ينتابُك الخوفُ والقلقُ الشديد أثناء استعدادك لإلقاء محاضرة أمام زملائك، أو قبل قراءة مقال أو مقدمة أمام الجمهور، أو حتى أثناء التحضير لتقديم تجارب الأداء الخاصة بمسابقة معيّنة رغم امتلاكِكَ الموهبة، وقد يصِل بك شعور التوتّر والقلق إلى درجة الرغبة في الانسحاب كليًّا، والاختباء وراء المبرّرات والأعذار التي تسهّل اتّخاذ طريق العودة والتراجع، والذي قد يكون له تَبَعات سلبيّة على حياتك العلميّة أو العمليّة أو الماديّة، وتتساءل، ما الذي يحدثُ معي؟ 

من المحتمل أنّك تعاني من حالة تُعرف باسم رُهاب المسرح، فما هي أعراضه؟ وكيف يمكنك تمييزه والتعامل معهُ بطريقةٍ سليمة؟ 

 

ما هو رُهابُ المسرح؟

رُهابُ المسرح (Stage Fright)، وقد يطلق عليه أيضًا حالةُ قلقِ الأداء (Performance anxiety): 

مصطلحٌ يعبِّر عن الخوف الشديد الذي يُصيبُ الشخص قبل التحدّث أو تقديم أداء أمام الناس، والذي  قد يؤثر على الثقة بالنفس واحترام الذات، وربما محاولة ترك المدرسة أو العمل، أو حتى إضاعة فرصة الحصول على ترقية، وعلى الرغم من الضغط النفسي الذي يسبّبه رُهابُ المسرح، فإنّه لا يُعتبر اضطرابًا عقليًّا أو نفسيًّا.

ويعدّ رُهابُ المسرح من المشكلات الشائعة إلى حدٍّ كبير في المجتمعات، والتي قد تؤثر في الأشخاص العاديّين الذين يقدّمون الأداء للمرّة الأولى، كذلك المحترفين في مجالاتهم، مثل: الممثلين والموسيقيين والرياضيين والمتحدّثين أمام الجمهور، فرُهاب المسرح قد يكون أحد أكبر المخاوف التي يواجهها الأفرادُ في حياتهم.

وقد يصل رُهاب المسرح إلى مرحلةِ الشعور بالرعب الشديد والذعر أثناء التحضير لإلقاء كلمة أو تقديم أداء أمام مجموعة من الناس، أو الانخراط في مواقف مشابهة يكون فيها الشخص نفسهُ مَركِز الاهتمام والانتباه من قِبَلِ الآخرين، والذي قد يُشير إلى الإصابة باضطراب القلق الاجتماعي، أو الرُهاب الاجتماعي، وهنا تجِبُ الإشارة إلى أنّ رُهاب المسرح قد يُصنّف أنهُ مجموعة فرعيّة تنتمي إلى رُهاب التكلم أو جلوسوفوبيا (Glossophobia)، والتي يمكن اعتبارها نوع من الرُهاب الاجتماعي (Social phobia)، ومع ذلك، لا يُنظر عادةً لرُهاب المسرح على أنّه نوع من أنواع الرُهاب (Phobia).

 

ما هي أعراض رُهاب المسرح؟

قد يتفاعل الجسم في حالات رُهاب المسرح كما لو كان يُصاب بنوبة ذعر إثر التعرّض لخطرٍ مُحدِق، أي تبدأ استجابة الكر أو الفر (Fight-or-flight response) في الجسم وأعراضها المزعجة، والتي نذكر منها:

– تضيّق الحلق وجفاف الفم.

– تسارُع نبضات القلب، وزيادة سرعة التنفّس.

– الغثيان، والشعور بالانزعاج في المعدة.

– حدوث رجفة في الركب، واليدين، والشفتين، والصوت أثناء الكلام.

– تغيّرات في النظر.

– تعرّق اليدين وبرودتِهما.

 

كيف تختلفُ أعراض رُهاب المسرح عن معظم أنواع الرُهاب؟

يميل الشخص المُصاب بخوف أو رُهاب المسرح إلى الظهور بشكلٍ مختلف نوعًا ما عن معظم أنواع الرُهاب أو الفوبيا،  فالرُهاب يبدأ عادةً قبل أسابيع أو شهور من موعد الأداء، ويتمثّل في مُعظم الأحيان على صورة أعراض قلق عام بسيطة، كالشعور بامتلاك طاقة شديدة، وإحساس بفرط التنبيه، والمعاناة من القلق، بينما تتفاقم الأعراض مع اقتراب موعد الأداء، إذ يعاني البعض من ظهور أعراض الرُهاب المعتادة قبل موعد الأداء ببضعِ ساعات، مثل الإسهال، والتقيؤ، والهياج، والارتعاش، وخفقان القلب، وتقلّب المزاج، وغيرها، ولكن سرعان ما يستعيد الشخص توازنه بمجرّد الصعود إلى المسرح، ويبدأ إبداعه الغريزيّ بتولّي زِمامَ الأمور.

ومن جانبٍ آخر، أكّد معظم الأشخاص الذين يُعانون من رُهاب المسرح أنّهم شعروا ببعض الأعراض الخفيفة أثناء الأداء، هذا في حال ظهرت هذه الأعراض بالفعل، بينما يساعد حماس الجمهور في كثيرٍ من الأحيان على الانخراط في الشخصيّة خلال العرض، وتشتيت الانتباه عن مشاعر الضغط النفسي التي تُثيرُ المشكلات والانزعاج، وقد لوحظ أنّ النشوة وارتفاع مستويات الأدرينالين أثناء أداء بعض الفنانين للعرض وبعده تُفسِّر إلى حدٍّ ما سبب اختفاء أعراض رُهاب المسرح بشكلٍ كامل عند مواجهة الرُهاب فعليًّا.

 

ما هي أسباب رُهاب المسرح؟

يرجع سبب الخوف من تقديم الأداء أو التحدّث أمام الآخرين غالبًا إلى القلق أو الحرج الذي يتعلّق بكيفيّة حُكم الآخرين على كفاءة العمل أو الأداء الذي يشاهدونه أمامهم، وما هي نظرتهم للأداء عمومًا.

ومن العوامل التي تؤثر على احتماليّة حدوث رُهاب المسرح أو عدم حدوثه:

– حجم الجمهور في المسرح.

– مقدار إتقان الشخص أداء عرضه على المسرح أو أمام الجمهور.

– نوع الجمهور: ما إذا كان من أفراد العائلة أو الأصدقاء، أو غرباء تمامًا.

– عوامل تتعلّق بالموقف: مثل اختلاف الجمهور، أو تغيّر مكان تقديم الأداء.

– مستوى الثقة بالمهارة أثناء الأداء.

 

كيف يمكن التغلب على رُهاب المسرح؟

حتى تتمكّن من رفع مستوى الثقة بنفسك، والتغلب على رُهاب المسرح، قد يُفيدُك التوقف عن تجنّب مخاوفك والسعي لمواجهتها، وتعلُّم مهارات جديدة للسيطرة على هذه المخاوف وتقليل حِدّتها، ومن النصائح التي قد تفيدك في هذه الحالة:

– التمرّن على العرض أو الأداء مرارًا وتكرارًا، وتطوير مهارات التحدّث أمام الجمهور.

– محاولة عدم التركيز على نفسك وعلى مخاوفك، وإنّما توجيه تركيزك على الأفكار والتصوّرات التي تساعد على تهدئتك وزيادة ثقتك بنفسك، وعلى الهدف الذي تودّ تقديمه خلال الأداء، والقيمة التي تساهم في توفيرها للجمهور، كأن يكون الهدف من الأداء إضفاء المتعة والفرح على الأجواء.

– تجنّب التفكير في المعتقدات التي قد تسبّب زيادة الشكّ وإضعاف الثقة بالنفس.

– تجنّب التركيز على الأشياء التي قد تأخذ منحى خاطئ، وإنّما يحبّذ دائمًا التركيز على الإيجابيات والنجاح في الأداء.

– محاولة اتّباع الطرق التي تساعد على استرخاء وتهدئة الجسم والعقل، وإعادة توجيه الأفكار عندما تأخذ المنحى السلبيّ، مثل القيام بالتنفّس العميق، واليوغا، والتأمل، واتّباع تقنية الارتجاع البيولوجي (Biofeedback)، تقنية تساعد على معرفة كيفيّة التحكم بالوظائف الجسديّة، وفي الحقيقة، يفضّل ممارسة تمارين أو تقنيات الاسترخاء يوميًّا بصرف النظر عن الحاجة لتقديم أداء أمام الجمهور أو لا.

– الحرص على تقليل تناول المشروبات والأطعمة التي تحتوي على السكر والكافيين في يوم تقديم الأداء، والابتعاد عن استهلاك الكحول.

– الحرص على تناول وجبة صحيّة ومتكاملة قبل موعد الأداء ببضع ساعات لضمان الشعور بالشبع والاحتفاظ بالطاقة، وفي هذا السياق يوصى بتناول وجبات الطعام قليلة الدهون، والتي تحتوي على الكربوهيدرات المعقّدة، كالزبادي، و المعكرونة المكوّنة من حبوب القمح الكامل، وشوربة العدس. 

– ممارسة التمارين الرياضيّة، مثل المشي، والقفز، وتحريك العضلات، والحرص على النوم جيّدًا، ومحاولة اتباع نمط حياة صحّي قدر الإمكان.

– تخيُل صورة النجاح، والتركيز على التمكّن من التعامل مع الموقف الذي يشكّل التحدّي، وعلى القوّة الداخليّة.

– التصرّف بعفويّة وعدم تقمص أدوار أخرى، ويمكن الضحك في الوقت المناسب، إذ يساعد الضحك على الاسترخاء في كثيرٍ من الأحيان.

– معرفة أنّه من الممكن ارتكاب الأخطاء، ولا جدوى أو نفع من محاولة الوصول للكمال.

– التواصل مع الجمهور وتكوين رابطة معهم، سواءً بالتواصل البصري، أو بالتبسّم والترحيب بهم، والتعامل معهم كأصدقاء بالفعل، كما يُفيد في هذه الحالة التركيز بالنظر على أكثر الوجوه وديّة بين الجمهور.

– محاولة الجلوس أو الوقوف في وضعيّة تُبرِز وتعزّز الثقة بالنفس، وقد يساعد في ذلك الاهتمام بالمظهر الخارجي.

– الحرص على تجنّب استخدام أدوية أو علاجات طبيّة للسيطرة على أعراض الخوف والقلق قبل الأداء بدون استشارة طبية متخصص أو بدون وصفة الطبيب، فقد يكون ذلك سببًا في حدوث الإدمان أو التعرّض للآثار الجانبية.

 

قد تساعد هذه الخطوات على تخفيف رُهاب المسرح أو قلق الأداء، وفي حال استمرّت المشكلة رغم كلّ شيء، يمكن استشارة المعالج النفسي أو المستشار المؤهَّل، ففي هذه الحالة قد يتبِع الأخصائي طرق العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy) للتغلب على قلق الأداء، أو يصِف أنواعًا معيّنة من الأدوية للسيطرة على الأعراض، مثل الدواء الذي يحتوي على تركيبة بروبرانولول (Propranolol) التي تستخدم عادةً في بعض أمراض القلب.

 إذا كنت تعاني من رُهاب المسرح، قد تتمكّن من تعلّم طرق التخفيف من مخاوفك ومواجتها، فهذا قد يكون بمثابة دافع قوي لك، يُشعرك بالرضا عن نفسك، وأنّك تتمتّع بالقدرة على الأداء بثقةٍ كبيرة، وتَذكر بأنّ رُهاب المسرح يظهر عادةً بأسوأ أحواله قبل تقديم الأداء وخوض التجربة، وغالبًا ما يتلاشى الخوف والقلق بمجرّد بدء العرض والانخراط في الأداء مهما كانت طبيعته.

 

***تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى.

المراجع:

 

 

 

  

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *