت في مواقف مشابهة معرفة كيف يمكن التعامل مع الشخص الذي يمرّ في ظرفٍ صعب، وبدء تقديم الدعم الملائم له.  

شجّعه على طلب المساعدة المتخصّصة إن استدعى الأمر، ويمكنك مساعدته أيضًا بالاتصال مع الأخصائي أو الطبيب لتحديد موعد، ومرافقته في حال كان الأمر مقلقًا بالنسبة له، كما يمكن التخفيف عنه بحجز موعد للاستشارة عبر الهاتف أو تطبيقات الفيديو.

– اعرف الوقت الذي لا بدّ فيه من التراجع، وأعطِ الطّرف الآخر المساحة والوقت الكافي للتفكير، حتى إن كنت شجعته على طلب المساعدة المتخصّصة لمصلحته، فقد لا يكون مستعدًّا لذلك، ما عليك سوى المحافظة على مستوى الدعم المتواصل الذي تقدّمه، والتأكيد له على أنّك متواجد ومتاح له مهما كان القرار الذي يتخذه.

ثقف نفسك، فمن الأفضل أن تسعى إلى معرفة المزيد عن المشكلة التي يعانيها صديقك أو الشخص الذي ترغب بمساعدته، سواءً كان ما يعانيه اكتئاب، أو قلق، أو توتر، أو انفصال، أو لعب قمار، أو تعاطي مخدرات أو كحول، أو إعاقة جسديّة، أو أي نوع من المشكلات النفسيّة، ويحتاج إلى تثقيف النفس، كزيادة المعرفة عن العلاج المُمكن للمشكلة، ومعرفة ما الذي يمرّ به تحديدًا، والاطلاع على خيارات الدعم المتاحة لمساعدته.  

تجنب إظهار التفاؤل، أو استخدام العبارات الحكيمة في المواقف الصعبة بغرض المواساة، فلا يمكن إصلاح كل شيء ببساطة، أو بابتكار جمل وعبارات حكيمة في المواقف الصعبة بغرض المواساة، ، فالكلمات والعبارات الحكيمة، مثل: ” كل شيء يحدث لسبب ما” أو غير ذلك، يمكن أن يكون لها صداها، ولكنها أرجى أن لا تُفلح في ظل الظروف الصعبة.

أشعره بأنّك تفكر به دائمًا، وعاود التحدث معه مرة أخرى، للاطمئنان عليه وسؤاله عن كيفية سير الأمور معه، وأخبره أنّك متاح دائمًا إذا أراد التحدث.

إن أفضل شيء يمكنك تقديمه للشخص الذي يمرّ بوقتٍ عصيب هو إشعاره بالاهتمام الكامل، عن طريق الاستماع والانتباه الجيد، وإظهار التعاطف المتناسب معه، ولا يتطلب منك ذلك أن تقدم حلولًا للمشكلة أو أن تُصدر أحكامًا أو تلقي النصائح، وابحث عن ما يبدو طبيعيًّا وصادقًا، وأعطه الدعم غير المشروط، وأشعره بأنّك متاحٌ حين حاجته إليك، ويمكنك تشجيعه على طلب المساعدة من المختصين في حال شعرت بأنّ ذلك ليس كافيًا، والوقوف معه في الأثناء وتوفير الدعم والمساعدة التي يحتاجها، فجميعنا بحاجة لوقفة الأحبة بجانبنا في أوقات المحن.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *