الصّحة النّفسيّة وعلاقتها بصحّة البشرة

قد يمكّننا النظر إلى المرآة من رؤية انعكاس ما نشعر به في داخلنا، ففي أوقات إحساسنا بالسعادة تصبح البشرة أكثر لمعانًا ونضارة، بينما نلاحظ شحوب البشرة أو امتلائها بالعيوب عندما تتملّكنا مشاعر الحزن والكآبة، وبالمقابل، تتأثر نظرة الفرد لذاته وحالته النفسيّة أيضًا بتغيّرات بشرته، فنجد أنّ ثقته بنفسه قد تقلّ إن كانت بشرته مُرهقة ومليئة بالحبوب أو بالتّجاعيد، وتنتابه دفعة قويّة من الثقة بالنفس عندما تكون بشرته صحيّة ونضِرة، فالبشرة مرآةٌ لصحّتنا الجسديّة والنّفسيّة، بالأخص عندما نتحدّث عن بشرة الوجه. 

العلاقة بين البشرة والتغيرات النفسيّة  

يعدّ الجسد وحدةً واحدة مترابطة تؤثر فيه المشاكل الصحيّة على جوانب عِدة، ويمكن ملاحظة العلاقة بين البشرة والصحة النفسيّة لدى الشخص في الآتي:

الأمراض الجلدية تؤثر في الصحّة النفسيّة

الأمراض الجلديّة المزمنة هي من أكثر الأمراض تأثيرًا على صحّة المصاب النّفسيّة حالها حال بقيّة الأمراض المزمنة، إذ يتعيّن على المصاب طوال حياته التّعايش مع المرض والآلام والمشاكل التي يسبّبها، فقد لوحظ في عدد من الدراسات أنّ القلق الاجتماعيّ والاضطرابات النفسيّة قد ترتبط بالمشاكل الجلديّة على نحوٍ كبير. 

التغيرات النفسية تؤثر على البشرة

توصلت إحدى الدراسات إلى ارتباط الوعي التام (Mindfulness) بانخفاض مستوى الضّغوطات النّفسيّة لدى الشخص إلى جانب تحسّن حالة البشرة وصحّتها، إلى جانب عدد من الدراسات التي ربطت تحسّن الصّحة النّفسيّة وتقليل الضّغوطات والتوتّر بالتعايش مع مشاكل البشرة التي يعاني منها المصاب بالأمراض الجلديّة، بالإضافة إلى ما سبق، أثبتت إحدى الدّراسات علاقة مستوى هرمون الكورتيكوستيرون(Corticosterone)  والكورتيزول(Cortisol)  -المعروفة بهرمونات التوتر- على البشرة والجلد من عدّة جوانب؛ حيث تلعب هذه الهرمونات دورًا مهمًّا في: 

– تجديد خلايا الجلد.

– تعافي الجروح.

– ظهور الالتهابات عمومًا، والالتهابات الجلديّة على وجه الخصوص. 

– تسريع شيخوخة البشرة، وتهالكها.

الأمراض الجلديّة النفسيّة 

تجدر الإشارة إلى وجود علم قائم بحدّ ذاته يدرس العلاقة بين الاضطرابات النّفسيّة والأمراض الجلديّة، يطلق عليه علم الأمراض الجلديّة النّفسيّة (Psychodermatology)، والذي قسّم الاضطرابات الجلديّة النّفسيّة إلى ثلاثة أقسام، وهي:

– الاضطرابات النّفسيّة الفسيولوجيّة (Psychophysiological Disorders)؛ وهي المشاكل الجلديّة غير المرتبطة بالدّماغ والنفسية بشكلٍ مباشر، ولكنّها تتأثّر بالحالة النّفسيّة للمصاب بها، كالشعور بالتّوتّر، ومن الأمثلة على هذه الاضطرابات: الصّدفيّة (Psoriasis)، والإكزيما (Eczema)، والعدّ الوردي(Rosacea) ، والثّعلبة(Alopecia Areata) ، وحبّ الشّباب(Acne) ، والشرى (Urticaria)، وغيرها. 

– الاضطرابات النّفسيّة الأوّليّة (Primary Psychiatric Disorders)؛ وهي الاضطرابات النّفسيّة التي تظهر على صورة مشاكل جلديّة، أي أنّ المشكلة النفسيّة هي الأساس بينما تظهر العلامات والأعراض الجلديّة من الشخص نفسه، مثل؛ هوس نتف الشّعر (Trichotillomania)، والداء الطفيلي الوهامي(Delusional Parasitosis) ، والتّسحّج العصبي(Neurotic Excoriation)  واضطراب تشوّه الجسم(Dysmorphophobia) . 

– الاضطرابات النّفسيّة الثانويّة (Secondary Psychiatric Disorders)؛ وهي الاضطرابات والمشاكل النّفسيّة المرتبطة بتشوّه الجلد، حيث أنّ تشوّه الجلد – بسبب الحروق أو خللٍ خلقيّ على سبيل المثال – قد يؤدّي إلى اضطراب نظرة الشّخص لذاته، وربما يعاني من الرّهاب الاجتماعيّ(Social Phobia) ، أو الاكتئاب(Depression)  أو غيره من المشكلات النفسية. 

علاج مشكلات البشرة المرتبطة بالصحة النفسية

يركّز العلاج في هذه الحالة على الجانبين النّفسيّ والجسديّ من المشكلة، فهو قد يتضمن أدوية تعالِج الأعراض الجسديّة الظاهرة على البشرة، أو أدوية نفسيّة مختلفة بحسب حالة المصاب، أو واحدة من طرق العلاج النّفسي والسلوكي. 

كذلك يفيد العلاج النفسي في مساعدة الفئات التي تعاني من حب الشباب والإكزيما والندبات والحروق على تحسين النظرة إلى النفس، وعدم التقليل من تقدير الذات، والتعامل مع التنمّر والضغوطات التي يتعرّض لها المصاب في المجتمع.

وهنا يتوجّب على الطبيب العام أو طبيب الجلديّة تشجيع المصاب بإحدى الأمراض الجلديّة على مراجعة الطّبيب النّفسيّ لمتابعة الجانب النّفسيّ من العلاج، خاصةً وأنّ بعض المصابين يرفضون أخذ الجانب النّفسيّ بعين الاعتبار أثناء تلقيهم العلاج بسبب الوصمة الاجتماعيّة المتعلّقة بالأمراض والعلاجات النّفسيّة. 

منع الإصابة بمشكلات جلدية بالعلاج النفسي

يساعد علم النفس والعلاج النفسي في كثيرٍ من الأحيان على منع الإصابة بمشكلات تؤثر في البشرة، وكمثال على ذلك، توجيه الأفراد (خاصةً الإناث) وتقديم الاستشارة النفسيّة لهم بشأن أضرار التسمير، وارتفاع خطورة الإصابة بسرطان الجلد، إذا كان الميل لتسمير البشرة نابعًا عن النظرة السيئة للنفس وانعدام الثقة بمظهر الجسم.

ما الصعوبات التي تواجه المصاب بمرض جلديّ مزمن وتؤثر على نفسيته؟

يواجه المصابون بالأمراض المزمنة مشكلات عديدةً بالإضافة إلى المشاكل النّاتجة عن المرض ومضاعفاته، فكما ذكرنا سابقًا، يكون المصاب بالأمراض المزمنة أكثر عرضةً للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب. ومن المصاعب التي تواجه المصاب بالأمراض الجلديّة المزمنة: 

– التفاهم مع مقدّم الرّعاية والحصول على خطة علاجيّة مناسبة، فعلى الرّغم من زيادة الوعي حول ارتباط الأمراض الجلدية بالأمراض النّفسيّة، إلّا أنّ بعض الأطبّاء ينصب تركيزهم على علاج المشكلة الجلديّة الظاهرة، دون الاهتمام بالجانب النّفسيّ، وقد يقوم بعضهم بوضع خطّة علاج لا تتناسب مع نظام حياة المصاب، لهذا السّبب من الضروريّ تعاون الفريق الطّبّيّ والاستماع لمخاوف وهموم المصاب لحلّها، والعمل على مراجعة جميع جوانب المشكلة وتأثيرها على حياته. 

– تلقّي الرعاية الملائمة في الوقت المناسب، إذ يعدّ التّشخيص الصّحيح في المراحل الأولى من المرض واحدًا من أهمّ العوامل التي تمكّن المصاب من الحصول على نتيجة مُثلى بأقلّ أثر سلبيّ ممكن، وعلى الرّغم من تأثير عوامل عِدّة على إمكانيّة حصول المصاب على العناية الشّاملة، إلّا أنّ بإمكاننا مساعدته على معرفة جميع جوانب المرض وكيفيّة تطوّره مع العلاج وبدونه، وتوضيح خيارات العلاج المتاحة له منذ البداية. 

– الالتزام بالعلاجات الجلديّة، فقد تحتاج العلاجات الجلديّة الموضعيّة الكثير من الوقت لإظهار نتائجها (عدّة أسابيع إلى عدّة شهور)، وهذا يعني أنّ استخدامها المتكرّر لفتراتٍ طويلة يكون في معظم الأحيان مرهقًا ومستنفذًا للطاقة، أضف إلى ذلك أنّ بعض الحالات تحتاج لعلاجات غير موضعيّة تؤخذ بواسطة الفم أو الحقن، والتي يصاحبها في كثيرٍ من الأحيان أعراض جانبيّة مزعجة قبل ظهور نتائجها الفعليّة، كما أنّها بحاجة لمتابعة أكبر من قِبل الطّبيب، وهنا يلعب الطّبيب النّفسيّ دورًا كبيرًا في مساعدة المصاب على الالتزام بالعلاج، وحلّ المشاكل النّفسيّة التي تظهر نتيجة المرض الجلديّ المزمن الذي يعانيها.

لماذا يساهم الاهتمام بالبشرة في تحسين الصحة النفسيّة؟

الاهتمام بالبشرة وسلامتها يساهم في تحسين الصحّة النفسيّة، وقد يكون السّبب في ذلك:

– يعزّز الاهتمام بالبشرة من استقرار الروتين اليوميّ، حاله حال اتباع العادات الغذائيّة الصحيّة، وممارسة الرياضة، وهو ما ينعكس إيجابًا على الصحة الجسديّة عمومًا، والصحة النفسيّة على وجه التحديد.

– التركيز على القيام بشيء جيّد لصحّة الجسم يساعد على التخفيف من القلق، إذ يبدأ الشخص بالانتقال من تركيزه على ما يدور في رأسه إلى ما يقوم بفعله من تنظيف للبشرة وترطيبها، والانشغال بذلك.

– تساعد العناية بالبشرة على الترابط بين الأحبّة، فكما أنّ ممارسة الهوايات والأنشطة يساعد على تقريب الأفراد من بعضهم، فإنّ الاهتمام بالبشرة والعناية بها تعدّ من الأنشطة التي يمكن لأفراد العائلة الاشتراك بها دون تكلّف.

– الاهتمام بالبشرة وتدليكها بلطف وبصورة منتظمة يحفّز إنتاج مواد كيميائيّة في الدماغ تساهم في تعزيز المزاج.

– العناية بالبشرة تعني بالنسبة لك أنّك تستحق الاهتمام بنفسك، فمثلًا، ترطيب البشرة يعزّز من مظهر الجلد، ويساعد على تحسين وظائفه في حماية الجسم من مخاطر البيئة الخارجيّة، كما أنّه يساهم في تعزيز الدورة الدمويّة في الجلد، والشعور بالصحة والعافية عمومًا.

نصائح للمحافظة على سلامة البشرة والصحة النفسية 

لتتمكّن من العناية ببشرتك، قد يساعدك اتّباع الآتي:

ملاحظة التغيرات والمشكلات التي تظهر على البشرة، والحرص على اتخاذ خطوات جادّة لحلّها، فمثلًا، لاحظ تأثير تغيّر طبيعة البشرة على الحالة النفسيّة والعكس صحيح، وقد يساعد في هذه الحالة اتّباع تمارين وأنشطة مناسبة تساعد على الاسترخاء، والانتباه لردّ فعل بشرتك وحالتها عند استخدامك لمنتجات العناية بالبشرة المختلفة. 

– اتّباع روتين يوميّ للعناية بالبشرة، يلائم بشرتك واحتياجاتها، وعدّله كلّما تغيّرت الاحتياجات، ولكن احرص دائمًا على وضع أهداف واقعيّة فيما يخصّ النتائج المتوقّع ظهورها على بشرتك، إذ يُعرف بأنّ مشكلات البشرة تحتاج الكثير من الوقت والجهد المتواصل للعناية بها، ويمكنك استشارة طبيب الجلديّة أو أخصّائيّ البشرة لمساعدتك على بناء روتين العناية بالجلد يناسبك.

– تعزيز تخلّص الجسم من السّموم، ويكون ذلك من خلال المحافظة على صحّة الأعضاء (الجلد والكبد) المسؤولة عن إزالة السّموم من الجسم، فعليك شرب القدر الكافي من المياه، وتجنّب شرب الكحول للحفاظ على الكبد، وتجنّب استخدام المستحضرات الجلدية الشديدة على البشرة، والتي قد تخلّ بحاجز الجلد الطّبيعي، وتوازن البكتيريا النافعة الموجودة عليه.

تقليل التّوتّر قدر الإمكان، عن طريق اتباع إحدى تقنيات الاسترخاء التي تناسبك، كتمارين التأمل، أو اليقظة الكاملة (Mindfulness). 

– الحرص على أخذ القسط الكافي من الرّاحة؛ إذ يقوم الجسم بعمليّات البناء وإصلاح الجلد خلال ساعات النّوم والراحة، كما أنّ إراحة الجسم تساعد على تخفيف معدّلات التوتّر. 

– تناول الطّعام الصّحيّ الذي يساهم في تعزيز صحّة البشرة وسلامتها، كالاهتمام بتناول الأطعمة التي تحتوي على الدهون الصحيّة، والتي تساعد على تخفيف الالتهاب، كالشومر، والتوت الأزرق، والخيار، والنعناع، والألوي فيرا، والشاي الأخضر، وزيت جوز الهند، بالإضافة إلى الاهتمام بشرب كميات كافية من الماء، وتناول اللحوم بأنواعها دون التركيز على صنف معيّن دون الآخر، سواءً بتناول أعضاء الحيوان، أو لحمه أو أنسجته الضامّة. 

– الاهتمام بالموازنة بين التّعرّض لأشعّة الشّمس والوقاية منها، فالتّعرّض لأشعّة الشّمس ضروريّ للحصول على فيتامين د، وله أثر إيجابيّ على الصّحة النّفسيّة، غير أنّ التّعرّض للشمس لفتراتٍ طويلة قد يؤدّي إلى ظهور نتائج سلبيّة ومؤذية للبشرة، كالحروق، والتصبّغات، وتسريع شيخوخة البشرة، ومع ذلك، يمكن حماية البشرة من أضرار أشعّة الشمس باستخدام واقي شمس مناسب، مع التأكّد بأنّ معامل الحماية من أشعة الشمس لا يقلّ عن 30، والاهتمام بتجديده كلّ ساعتين خلال فترة التّعرّض للشّمس. 

اعمل مع طبيبك على تنظيم خطّة علاج شاملة تناسبك وتتماشى مع نظام حياتك إذا كنت تعاني من مشكلات جلديّة مزمنة، وتذكّر أنّ النّتائج التي ترغب بتحقيقها قد تحتاج منك وقتًا طويلًا ومجهودًا متواصلًا، ولكنّه لن يذهب سدى، وحاول دائمًا العناية بصحتك الجسديّة والنّفسيّة وعدم إهمال أيّ منهما، فلا تتجاهل أي تغيرات تلاحظها على بشرتك، والتي قد تكون دلالة على معاناتك من مشكلات عاطفيّة ونفسيّة بحاجة للرعاية والاهتمام، أو تهمل شعورك بالقلق والعزلة الاجتماعية بسبب مشكلات البشرة المزعجة، احصل على المساعدة ولا تتردّد.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع: 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *