الصدمة الجنسية العسكرية

قد يتعرّض العسكري خلالَ خدمتهِ في الجيش، و أداءهِ للواجب إلى صدمةٍ نفسيّة يستمرّ أثرها السلبيّ عليه طوال حياته في حال لم يتلقّى المساعدة اللازمة، ويعتبر الاعتداء الجنسيّ واحدًا من المشكلات التي قد يواجهها المُجنّد العسكري والتي من شأنها أن تترك آثارًا نفسيّة وجسديّة سيئة لفتراتٍ طويلة.

ولمعرفة المزيد حول الصدمة الجنسيّة العسكريّة يمكنكَ الاطلاع على هذا المقال.  

ما هي الصدمة الجنسيّة العسكريّة؟

الصدمة الجنسيّة العسكريّة (Military sexual trauma or MST) تتمثّل في التعرّض للاعتداء الجنسي أو التحرّش الجنسي أثناء الخدمة العسكريّة، أو يمكن القول بأنّ الصدمة الجنسيّة العسكريّة تتضمّن أي نشاط جنسيّ تشارك فيه ضدّ إرادتك ولا تتمكّن من رفضه.

ومن الأمثلة على الاعتداء الجنسي:

– التعرّض للاتصال الجنسي أو الأنشطة الجنسيّة دون موافقة عليها، كالاتصال الجنسي الذي يحدث معك أثناء نومك.

– الإجبار على ممارسة الجنس باستخدام القوّة الجسديّة.

– سماع التعليقات الجنسيّة غير المرغوبة أو التعليقات التي تحمل التهديد حول الأنشطة الجنسيّة، أو وصف الجسم، أو النكات الجنسيّة غير اللائقة، أو الألفاظ البذيئة.

– التعرّض للتلامس أو الجذب الشديد بطريقة جنسيّة.

– مواجهة الضغوطات أو الإكراه على ممارسة الأنشطة الجنسيّة، مثل التعرّض للتهديد بالمعاملة السلبيّة، أو الوعود بمعاملة أفضل بناءً على الرغبة في ممارسة الجنس؛ بمعنى عرض شيء معيّن مقابل الخدمات الجنسيّة.

– التعرّض للتحرّش الجنسي أو التهديد غير الموافَق عليه بصورةٍ متكرّرة.  

ما هي آثار الصدمة الجنسيّة العسكريّة؟

يتعرّض الأفراد من مختلف الأعمار والأجناس والأعراق للصدمة الجنسيّة العسكريّة، وحالها حال أنواع الصدمات الأخرى، فإنّ الصدمة الجنسيّة العسكريّة قد تؤثر في الصحة النفسيّة والجسديّة، ويستمرُ أثرُها لسنواتٍ عديدة، ومن الأمثلة على الآثار السلبيّة التي تُخلّفُها الصدمة الجنسيّة العسكريّة:

– عدم الشعور بالأمان، بل وصعوبة الشعور بالأمان مرّةً أخرى.

– المعاناة من الاكتئاب أو الخدر.

– وجود ذكريات وكوابيس مزعجة.

– الإحساس بالعُزلة عن الآخرين.

– اللجوء لاستخدام المخدرات أو الكحول لمحاولة تخدير الشعور السيء أو الهروب من المشاعر السلبيّة.

– مواجهة مشكلات في النوم.

– وجود مشكلات تتعلّق بالصحّة الجسديّة.

– مواجهة صعوبات ومشاكل تتعلّق بالنفسيّة، كالهياج، والغضب، والعواطف الشديدة والحادّة.

– ضعف الثقة بالنفس، وكثرة اللوم والشك الموجّه للذات.

وقد تزداد خطورة تعرّض المصاب بصدمة جنسيّة عسكرية لعددٍ من المضاعفات، مثل:

– اضطرابات الأكل.

– نوبات الذعر.

– الاضطرابات الانشقاقية (Dissociative behaviors).

– إيذاء النفس.

– الانتحار.

ما الأعراض التي قد تُصاحب الإصابة بالصدمة الجنسيّة العسكريّة؟

قد يعاني المصاب بالصدمة الجنسيّة العسكريّة من أعراض ومشكلات مختلفة، أبرزها:

اضطراب ما بعد الصدمة (Post-traumatic stress disorder or PTSD) وغيرها من مشكلات الصحّة النفسيّة، فغالبًا ما تزداد احتماليّة تعرّض الناجي من الصدمة الجنسيّة العسكريّة لاضطراب ما بعد الصدمة، سواءً كان رجلًا أو امرأة، وكذلك لوحظَ بأنّ الصدمة الجنسيّة العسكريّة قد يُصاحبها ظهور مشكلات نفسيّة أخرى، مثل الاكتئاب واضطرابات المزاج الأخرى، واضطراب تعاطي المخدّرات.

مشكلات تتعلق بالصحّة الجسديّة، مثل الألم المزمن، والمشكلات الجنسيّة، ومشكلات الأكل أو الوزن، والمشكلات الهضميّة، ومشكلات التركيز أو الذاكرة والانتباه.

صعوبة تكوين العلاقات والتواصل الاجتماعي، فمثًلا، قد يعاني المصاب من مشكلات في الثقة، ومن مشكلات الانخراط في الأنشطة الاجتماعيّة، ومشكلات الصحّة الجنسيّة، وفي بعض الحالات يعاني الشخص من مشاعر الغضب والإحساس بالذنب والعار.

مشكلات التعاطي، سواءً كان تعاطي المخدرات أو الكحول.

مشكلات أخرى تتعلق بالصحة الجسديّة أو النفسيّة، فقد لوحظَ وجود ارتباط قوي بين التعرض إلى الصدمة الجنسيّة العسكريّة والإصابة ببعضِ المشكلاتِ الصحيّة، مثل فقدان الوزن، السمنة، والإصابة بأمراض الرئة والكبد، وقصور الغدّة الدرقيّة، كذلك ثمّة ارتباط بين التعرّض إلى الصدمة الجنسيّة العسكريّة وبين الإصابة بمشكلات الصحّة النفسيّة، كالفصام، واضطراب ثنائي القطب، اضطرابات الأكل، واضطراب ما بعد الصدمة.

ما هي طرق علاج الصدمة الجنسيّة العسكرية؟ 

تتوفر العديد من التقنيّات والطرق العلاجيّة التي قد تساعد المصابين بالصدمة الجنسيّة العسكريّة، لذلك يجب أن يُعطي المُصاب أولويّته لمراجعة الطبيب أو المعالج النفسي المتمرّس في علاج حالات الصدمة الناجمة عن الاعتداء الجنسي.

ويمكن ذكر بعض من الطرق النفسيّة المتّبعة في علاج مثل هذه الحالات في الآتي:

العلاج المعرفي السلوكي المركّز على الصدمات (Trauma-focused cognitive behavioral therapy)، وهو العلاج الذي يهتم بطبيعة الرابط بين المشاعر والسلوكيّات التي قد ينخرط بها الشخص بناءً على استجابتهِ للمشاعر، وفي العلاج المعرفي السلوكي المركّز على الصدمات يبدأ المُعالج  بمناقشة المصاب حول الحدث الصادم الذي واجهه، وفهم طبيعة مشاعره تجاه ما حدث وكيفيّة تأثيرها على سلوكه، وبعد ذلك يبدأ في وضع استراتيجيّة مدروسة، تجعل الاستجابة تكون بشكلٍ بنّاءٍ للمشاعر الناجمة عن الصدمة.

العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic psychotherapy)، والذي يركّز على مناقشة الأفكار والعواطف، والخبرات السابقة، والعلاقات الشخصيّة، وتمييز الأنماط السلوكيّة، وكل ذلك يكون مع مدرّب متخصّص وموثوق، وفي أجواء تتميّز بدرجة عالية من الثقة بين المعالج والمصاب.

إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين (Eye movement desensitization and reprocessing or EMDR)، وفيه يعمَدُ المُعالج النفسي إلى تحريك أصابعه ذهابًا وإيابًا أمامَ وجه المريض، ويطلب منه متابعة الحركة بعينيه وعدم إشاحة نظره بعيدًا، وفي هذه الأثناء يطلب منه إعادة سرد طبيعة الحدث الصادم الذي تعرّض له، والانتقال بعد ذلك إلى مناقشة أفكار أو ذكريات ممتعة أثناء تغيير حركة اليدين، وبهذا يُسهم هذا النوع من العلاج في تخفيف مستوى الضيق والانزعاج أثناء سرد الأحداث والذكريات المؤلمة، ومع الوقت تبدأ المشاعر أو السلوكيّات السلبيّة بالتلاشي.

ما هي النصائح للمصاب بالصدمة الجنسيّة العسكريّة؟ 

ثمّة مجموعة من النصائح التي قد تساعد المصاب بالصدمة الجنسيّة العسكريّة على التعامل مع المشكلات التي يعانيها إلى جانب العلاج النفسي المتخصّص، ومن هذه النصائح:

– التفاعل والتحدّث مع غيره من العسكريين الناجين من الصدمات الجنسيّة العسكريّة.

– الحرص على تناول الغذاء الصحّي.

– ممارسة التمارين الرياضيّة.

– الامتناع عن تناول المشروبات الكحوليّة أو تعاطي المخدرات.

– الاشتراك في الأعمال والأنشطة التطوّعيّة.

– قضاء الوقت الكافي مع الأحبّة والأشخاص المقرّبين.

– محاولة تمرين النفس على التفاؤل، لذلك عليك أن تبحث عن الأشياء الجيّدة في حياتك ويُمكنها خلق الفرح والشعور بالسلام والسعادة، وتذكير نفسك بها، فمثلًا، فكر في الأشياء الجيدة التي حدثت خلال 24 ساعة الماضية، ربما يكون احتفالًا، أو حتى شراء قلم تفضّله.

– اتباع نهج اليقظة الكاملة أو الوعي التام (Mindfulness)، أي عليك أن تكون مدركًا ومركّزًا على الحاضر، ولتحقيق ذلك يمكنك ممارسة تمارين التنفس، أو التركيز على شيء واحد فقط في اللحظة الحاليّة؛ كأن تركّز بقوّة على مذاق قطعة من الشوكولاته أو رشفة من القهوة.

– التعامل مع حيوان الدعم العاطفي (Emotional support animals) أو امتلاكه، فقد لوحظ أنّ تعامل المحاربين القدامى الذين يعانون من الصدمة الجنسيّة العسكريّة مع الكلاب واللعب معها يفيد في توفير الراحة والهدوء في أوقات ومواقف الضغط النفسي.

– الانضمام لمجموعات الدعم النفسي، والتي تضمُ أشخاصًا تعرّضوا مسبقًا للصدمة الجنسيّة العسكريّة، فهذه الطريقة قد تُسهم في تعزيز الشعور بالراحة أثناء الحديث عن الصدمة الجنسيّة العسكريّة، وتعزيز إمكانيّة التعامل مع المشاعر والعواطف الشديدة المرتبطة بالصدمة.

– استكشاف الطريقة التي قد تساعدك على تخفيف مشاعرك السلبيّة حول الحدث الصادم، فثمّة العديد من الطرق التي يمكن اتباعها لاستعادة السيطرة مرّة أخرى، وما قد يفيدك قد لا يحقّق الفائدة ذاتها لغيرك، والعكس صحيح، لذلك حاول جهدك استكشاف الخيارات التي تفيدك في التعامل مع الصدمة.

وأخيرًا، يواجه العسكري أثناء خدمته العديد من المواقف الصعبة التي من شأنها أن تغيّر حياته، كالتعرّض للصدمة الجنسيّة العسكرية التي تحدثنا عنها في هذا المقال، وقد يجد نفسه محاصرًا وغير قادرًا على التعامل مع الأعراض والآثار السلبيّة التي يواجهها بسبب الموقف الذي تعرّض له، مهما كان قديمًا، ولكن يوجد أيضًا العديد من طرق العلاج النفسي التي تستهدف علاج الصدمة الجنسيّة العسكريّة، والتخفيف من أثرها السلبيّ على حياة المصاب، لذلك لا تتردّد في مراجعة الجهات المختصّة أو المعالج النفسي المتمرّس لمواجهة مشكلتك، وتذكّر أنّ الجميع يواجه في حياته مواقف صعبة رُغمًا عنه، ولا تنسى أيضًا أنّ تعافيك وعودتك لحياتك الطبيعيّة ممكنًا.

*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *