اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder)

تتملك الأفراد في بعض الأوقات مشاعر عدوانية وغير مسالمة تجاه الآخرين لأسبابٍ معينة، والتي غالبًا ما تضبطها القوانين والعواطف تجاه الآخرين وتأنيب الضمير، والالتزام بأخلاقيات التعامل مع الأفراد والبيئة المحيطة، ولكنْ عندما يميل الشخص لإيذاء الآخرين دون أنْ يكترث لمشاعرهم أو حقوقهم أو القوانين الضابطة، مع عدم وجود الدافع للقيام بذلك، فربما نحن نصِف في هذه الحالة اضطراب نفسي يُعرَف باضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع، فما هو هذا الاضطراب؟ هذا ما سنتعرّف عليه في محاور المقال.   

 

ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ 

اضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع (Antisocial personality disorder) أو اضطراب الشخصية المضادّة للمُجتمع أو المستهينة بالمجتمع، ويُطلق عليه أيضًا الاعتلال الاجتماعي (Sociopathy)؛ هي إحدى اضطرابات الشّخصيّة التي تظهر على صورة عدم اهتمام بقيم المجتمع أو بما هو صائب أو خاطىء، إلى جانب عدم التعاطف مع الآخرين أو احترامهم، وعادةً ما يميل المصاب بهذا الاضطراب إلى استفزاز من حوله والتّلاعب بهم، ومعاملتهم بقسوة أو بلا مشاعر، وفي مُعظم الأحيان لا يُظهِر المصاب باضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع أيّ شكل من أشكال النّدم أو تأنيب الضّمير على ما ينتج من أفعاله. 

كما ينتهك المصاب باضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع القوانين بصورة متكرّرة، فيكذب، ويتصرّف بعنف واندفاعيّة، وربما يُشارك في الأنشطة الإجرامية، وهو بذلك هو غير قادر على القيام بالمهام الاجتماعية والعائليّة والمهنيّة، ولا يهتمّ بها من الأساس، وقد يكون من مدمني المخدّرات والكحول، ويُذكر بأنّ هذا الاضطراب غالبًا ما يظهر في مرحلة الطفولة أو في المراحل المبكرة من سنّ المراهقة، ويستمر خلال فترة سنّ الرشد. 

 

ما هي أسباب الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ 

السبب الأساسي للإصابة باضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع مجهول حتّى الآن، غير أنّ عددًا من العوامل قد يلعب دورًا في تشكل هذه الشخصية، والتي منها: 

العوامل الجينيّة

فقد وجِد أنّ الاضطراب يكون أكثر شيوعًا بين الأفراد الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى يعانون الاضطراب ذاته، وذلك لأنَّ الجينات قد تجعل الشخص أكثر عُرضة للإصابة بالاضطراب، ومواقف الحياة تُحفّز ظهوره، وربما يُفسِّر ذلك ظهور أعراض الاضطراب أكثر في سنّ الطفولة. 

العوامل البيئية 

خصوصًا الظّروف المتعلّقة بالنّشأة، فمَن تعرّض للتّعنيف أو الإهمال أو الصّدمة العاطفيّة خلال طفولته يكون أكثر عرضةً للإصابة باضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع مقارنةً بغيره، وقد يكتسب الطّفل من الأفراد في محيطه التّصرّفات السيئة والتوجه نحو خرق القوانين والعنف تجاه الآخرين. 

اختلافات التطور العقلي

وغالبًا ما تحدث التغيرات في طريقة أداء الدماغ لوظائفه خلال مرحلة تطور الدماغ، إذْ وجد الباحثون علاقة تربط بين التّدخين خلال الحمل وحدوث خلل في بعض وظائف الدّماغ وارتفاع فرصة الإصابة بهذا الاضطراب، ولوحظ أيضًا أنّ من يعاني اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع لديه تغيرات في منطقة الفصّ الجبهيّ (Frontal Lobe)؛ وهو جزء الدماغ المسؤول عن التّخطيط وإصدار الأحكام، ومن جانبٍ آخر، يُعرَف بأنّ المصاب باضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع يحتاج دائمًا لتحفيز أكبر وربما رفع مستوى التيقظ (Arousal) لأقصى درجاته، وهذا قد يتم عن طريق الانخراط في الأنشطة غير القانونية أو الخطِرة.

 

وقد يكون لبعض العوامل دورًا في ارتفاع مخاطر الإصابة بهذا الاضطراب، والتي منها:

– الجِنس، فالذكور أكثر عرضةً للإصابة باضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع مقارنةً بالإناث. 

– وجود تاريخ عائلي للإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

– تشخيص وجود اضطراب السلوك (Conduct disorder) في مرحلة الطفولة.

 

ما هي أعراض الإصابة باضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع؟ 

تختلف أعراض الإصابة بهذا الاضطراب بشكلٍ كبير من شخصٍ لآخر، ولكنْ من أهمّ هذه الأعراض:

– أعراض قد تبدأ في مرحلة الطفولة، القسوة على الحيوانات، وإشعال النار، وصعوبة التعامل مع السلطة.

– تجاهل ما هو صواب وما هو خطأ.

– الكذب والسرقة والخداع المستمر بهدف استغلال الآخرين، وتحقيق مكاسب شخصية.

– القسوة وعدم القدرة على التّعاطف مع الآخرين، أو حتى النّدم عند أذيّتهم.

– معاملة الآخرين بقلّة احترام وبقسوة.

– العلاقات السيئة أو المسيئة للآخرين، وهم أكثر عُرضة للقيام بإهمال أطفالهم.

– الغرور، جنون العَظَمَةِ، والتّشبّث بالرّأي بشكلٍ مبالغ فيه.

– تكرّر المُشادّات مع رجال الأمن، ما يتضمّن التّصرّفات الإجراميّة.

– الاعتداء على حقوق الآخرين عن طريق التّخويف والتّضليل.

– الاندفاعيّة وعدم القدرة على التّخطيط قبل اتّخاذ القرارات.

– العدوانيّة والعنف وحِدّة الطّباع بشكلٍ ملحوظ، دون وجود محفّز أو دافع، وهو ما قد يتسبّب في حدوث اعتداء جسدي على الآخرين. 

– المخاطرة بغير ضرورة والتّصرّف بشكلٍ خَطِر دون أخذ سلامة الشّخص، والآخرين بعين الاعتبار.

– عدم أخذ العواقب النّاتجة عن الأفعال بعَيْن الاعتبار، وعدم التعلم منها. 

– سوء العلاقات الاجتماعيّة، وقد تكون في كثيرٍ من الأحيان علاقات تعسّفيّة (Abusive Relationships). 

– الاستهتار بالمسؤوليّات وعدم إنجازها؛ سواءً كانت المسؤوليّات مهنيّة أو ماليّة. 

 

و عادةً ما يُظهر المصاب باضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع أعراض اضطراب السّلوك قبل سنّ 15، والتي منها: 

– العنف والعدوانيّة تجاه الحيوانات والبشر.

– تدمير وتخريب الممتلكات العامّة والخاصّة.

– خرق القواعد والقوانين. 

– الخداع والسّرقة.

 

ويُشار إلى أنّ بعض أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع تتحسن مع الوقت، خاصةً السلوكيات الإجرامية والمدمّرة، وقد يكون لتقدم العمر دور في ذلك، أو زيادة الوعي تجاه تبعات السلوكيات المعادية للمجتمع.

 

ما هي تَبَعات الإصابة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

يؤثر هذا الاضطراب في قدرة الشخص على أداء وظائفه الاعتيادية أو التعامل مع صعوبات الحياة، وقد يترتب عليه في بعض الأحيان:

– الوفاة أو دخول السجن أو الأذى؛ بسبب التصرفات المؤذية أو الإجرامية.

– إيذاء الأصدقاء أو أفراد العائلة أو زملاء العمل، أو حتى الغرباء.

– تأثر قدرة الشخص على العمل والمحافظة على علاقاته.

 

كيف يتمّ تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ 

في بعض الحالات يطلب المُصاب بهذا الاضطراب المساعدة من الطبيب بسبب الأعراض التي يعانيها؛ كالاكتئاب والقلق وانفجار الغضب وتعاطي المخدرات، ليس لأنه يعتقد بأنه مُصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، بل وربما يتجنب إعطاء الطبيب المعلومات الدّقيقة ممّا يزيد من صعوبة تشخيص الاضطراب، وهنا يكمن دور العائلة والأصدقاء في تقديم المعلومات للطبيب التي تساعده على تشخيص الاضطراب، والذي لا يُمكن تأكيده قبل عمر الـ 18.

إذْ يبدأ الطّبيب النّفسيّ بتشخيص اضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع للشخص الذي يتجاوز عمره 18 سنة بعد إجراء تقييم نفسي شامل واستبعاد الإصابة بإدمان الكحول أو المخدّرات، واضطراب الشّخصيّة النّرجسيّة، و اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة، و اضطراب السّلوك، والسؤال عن السلوكيات التي يتبعها في الوقت الحاضر وما كانت عليه في الماضي.

ولتشخيص هذا الاضطراب يجب أنْ تستوفي الحالة معايير معيّنة، منها:

– تشخيص اضطراب السلوك قبل عمر 15 سنة.

– توثيق أو ملاحظة ظهور أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع في غير نوبات الهوَس أو الفِصام؛ إذا كان يعاني اضطراب ثنائي القطب أو الفصام.

– توثيق أو ملاحظة ثلاثة على الأقل من أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع منذ عمر 15 سنة.  

 

كيف يعالج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟

يصعب علاج اضطراب الشّخصيّة المُعادية للمجتمع لأسبابٍ عِدة، أهمها أنّ المصاب نادرًا ما يطلب المساعدة أو يعتقد أنّ لديه مشكلةً يعانيها، أمَّا من يبدأ العلاج الفعلي فهو غالبًا ما يكون بسبب تعدّيه على القوانين وخرقها وإجباره على تلقي المساعدة، فأنواع  العقاب التّأديبيّ في النظام القضائي لا يجدي نفعًا مع هذه الفئة.

ورغم صعوبة العلاج، فإنّه قد يُجدي نفعًا مع البعض عند الالتزام به على المدى البعيد، أمّا على المدى القصير، فهو قد يساعد البعض على تجنّب التبعات القانونية وليس تغيير أفكاره وسلوكياته، وفي الحقيقة، يعتمد تحديد الطبيب للخطة العلاجية المناسبة على حالة الشخص، وشِدة أعراضه ورغبته في العلاج، ومن أبرز الخيارات العلاجية المتاحة لحالات اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع:

العلاج النّفسي

فمن الممكن أنْ يستعين الطّبيب النّفسي بأنواع مختلفة من العلاج النفسي، كالعلاج المعرفيّ السّلوكيّ (Cognitive behavioral therapy)؛ الذي يهدف إلى مساعدة المصاب على زيادة وعيه لأسلوب تفكيره ومصدر تصرّفاته، وتَهْيِئَتِه للتّعامل معها وتحسينها، ومعرفة أفضل الطرق لاستبدال الأفكار والسلوكيات السلبية بأخرى إيجابية، أو اللجوء للعلاج القائم على العقلية (Mentalization-based therapy)  أو العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic psychotherapy)، أو العلاج العائلي، أو الأنواع الأخرى، بحسب ما يراه مناسبًا لحالة المصاب. 

العلاج الدوائي

فقد يستعين الطبيب ببعض الأدوية لتحسين الأعراض الظاهرة على المصاب، بالأخصّ العدوانيّة والاندفاعيّة، كمضادّات الاكتئاب، ومضادّات القلق، ومضادّت الذّهان، ومثبّتات المزاج، بحسب حالة المصاب، فلا يوجَد دواء محدَّد تمت الموافقة عليه لعلاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. 

 

نصائح للتعامل مع المصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع

تُصبح حياة الأفراد المحيطين بالمُصاب صعبة وبائسة، لذلك، إذا كان لديكَ من الأقارب من يعاني هذا الاضطراب اطلب المساعدة من الطبيب النفسي أنتَ الآخر، فهو الشخص القادر على تعليمك مهارات وضع الحدود، واستراتيجيات التأقلم والحماية من ردود الفعل العنيفة الصادرة من المُصاب، ويُمكنك الاستعانة بالفريق العلاجي الذي يُشرف على حالة المُصاب للأخذ بتوصيات تتعلق بالانضمام لمجموعات الدعم المناسبة والمُخصّصة لعائلات وأصدقاء المُصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

 

وإذا لاحظت بأنّ شخصًا يُقدم على إيذاء شخص آخر أو إيذاء نفسه، عليكَ بالآتي:

– اتصل برقم الطوارئ المحلي في منطقتك.

– حاول إزالة أيْ أدوية أو سكاكين أو أسلحة أو أيْ شيء يُسبّب الأذى من المنطقة المُحيطة بالشخص.

– البقاء مع الشخص إلى حين وصول المساعدة.

– الاستماع لكلام الشخص، مع ضرورة تجنّب إصدار الأحكام أو الجدال أو التهديد أو الصراخ. 

 

وأخيرًا، يعدّ علاج اضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع والتّعايش معه واحدًا من أصعب التّحدّيات التي تواجه المصاب و طبيبه النّفسيّ، غير أنّ دعم العائلة والأصدقاء والإرادة القوية تساعد المصاب بشكلٍ كبير على تحسين مختلف أوجه حياته، لذلك، احم نفسك ومن حولك، واطلب المساعدة من أحبّتك وطبيبك في حال شعرتَ بأنكَ تُظهر أعراضًا وسلوكيات عدائيّة، أو إذا أخبركَ الأفراد من حولك أنّك تعاني من مشكلة. 

 

المراجع

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *