الحذرُ ضروري، والتعامل مع الجميع بثقةٍ عمياء قد يكونُ سببًا في الوقوع في الخطأ، ولكن عندما يصبحُ الحذرُ مفرطًا، وانعدامُ الثقةِ والشكّ مسيطرًا على الحياةِ والعلاقات، وحين لا يُتركُ مجال لحسنِ الظنّ، تبدأ المشكلةُ الحقيقيّة، وتتأثرُ العديد من جوانب الحياة والعلاقات إلى درجةٍ كبيرة، ربما يكون لهذا علاقةٌ بما يُعرف بـ “جنون الارتياب”، فما هو جنون الارتياب؟ وما هي أعراضه، وطرق التعامل معه؟ سنتعرف في هذا المقال على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع.  

 ما هو جنون الارتياب؟

جنون الارتياب أو الزَّوَر أو الذُّهان الكبرياءِ أو البارانويا (Paranoia): هو شكٌّ مبالغٌ فيه أو أوهام، أو تفكير أو شعور بالتهديد يظهر بطريقةٍ أو بأخرى، حتى في حالة عدم توفّر أي دليل على وجود هذا التهديد بالفعل، أو ربما يوجد دليل بسيط جدًّا يدلُ على وجوده، فعلى سبيل المثال، قد يعاني المصاب بجنون الارتياب من التفكير بوجود أشخاص يضعونه تحت المراقبة أو يعملون ضدّه حتى في حالةِ عدمِ توفّر أيِّ دليل يُثبت ذلك.

ما هي أعراض وعلامات جنون الارتياب؟

يمكنك تميّيز أعراض إصابة الشخص بجنون الارتياب من خلال الأعراض الآتية:

  • كثرة الجدل.
  • تحوّل الشخص إلى شخص دفاعي؛ بسبب النقد الذي يتخيّل حدوثه، ويكونُ تفسيرهُ لهذا النقد المتخيَّل مختلفًا عن حقيقة النقد بالفعل.
  • اليقظة المفرطة (Hypervigilance).
  • صعوبة مسامحةِ الآخرين.
  • عدم القدرة على الاسترخاء.
  • الخوف من التعرّض إلى الخداع أو الاستغلال.
  • صعوبة إعطاء الثقة للآخرين.
  • الانشغال بفكرة وجود دوافع خفيّة لدى الآخرين.
  • الشعور بالتوتّر أو القلق المتواصل المرتبط بأفكار تتعلّق بالآخرين.
  • الإحساس بأنّه غير مفهوم أو يُساء فهمه.
  • الشعور بأنّه ضحيّة أو يتعرّض للاضطهاد، رغم عدم وجود تهديد حقيقي.
  • الشعور بالعزلة.

يعاني المصاب بجنون الارتياب من صعوبة تكوين العلاقات والتفاعل مع الآخرين؛ بسبب عدم قدرته على إعطاء الثقة، والشعور بالقلق المستمر، والشك في وجود مقالب كيديّة تُحاكُ ضدّه، وهذا بدوره قد يكون سببًا أيضًا في مواجهته مشاكل في العلاقات الشخصيّة وفي العمل.

 ما الجوانب التي قد تظهر فيها جنون الارتياب؟ 

ثمّة مجموعةٌ من الأمثلة الشائعة على مواضيع وجوانب معيّنة تظهر فيها أعراض جنون الارتياب أو الشك، فقد تشعر إذا كنتَ تعاني من جنون الارتياب والشك الشديد بواحدةٍ أو أكثر من المشكلات الآتية:

  • يحاول من حولك جاهدًا أن يؤثّر على صورتك، أو يركّز على استثنائك من مهمّة معيّنة.
  • يتحدث الآخرون عنكَ من وراء ظهرك، أو أنّك تتعرّض للمراقبة من قِبل منظمات أو أشخاص معيّنين.
  • يستخدم الآخرون التلميحات والمعاني المزدوجة؛ لتهديدك سرًّا، أو لجعلك تشعرُ بالسوء.
  • تشعرُ بخطورة التعرّض إلى القتل أو الأذى جسديًّا.
  • يحاول الآخرون الاستحواذ على أموالك وممتلكاتك.
  • يحاول من حولك إزعاجك أو إثارتك بصورة متعمّدة.
  • تتعرّض إلى محاولات السيطرة والتحكّم من غيرك، أو أنّكَ مستهدف من قِبل الحكومة.
  • يتدخل الآخرون في أعمالك وأفكارك.

ما أسباب جنون الارتياب؟

لا يمكن تحديد السبّب الأساسي الكامن وراء حدوث البارانويا أو جنون الارتياب، غير أنّ مجموعةً من العوامل قد تُسهم في ظهوره، ومنها:

– التقدّم في السن، إذ تؤثر بعض التغيّرات التي تحدث مع تقدّم العمر في احتماليّة ظهور أفكار جنون الارتياب، مثل تغيّرات السمع والإبصار والحواس الأخرى.

– قلّة النوم بشكلٍ متواصل، فأحيانًا يعاني الشخص من قلة النوم معظم الأوقات، وهذا قد يؤثّر على تفكيره بوضوح، كما يُصبحُ أيضًا عُرضةً للتصادم مع الآخرين وإساءة فهمهم، فأحيانًا يظنُّ بأنّ جميع من حوله ضدّه، ومن المحتمل أن يبدأ في سماع ورؤية أشياء غير حقيقيّة في حالة الامتناع عن النوم لفترةٍ طويلة.  

– التعرّض إلى التوتّر والضغط النفسي، سواءً كان ناجمًا عن أمور سيئة، مثل الإصابة بالمرض وفقدان الوظيفة، أو ناجمًا عن أمور مُفرحة، مثل مناسبات الزواج، ففي هذه الحالة قد يُصبح الشخص متوتّرًا وأكثر شكًّا في الأشخاص المحيطين به.

– الإصابة باضطرابات نفسيّة معيّنة، قد تجعل الثقة بالآخرين أكثر صعوبة، وهذا قد يكون ناجمًا عن وجود أفكار غير صحيحة تتعلق بهم، كأن تقول: “أنهم لا يحبونني” أو “أنهم يجعلونني أضحوكة” أو غير ذلك، فعلى سبيل المثال، قد يكون الفصام سببًا في صعوبة تميّيز الأمور الحقيقيّة عن الخياليّة، كذلك حالات الإصابة باضطراب الشخصيّة الحدّي، فأنتَ تتأرجح في مزاجك بين تفضيل شخص معيّن وكرهه، وهذا قد يُثير أفكار الارتياب والشكّ.

– تعاطي أنواع معيّنة من الأدوية أو وقف استخدامها، ومن الأمثلة على ذلك الأمفيتامينات (Amphetamines)، فهي قد تسبّب جنون الارتياب كواحدةٍ من آثارها الجانبيّة، وفي بعض الحالات تظهر البارانويا بعد وقف استخدامها، كذلك قد يتسبّب تدخين الماريجوانا وتعاطي المواد المهلوسة والكوكايين المعاناة من جنون الارتياب لفترةٍ قصيرة، وغالبًا ما تزول أعراضه بمجرّد تخلّص الجسم منها.

– تعاطي كميّات كبيرة من الكحول لأيام أو لأسابيع، قد يسبّب ذلكَ أيضًا جنون الارتياب لفترةٍ قصيرة، ولكن قد يسبّب تعاطي كميّات كبيرة من الكحول لفتراتٍ طويلة وباستمرار حدوث جنون الشك، والهلوسات على المدى البعيد، ومن جانبٍ آخر، من المحتمل أن يتسبّب شرب الكحوليّات في تفاقم أعراض جنون الشكّ، كذلك يعيق القدرة على التحكّم بها.

– تأثير العامل الجيني، إذ تقترح بعض الدراسات أنّ جنون الارتياب قد يحدث لأسبابٍ تتعلّق بالجينات.

– المرور بتجارب معيّنة في الحياة، مثل التعرّض للإساءة أو الصدمات خلال مرحلةِ الطفولة أو خلال الفترةِ الأولى من سنّ الشباب، أو التعرّض إلى تغيّرات رئيسيّة في الحياة، أهمّها الموت المفاجئ لأحد الأحبّة، وخسارة الوظيفة، والتعرّض لأزمة صحيّة شديدة.

– التعرّض إلى أنواع معيّنة من السموم أو الملوّثات، إذ أشارت إحدى الدراسات إلى أنّ تعرّض مجموعة من المراهقين إلى ملوثات الهواء الجوّي بنسبةٍ مرتفعة يُسهم في ظهور بعض المشكلات النفسيّة.

– الإصابة بعدوى تؤثّر على الدماغ، كما هو الحال مع الإصابة بعدوى فيروس عوز المناعة البشري (HIV) الذي يتسبّب في حالة يُطلق عليها هوس فيروس عوز المناعة البشري (HIV mania)، والذي يتضمّن ظهور أعراض جنون الارتياب والهلاوس السمعيّة أو البصريّة.

– فقدان الذاكرة، إذ من المُمكن أن يتسبّب مرض الزهايمر والأشكال الأخرى من الخرف في حدوث تغيّرات في الدماغ كفيلة بأن تزيد درجة الشك في الآخرين.

كيف يتم تشخيص جنون الارتياب؟

عند مراجعة الطبيب بسبب ظهور أعراض جنون الارتياب فإنّه غالبًا ما يبدأ بتشخيص الحالة باتباع ما يأتي:

  • عمل فحص طبّي شامل.
  • أخذ التاريخ الطبّي للمريض.

قد تساعده هذه الخطوات على استثناء الإصابة بمشكلة جسديّة معيّنة تُثير أعراض جنون الارتياب، مثل الخَرَف، وقد يوصي الطبيب بمراجعة الأخصائي النفسي أو الطبيب النفسي في حال وجدَ أنّ أعراض جنون الارتياب هي جزء من مشكلة نفسيّة يعانيها، إذ يساعد الطبيب أو المعالج النفسي على إجراء تقيّيم واختبارات نفسيّة؛ لتحديد المشكلة.

 ما علاج جنون الارتياب؟

يعتمد تحديد العلاج الملائم في حالات الإصابة بجنون الارتياب على شِدة أعراضه، وعلى السبّب الرئيسي الذي أدّى إلى ظهور أعراض هذه المشكلة، ومن الخيارات العلاجيّة المتاحة في هذه الحالة:

– العلاج النفسي: قد يُسهم العلاج النفسي في السيطرة على أعراض البارانويا، وتطوير مهارات التواصل الفعّالة مع الآخرين، وتعلّم كيفيّة الثقة بالآخرين، وإيجاد أفضل الطرق للسيطرةِ على العواطف والتعبير عنها، وتعزيز الثقة بالنفس والنظرة للذات.

– العلاج بالأدوية: قد يصِف الطبيب أنواع معيّنة من الأدوية للسيطرة على جنون الارتياب، مثل مضادات الذهان (Antipsychotic medications)، خاصةً في حال كانت أعراض البارانويا مرتبطة بوجود مشكلة معيّنة يعانيها الشخص نفسه، مثل اضطراب ثنائي القطب، والفصام، كما تساعد أنواع معيّنة من الأدوية على ضبط بعض الأعراض التي تُصاحب جنون الارتياب، مثل مضادات القلق، ومثبتات المزاج، ومضادات الاكتئاب.

– العلاجات الرقميّة (Digital Treatments): إذ قد تستخدم تطبيقات الهاتف، والعلاجات المعتمدة على الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، والواقع الافتراضي، في السيطرة على الأعراض التي يعانيها الأشخاص المصابين بجنون الارتياب.

 كيف أعتني بنفسي في حال كنت أعاني من جنون الارتياب؟

يوجد مجموعةٌ من النصائح التي قد تساعدك على الاهتمام بنفسك والسيطرة على الأعراض التي تعانيها في حال كنت تعاني من جنون الارتياب، منها:

– احتفظ بدفتر مذكرات؛ لتدوين ما تمرُّ به في يومك، كأن تدوّن طبيعة أفكار البارانويا التي تواجهها، وكيفيّة شعورك حيالها وتفكيرك بها، وطبيعة نومك، وغيرها من أحداث الحياة الأخرى، فبهذه الطريقة قد تتمكن من تميّيز ما يحفّز أعراض البارانويا ووقت ظهورها، ومعرفة كيفيّة التعامل مع أفكار جنون الارتياب بأفضل الطرق.

– حاول تحدّي أفكار جنون الارتياب والتشكيك في صحتها، كأن تتساءل: “هل يعتقد الآخرون بأنّ شكوكي غير منطقيّة؟” أو “ما الذي سيقوله صديقي في هذه الحالة؟” أو “هل تحدثت مع الآخرين عن قلقي؟” أو “هل يوجد أي دليل ضدّ معتقداتي؟” وهكذا.

– تحدّث عن أفكارك إلى شخصٍ مقرّب تثقُ به، إذ قد يساعدك ذلك على تخفيف التوتّر وتحدّي أفكار البارانويا.

– حافظ على تكوين العلاقات والمحافظة على استمراريّتها؛ فالشعور بالوحدة والعزلة قد يُفاقم أعراض البارانويا فقط ولا يُسهم في حلّها.

– انضم إلى مجموعات الدعم التي تضم أُناسًا يعانون من جنون الارتياب أيضًا.

– حاول الاسترخاء قدرَ الإمكان، سواءً بالسيطرة على التوتّر، أو بالتمرّن على تقنيّة الوعي التام (Mindfulness)، أو باتباع بعض تقنيّات الاسترخاء.

– احرص على النوم مدّةً كافية يوميًّا؛ فبذلك يمكنك التعامل مع الصعوبات التي تواجهها بشكلٍ أفضل.

– تناول الغذاء الصحي والمتوازن، ذلك الذي يسهم في المحافظة على بقاء مستويات السكر في الدم ثابتة، فأنتَ بذلك تحتفظُ بثبات مستوى الطاقة في جسمك وباتزان مزاجك.

– مارس التمارين الرياضيّة بانتظام؛ فإنَّ الرياضة تُسهم في تعزيز الصحّة النفسيّة وتحسين المزاج.

– تنزّه في الطبيعة، إذ يُساعدك ذلك على تحسين مشاعرك ومزاجك، والتغلّب على كافّة الأفكار السوداويّة والسلبيّة.
– مارس هواياتك، مثل عزف الموسيقى، وخبز المخبوزات، ويُمكنكَ أيضًا ممارسة أي عمل إبداعي يساعدك على تشتيت ذهنك الذي يركّز على الأفكار المزعجة والشكوك المفرطة.


يعاني الشخص المصاب بجنون الارتياب من عدم قدرته على الثقة بالآخرين، وهذا قد يمنعه من مراجعة الطبيب؛ لتلقّي العلاج بنفسه، لذلك احرص على التصرّف بإيجابيّة في حال كنتَ تتعامل مع أحد المقربين الذين يعانون البارانويا، وابدأ بتشجيعه على زيارة الطبيب والخضوع إلى التشخيص الدقيق، إذ يسهم العلاج النفسي والدوائي في السيطرةِ على الأعراض التي يعانيها المصاب بفعاليّة.

  *** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

 المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *