اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة

(Histrionic Personality Disorder)

من منّا لا يعرف شخصًا يحبّ التّصرّف بطريقةٍ دراميّةٍ بين الحين و الآخر؟ يكون التّصرّف بطريقةٍ دراميّةٍ ممتعًا في بعض الأوقات، لكنّه قد يزيد عن حدّه، خاصّةً إن كان الشّخص الدّراميّ يتصرّف بطريقةٍ مزعجةٍ أو مؤذيةٍ لمن هم حوله، وقد تكون هذه التّصرّفات الدراميّة تصرّفاتٍ مرَضيّةٍ ناتجةٍ عن اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة.

 

ما هو اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة؟

اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة أو ما يسمّى باضطراب الشّخصيّة التّمثيليّة (Histrionic Personality Disorder) هو أحد اضطرابات الشّخصيّة من النوع الثاني (Cluster B) "الدراميّ"، حيث يعاني المصابون بهذه الاضطرابات من المشاعر الحادّة غير المستقرّة، ومن صورةٍ مشوّشةٍ للذّات. فيحاول المصاب استرضاء الآخرين ليشعر بقيمته وتحقيقه لذاته، ما يدفعه للتّصرّف بطريقةٍ دراميّةٍ وغير مناسبةٍ للموقف -في أغلب الأحيان- للحصول على انتباه من حوله.. فالمصابون باضطراب الشخصية الهستيرية لا يمتلكون القدرة على توجيه أنفسهم وضبطها ما يجعلهم سريعي التّأثّر بآراء الآخرين، فيتصرّفون بخضوعٍ -في كثير من الأحيان- للحفاظ على انتباه الآخرين لهم.

ينتشر اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة في ما يقلّ عن 2% من السّكّان، ويشخّص الاضطراب بشكلٍ أكبر بين الإناث عن الذّكور، ويزيد وضوحه خلال فترة المراهقة و بداية البلوغ.

 

ما هي مسبّبات الإصابة باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة؟

لا يُعرَف المسبّب الرّئيسيّ لاضطراب الشّخصيّة الهستيريّة حتّى اللّحظة، ولكن من الممكن أن يكون الاضطراب متوارثًا أو مكتسبًا خلال مراحل نموّ الشّخص، حيث أنّ أطفال المصابين به معرّضون بشكلٍ أكبر للإصابة بهذا الاضطراب، كما يمكن أن يكون سبب إصابتهم تقليدهم لتصرّفات أهلهم و تعلّمهم منها.. ويمكن أن يصاب الطفل باضطراب الشخصية الهستيرية بسبب بعض تصرفات الأهل، كتجنب عقاب أو انتقاد الطّفل، أو الاكتفاء بتشجيعه عند تصرّفه بشكلٍ يؤيدونه، أو صبُّ الاهتمام على الطّفل بشكلٍ مفاجئٍ، وذلك لأن هذه التصرفات تسبب ارتباك الطفل وتشوّش تفكيره حول السلوكيات التي ترضي أهله وتكسبه محبّتهم.. ولا يمكن تجاهل احتمالية أن يكون سبب الإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية أحد الاضطرابات النّفسيّة الأخرى، أو تَعَرُّضِ الطّفل لأحد أنواع العنف.. كما قد تكون تّصرّفات الشخصية الهستيرية هي أسلوب التّأقلم الذي يستعمله الشّخص للتّعامل مع ضغوطات الحياة المختلفة.

 

ما هي أعراض الإصابة باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة؟

عادةً ما يتمتّع المصاب باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة بمهاراتٍ اجتماعيّةٍ جيّدةٍ، لكنّه يستخدمها للتّلاعب بالأخرين بحيث يكون هو محور الاهتمام، ومن الأعراض التي تدلّ على اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة:

  • عدم الشّعور بالارتياح إلّا إن كان المصاب محور اهتمام وانتباه الآخرين.
  • ارتداء الملابس بطريقةٍ تلفت الانتباه، أو تقليد لباس شخصٍ معيّنٍ.
  • تغيّر المشاعر بشكلٍ سريع.
  • التّصرّف بشكلٍ دراميّ، وكأن المصاب يمثّل دورًا مسرحيًّا للجمهور، فيبالغ في إظهار المشاعر والتّعابير المناسبة لها دون صدقها.
  • الاهتمام بالمظاهر الخارجيّة على نحوٍ مبالغٍ به.
  • التفاخر أثناء الكلام -بغض النظر عن صحة ما يُقال-.
  • البحث المستمرّ عن التّأكيد والقُبول.
  • التّأثّر السريع بآراء الآخرين.
  • التّأثّر الشّديد بانتقادات الآخرين واستهجانهم.
  •  التّصرّف دون التّفكير بالتبعات (حيث تكون أغلب تصرّفات المصابين بهذا الاضطراب اندفاعيّة).
  • عدم احتمال خيبات الأمل، والملل من رتابة الرّوتين بشكلٍ سريعٍ، ما يمنعهم من إنهاء خططهم ومشاريعهم.
  • صعوبة الحفاظ على العلاقات الاجتماعيّة، بسبب زيفِ وسطحيّة علاقاتهم مع الآخرين.
  • اعتقادهم بأنّ علاقاتهم مع من حولهم أعمق ممّا هي عليه في الواقع، خاصّةً العلاقات الحميمة.
  • الأنانيّة وعدم اهتمامهم بالآخرين.
  • قد يلجأ المصاب إلى التّهديد بالانتحار أو محاولة الانتحار للحصول على انتباه الآخرين.

 

كيف يتمّ تشخيص اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة؟

عادةّ ما يزور المصاب الطّبيب أو المعالج النّفسيّ بسبب الاكتئاب أو القلق الذي يعاني منه الشّخص بعد فشل إحدى علاقاته الاجتماعيّة أو الحميمة، أو بسبب صراعٍ داخليّ، ثم يَتبيّنُ لاحقًا أنّ الشّخص مصابٌ باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة.

ونظرًا لعدم وجود تقييمٍ واضحٍ لتشخيص الإصابة باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة فإنّ الطّبيب أو المعالج النّفسيّ يقوم بعمل تقييمٍ نفسيّ شاملٍ للمصاب، فإن اجتمعت 5 أعراضٍ أو أكثر من أعراض الإصابة باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة، واستبعد الطّبيب النّفسيّ اضطراب الشّخصيّة النّرجسيّة(Narcissistic Personality Disorder) ، واضطراب الشّخصيّة الحدّيّة(Borderline Personality Disorder) ، واضطراب الشّخصيّة الاتّكاليّة(Dependent Personality Disorder) ، و غيرها من الاضطرابات النّفسيّة المتداخلة، فقد يشخّص الطّبيب المصاب باضطراب الشّخصيّة الهستيريّة إن توافقت معه أعراضه وتصرّفاته.

 

كيف يتمّ علاج اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة؟

تَكْمُنُ صعوبة علاج الاضطراب في مقاومة المصاب للعلاج أو اعتقاده بأنّه ليس بحاجةٍ له، إلّا أن العلاج يساعد على التّأقلم مع الاضطراب والمشاكل التي من الممكن أن تنتج بسببه، ويعد العلاجان النفسي والدوائي من أهم أنواع العلاجات المتبعة في هذا الاضطراب؛ وفيما يلي توضيح لدور كل واحد منهما في علاج اضطراب الشخصية الهستيرية:

        العلاج النّفسيّ: حيث يعدّ من أنجح أنواع العلاج، لأنّ له تأثيرًا طويل المدى، كما أنّه يُسلّح المصاب بالمهارات التي تساعده على التّعامل مع مختلف المواقف، ومن أنواع العلاج النفسي المستخدمة لعلاج اضطراب الشخصية الهستيرية:

·       العلاج السّلوكيّ المعرفيّ (Cognitive Behavioral Therapy) ؛ حيث يتعلّم المصاب أساليب التّفكير الإيجابيّة، ويساعده على معرفة مصادر الأفكار المغلوطة، وهو العلاج الأفضل لاضطرابات الشّخصيّة المختلفة.

  • العلاج النّفسيّ الديناميكيّ Psychodynamic Therapy)) ؛ حيث يركّز هذا العلاج على التّجارب التي تعرّض لها الشّخص في الماضي وكيفيّة ارتباطها بتصرّفاته الحاليّة.
  •   العلاج التّفاعليّ Interpersonal Therapy))؛ حيث يركّز هذا العلاج على علاقات الشّخص بمن هم حوله وأسلوب تفكيره غير المُلائم فيما يخصّ هذه العلاقات، ويساعده على تحسين أساليب التّواصل مع الآخرين.
  • العلاج الدّوائيّ: لا يعدّ العلاج الدّوائيّ من أساسيّات علاج اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة، لكنّه أحد الخيارات المتاحة للحالات المعقّدة، و عادةً ما يصفها الطّبيب النّفسيّ عند عدم استجابة المصاب للعلاج النّفسيّ أو عند ترافق اضطرابٍ نفسيّ آخر مع اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة.

وهنا لا بد من لفت النّظر إلى عدم وجود دواءٍ محدّدٍ لعلاج اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة، إلا أنه يمكن للطبيب أن يصِف مضادّات الاكتئاب (Antidepressants)، أو مثبّتات المزاج(Mood Stabilizers) ، أو مضادّات القلق(Anti-Anxiety Medications)  لتخفيف أعراض الاضطراب، لكنّ الدّراسات التي تثبت فعاليّتها في علاج اضطراب الشّخصيّة الهستيريّة قليلة.

 

كيف يمكن للمصاب باضطراب الشخصية الهستيرية  أن يتأقلم معه ويمارس حياته؟

هنك بعض الخطوات التي تساعد على التّعامل مع الاضطراب وتسهيل سير حياة المصاب، من أهمها وجود العائلة والأصدقاء الدّاعمين، فالمصاب بحاجةٍ لمن يذكّره بأنّه محبوبٌ دون الحاجة للتّعرّض لاهتمام الآخرين المتواصل، وأنّ قيمته غير مرتبطةٍ برأي الآخرين به.

كما أنّ ممارسة اليقظة الذّهنيّة (Mindfulness) بأنواعها يقلّل الضّغط النّفسيّ الذي يتعرّض له المصاب بشكلٍ يوميّ، ويساعده على التّعامل مع مختلف ضغوطات الحياة بشكلٍ صحّيّ سليمٍ، كممارسة اليوغا، والتّأمّل، وتقنيات الاسترخاء، وغيرها من ممارسات اليقظة الذّهنيّة.

وبالطّبع لاننسى الأثر الإيجابي لاتّباع نظام حياةٍ صحّيّ على صحّة الشّخص الجسديّة والنّفسيّة، كتطبيق نظامٍ غذائيّ صحّيّ متوازنٍ، وممارسة الرّياضة بشكلٍ دوريّ منتظمٍ، وأخذ القسط الكافي من الرّاحة يوميًّا – حيث يساعد اتّباع عادات النّوم الصّحيّة على انتظام النّوم-   فمعظم عمليّات البناء و التّجديد تحصل وقت النّوم.

 

لا بد للمصاب باضطراب الشخصية الهستيرية أن يعمل دائمًا على تحسين ثقته بنفسه، فهو مهمٌّ و إنْ لم يكن محور الاهتمام، كما يجب أن يتذكّر أن اهتمامات النّاس متغيّرة وليس بالضّرورة أن تكون صحيحةً، والاهتمام الزائد لآرائهم لن يجلب النفع ولن يُبعِد الضر.. ولذلك فثقة الإنسان بنفسه هي زاده الذي يعينه على صعوبات الحياة.

 *** تمت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

 

 

 

 

المراجع:

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *