تعدّ وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً للتفاخر وعرض الإمكانيّات، إذ أنّها المكان الذي تبدو فيه الأشياء والأحداث وحتى السعادة نفسها منخرطةً في سباقِ منافسة؛ لذلك يقارن الأشخاص تجاربهم مع التجارب التي تظهر في صورةٍ مثاليّة على هذه المنصّات، ممّا يقودهم ذلك أحيانًا إلى التساؤل عن الأشياء والأنشطة التي يفتقدونها، ويزداد لديهم الشعور بأنّ العمل الذي يقومون به أسوأ من العمل الذي يقوم به الآخرون، ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فربما ترى صورًا تفصيليّة على الفيسبوك تعرض الرحلة التي شارك فيها أصدقاؤك دون إخبارك، فتشعر حينها بالحزن؛ لأنك لم تكن مدعوًّا لهذه النزهة معهم، علمًا بأنّك ربما لم تكن تعلم بما قد تم التخطيط له لو لم تكن مطّلعًا على منصات التواصل الاجتماعي، لذلك سنتحدث هنا عن الخوف من فوات الشيء، ودور منصات التواصل الاجتماعي في تعزيزها، وعدد من المحاور المتعلّقة بهذه المشكلة.

ما هو الخوف من فوات الشيء؟

الخوف من فوات الشيء ( FOMO or Fear of missing out) وتُختصر أيضًا بـ فومو، هي مصطلح يُشير إلى الشعور أو الإدراك بأنّ الآخرين يعيشون حياة أفضل من حياتك، أو يشعرون بمزيد من الفرح، أو يعيشون تجارب أفضل من تجاربك، ويتمثل الخوف من فوات الشيء على وجود إحساس عميق بالحسد، والذي يؤثّر أيضًا على احترام الذات والثقة بالنفس، كذلك فإنّ مصطلح فومو يعبّر عن القلق والتخوّف الذي يتعلق بتفويت الأشياء، مثل التجمّعات، والمناسبات الاجتماعيّة، وآخر الأخبار والمستجدّات، ويتملّك الشخص حينها شعور قوي بكونه غير مرتبط بآخر الأحداث ومعايير المجتمع كما يرغب في الفعل.

وقد يتولّد لديك الخوف من فوات الشيء في حالات مختلفة، مثل:

  • عدم تلقّي دعوة إلى الذهاب إلى حفلة.
  • خروج زملائك بعد العمل وحدهم دون إخبارك.
  • عدم مشاركتك في آخر ترند على وسائل التواصل الاجتماعي.

ما أسباب الخوف من فوات الشيء؟

قد يعاني البعض من حالة الخوف من فوات الشيء؛ بسبب رغبته الشديدة في التواصل الاجتماعي مع الآخرين وحاجته إلى الانتماء، وهي حاجة ملحّة في داخلنا؛ لذلك قد يعاني الشخص من الضغط النفسي والجسدي في الأوقات التي يشعر فيها بفقدانه القدرة على التواصل وتكوين العلاقات، وأحيانًا يصل ذلك به إلى مرحلة عدم القدرة على الأداء وتراجع الصحّة العامّة.

ما هو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على ظهور هذه المشكلة؟

قد يكون لوسائل التواصل الاجتماعي والتطور التقني الأثر البالغ في تحفيز تولّد ظاهرة الخوف من فوات الشيء، أو أنّها ببساطة تجعلُ الرغبة الشديدة في متابعة الآخرين أكثر سهولة وتيسيرًا، وممّا لا شك فيه أنّ المراهقين هم الفئة الأكثر استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنّ الفتيات اللواتي يعانين من الاكتئاب يتوجّهن لاستخدام هذه المواقع بنسبةٍ أكبر مقارنةً بغيرهن، بينما يحفّز القلق لدى المراهقين الذكور زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ أكبر مقارنةً بأقرانهم، ويُعرف بأنّ الإكثار من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يتسبّب في تولّد ما يُعرف بالفومو أو الخوف من فوات الشيء، وبالمقابل قد يُسهم الخوف من فوات الشيء في تحفيز زيادة معدلات استخدام شبكة التواصل الاجتماعي.

ما آثار الخوف من فوات الشيء؟

يظهر الخوف من فوات الشيء بطرقٍ مختلفة، مثل التحقّق بشكلٍ روتيني من الرسائل النصيّة على الهاتف المحمول، أو الإمساك بالهاتف فور تلقّي إشعار، أو الاشتراك في نشاط معيّن رغم أنّ الاشتراك فيه يزيد من تراكم المهام في جدول المواعيد والأنشطة، أو محاولة التواصل مع الآخرين بطريقةٍ أو بأخرى خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو استمرار البحث على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد ممّا يقوم به الأصدقاء في الوقت الحالي، أو ما إذا كانت الأنشطة التي يمارسونها أكثر متعة.

بكلّ الأحوال، قد يكون لحالة الخوف من فوات الشيء الأثر البالغ على الصحّة العامّة والرفاهيّة، خاصةً وأنّ الانشغال المستمر في تجنّب تفويت الأشياء قد يؤثّر على عادات الأكل وجودة النوم، وهذا بدوره قد يتسبّب في ظهور مشكلات مختلفة، منها:

– فقدان الدافعيّة.

– الشعور بالإعياء.

– الصداع.

– الاحتراق النفسي (Burnout).

– ظهور مشكلات الأداء في العمل أو المدرسة.

– الانخراط في سلوكيّات متهوّرة.

قد يحفّز الخوف من فوات الشيء الشعور بالقلق أو الوحدة، أو الدخول في حلقة مفرغة من أفكار الانتقاد الذاتي والتي تدفع الشخص أحيانًا إلى الإصابة بالاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، كأن يتردّد في ذهنه:

– “ما الذي سيحدث في حال فوّت شيء أو في حال لم أكن متواجدًا؟”

– “هل سيتحدثون عني بطريقة سلبيّة كوني لم أحضر هذا الحدث؟”

– “هل سينظر لي الناس نظرةً مختلفة كوني لم أتبع ترند معيّن؟”

هل يوجد مخاطر تترتب على الخوف من فوات الشيء؟

أشارت إحدى الدراسات بأنّ الخوف من فوات الشيء (فومو)، قد يكون سببًا في الانخراط بسلوكيّات غير صحيّة وقد تُلحق الضّرر بالنفس، مثل تشتّت التركيز أثناء قيادة المركبة، والذي قد يكون في بعض الحالات سببًا في حدوثِ الوفاة.

كيف يمكن التخفيف من مشكلة الخوف من فوات الشيء؟

ثمّة مجموعةٌ من الخطوات والنصائح التي يمكن اتباعها للتخفيف من مشكلة الخوف من فوات الشيء، منها:

حاول تقبّل عدم معرفة ما الذي يحدث مع الآخرين، واعترف بأنّ لا فرصة لديك حتى تتمكّن من إحاطة المعرفة بكلّ شيء، ولا يوجد بالفعل ما يُمكنك فعله حيال ذلك، بل وحاول جاهدًا الاستمتاع بهذه الحقيقة.

خذ بعين الاعتبار الحدّ من الوقت المستغرق على منصات التواصل الاجتماعي، وحاول إزالة إمكانيّة ظهور الإشعارات على هاتفك المحمول؛ لتتجنب الشعور بالحاجة الملحّة، لفتح الإشعارات طوال الوقت، يمكنك أيضًا إيقاف تنبيه الحسابات التي تحفّز لديك الخوف من فوات الشيء أو يمكنك أيضًا إلغاء متابعتها كليًّا.

اتبع نهج “بعيد عن النظر، بعيد عن العقل”، أي كل شيء أو شخص لا يمكن رؤيته من السهل نسيانه، فهذا يساعدك كثيرًا على الاستمتاع بالفوائد التي تقدّمها وسائل التواصل الاجتماعي بعيدًا عن مشاعر القلق والخوف.

استخدم برامج تساعدك على تجنب الشعور بالخوف من فوات الشيء، مثل التطبيقات التي تساعدك على معرفة الوقت الذي تقضيه على الانترنت، ويُمكنك حينها وضع حدود مدروسة بالنسبة للوقت الذي يمكنك قضاؤه على الانترنت، كذلك تتوفر برامج تساعد على حظر المواقع التي تسبّب تشتيتًا للذهن غير مرغوب فيه. 

تابع الحسابات المُلهِمة بالنسبة لك، وتذكر أنّ ليس كل من تتّابعه على وسائل التواصل الاجتماعي هو صديق في الحياة الواقعيّة، فبذلك قد يتحسّن مزاجك وتبدأ بالتركيز على بناء علاقات واقعيّة خارج نطاق هذه المنصّات التي لا حدود لها، وعليه ابدأ بتنظيم مواعيد للقاء أشخاص يمكنك بناء علاقة إيجابيّة معهم والتعرّف عليهم، وضع خططًا للخروج مع الأصدقاء والمجموعات والقيام بأشياء تعزّز علاقاتك الاجتماعيّة، وتذكر بأنّ منصات التواصل الاجتماعي ليست المكان الملائم دائمًا لزيادة حلقة التواصل مع الآخرين. 

احذف تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي من هاتفك، فهي طريقة سهلة وسريعة نسبيًّا لتقليل استخدام هذه المنصات عندما يكون جهاز الحاسوب بعيدًا عن متناول اليد.

ركّز على ما تمتلكه بالفعل في الوقت الراهن بدلًا من تركيزك على ما لا تملكه، وقد يساعدكَ على تحقيق ذلك إلغاء متابعة الأشخاص الذين يمتازون بالتباهي المتواصل طوال الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتحوّل إلى متابعة الأشخاص الذين يعزّزون لديك الشعور الجيّد تجاه نفسك.

طَبّق ما يُعرف بـ “الديتوكس” (Detox)، ولتحقيق ذلك يمكنك الانضمام للمخيّمات التي تساعدك على التخلّص كليًّا من مشكلة الخوف من فوات الشيء المرتبط باستخدام الانترنت والتكنولوجيا – الصيام الرقمي (Digital Detox) – إذ يُعرف بأنّ إمضاء الكثير من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي يسهم في تعزيز الخوف من فوات الشيء، وهنا يشار إلى أهميّة محاولة اغتنام الفرصة لأخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، يمكنك قطع التواصل بهذه المنصّات لمدّة يوم أو أسبوع أو ربما شهر، بعيدًا عن مقارنة نفسك بالآخرين، حتمًا ستجد لنفسك الوقت الكافي الذي تتمكن فيه من الشعور بمتعة قراءة كتابك المفضّل، والخروج مع الأصدقاء، وممارسة الرياضة، ومن الممكن أيضًا أن تمتنع كليًّا عن استخدام منصّة معيّنة وجدت أنّها تعزّز لديك شعور الخوف من فوات الشيء.

تدرّب على أسلوب اليقظة الكاملة (Mindfulness)، أي حاول تهدئة عقلك وركّز على تنفسك؛ لتّتمكن من تعزيز إدراكك بأنّ ما تركّز عليه حاليًّا والمقارنات التي تجتاح عقلك لا تستحق بذل الجهد أو تضيّيع الطاقة بالتفكير بها.

مارس التأمل، وامضِ وقتًا في التنزّه بين النباتات والمناظر الطبيعيّة، فهذا قد يساعدك على استعادة الشعور بالاتزان النفسي، وهو شيء لن تتمكن من تحقيقه بتصفح الانستغرام أو غيره من منصات التواصل الاجتماعي.

تدرّب على الامتنان وعدم مقارنة نفسك بالآخرين طوال الوقت، وحاول التركيز على الأشياء الإيجابيّة في حياتك التي يجب أن تكون شاكرًا لوجودها، واعلم بأنّ مسار حياة كل شخص يختلف تمامًا عن غيره، ولا يمكن أن يبقى ثابتًا طوال الوقت، إذ أنّ شعورك بالامتنان يمكِّنُك من التغلّب على الخوف من فوات الشيء، وقد تُصبح أكثر سعادة وانطلاقًا في حياتك غير مكبّلًا بأفكار قهريّة غير منطقيّة، ويمكنك تسهيل ذلك بمحاولة تدوين شيء واحد على الأقل يوميًّا في دفتر يوميّاتك الذي تحتفظ به، تكون ممتنًّا لوجوده.

الجأ للعلاج النفسي في حال كنت أنت أو أحد المقرّبين منك يعاني من الآثار السلبيّة التي يسبّبها الخوف من فوات الشيء، وفي حال كانت مواجهة المعالج النفسي بصورةٍ مباشرة صعبة يمكنك التواصل معه عبر الانترنت؛ لتسهيل الحصول على المساعدة والشعور براحة أكبر أثناء التعبير عن المشكلة.

نحن كبشر نواصل مقارنة أنفسنا بالآخرين، وهذا ما قد يولّد لدينا مشكلة الخوف من فوات الشيء، لذلك لا تتردّد في مراجعة المعالج النفسي في حال شعرت بأنّك تواجه هذه المشكلة في حياتك، وينتابك القلق والاكتئاب الشديد وبأنّك أقل شأنًا من الآخرين، وبدأت تفقد السيطرة على سلوكك وعلى بعض جوانب حياتك، إذ أنَّ العلاج واتباع بعض الاستراتيجيّات المدروسة قد تساعدك على تخطّي المشكلة والعودة إلى حياتك السهلة والطبيعيّة في أقرب وقت.

*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *