الشعور بالخوف من أمور أو أشياء معينة يتولّد لدى البعض بدرجاتٍ مختلفة، يُمكن مقاومته والتغلّب عليه في كثيرٍ من الأحيان، غير أنّ أشخاصًا قد يعانون من حالة تُعرَف بالرهاب أو الفوبيا، وهي درجة شديدة من الخوف والذعر متعلّقة بجانب معين، كما نسمع كثيرًا عن رهاب الظلام، أو رهاب المرتفعات، وغيره، وما نعرفه أنّ المُصاب بالرهاب يواجه صعوبة في السيطرة على ما يشعر به فلا يتصرّف بعقلانية تجاه مخاوفه، وفي هذا المقال سنتحدث بالتحديد عن رهاب الاحتجاز، ومحاور عِدة تتعلّق به.

 

فما هو رُهاب الاحتجاز؟ 

رهاب الاحتجاز أو رهاب الأماكن المغلقة (Claustrophobia)، هو أحد أنواع الرُّهاب المحدّد والذي يصنّف أيضًا ضمن اضطراب القلق؛ حيث يشعر فيه المصاب بعصبية أو استياء أو خوف شديد وغير منطقيّ من التّواجد في الأماكن المغلقة أو الضيقة أو المكتظّة أو التي تُشْعِره بالاحتجاز أو عدم القدرة على الهرب؛ كالمصاعد، والطّائرات، والقطارات، والباصات، والأنفاق، وغيرها، ممّا يؤدي إلى الإصابة بنوبة ذعر أو هلع، ويكون لهذا الخوف تأثير سلبي على حياته.

وفي الحقيقة، نجد أنّ بعض المصابين برهاب الاحتجاز يُظهرون خوفًا شديدًا من التواجد في ظروف معينة فقط دون الأخرى، كالرهاب من الأماكن المكتظة فقط، أو الخوف الشديد من الدخول في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) فقط، بينما يعاني البعض من ظهور أعراض رهاب الاحتجاز عند التواجد في أيْ نوع من الأماكن المغلقة. 

 

ما هي أسباب الإصابة برُهاب الاحتجاز؟ 

في الحقيقة، لم يتمكّن العلماء من تحديد العوامل والأسباب الأساسية التي تؤدي إلى تطوّر رهاب الاحتجاز، والتي من المحتمل أنها تختلف من شخصٍ لآخر، ولكنّها غالبًا ما تكون مترافقة مع فرط تنشيط أجزاء معيّنة في الدّماغ.

ومن جانبٍ آخر، تؤثر مجموعة من العوامل في فرصة الإصابة برهاب الاحتجاز، من أهمّها:

  • العوامل الوراثيّة والجينية؛ فقد وجدت بعض الدّراسات وجود طفرة في جين معيّن لدى المصابين برهاب الاحتجاز، وأنّه قد يكون السبب في ظهور الاضطراب، كما أنّ وجود أحد الوالدين يعاني من هذا الرهاب يزيد من احتمالية الإصابة به، ولكنْ علاقة الجينات بالإصابة تحتاج لمزيد من الدّراسات لتأكيدها. 
  • العوامل البيئيّة؛ حيث أنّ التّعرّض للصّدمات في الطّفولة قد تؤدّي للإصابة بالرُّهاب المحدّد، وفي حالة رُهاب الاحتجاز، قد يتعرّض الطّفل لتجربة قاسية يتم احتجازه فيها داخل مكان مغلق أو ضيّق، أو يتعرّض للتنمر أو الإساءة، ما يربط تلك الأماكن بالمشاعر السّلبيّة التي شعر فيها خلال تجربته. 
  • امتلاك لوزة دماغيّة (Amygdala) أصغر حجمًا، وهي جزء الدماغ الذي يُسيطر ويتحكم بكيفيّة معالجة الجسم للخوف.
  • مشكلة أو خطأ في تقدير المسافة، حيث يرى المصاب الأشياء أقرب ممّا هي عليه في الواقع، وهذا قد يتسبّب في إرباك الدّماغ وتحفيز آليات الدفاع، وتولّد الخوف من الأماكن المغلقة. 
  • المعاناة من اضطراب قلق آخر، فهو يزيد من فرصة الإصابة برهاب الاحتجاز أيضًا. 
  • الخوف الذي يتملك الشخص حول أمور أخرى، كالخوف من فقدان السيطرة، والخوف من الموت، والخوف من التعرّض لإصابة معيّنة.
  • وجود تاريخ سابق للقلق والخوف في الأماكن المغلقة، فهو قد يتطوّر مع الوقت لحالة أكثر شِدة وهي رهاب الاحتجاز.

 

ما هي أعراض الإصابة برُهاب الاحتجاز؟ 

تختلف الأعراض وحِدَّتها بشكلٍ كبير بين المصابين، والتي غالبًا ما تظهر خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة، فالبعض يعاني القليل من القلق بسبب رهاب الاحتجاز، بينما يدخل آخرون في نوبة هلع شديدة عند تعرّضهم للمحفّز، بالإضافة إلى أنّ حِدّة الأعراض قد تسوء كلما استمرّ تعرّض المصاب للموقف الذي يسبّب له الهلع لوقتٍ أطول، وعادةً ما يكون ردّ الفعل في هذه الحالة الهرب من الموقف أو التّجمّد والثبات في المكان، ومن الأعراض التي قد يُبْديها المصاب: 

  • انقطاع النّفس أو صعوبة التّنفّس. 
  • الشعور بشدّ أو ألم في الصدر.
  • تسارع نبضات القلب.
  • الارتباك.
  • الارتجاف، والشعور بإحساس غريب في المعدة (كالفراشات).
  • الحاجة الملحّة لاستخدام المرحاض.
  • التّعرّق.
  • آلام الصّدر. 
  • جفاف الفم. 
  • الشّعور بالقشعريرة أو الحرارة.
  • الشّعور بالدّوران أو طنين الأذنين.
  • الصّداع.
  • الغثيان. 
  • الخوف والقلق الشّديدين. 
  • الخوف من فقدان السّيطرة. 
  • الشعور بالاختناق.
  • التنميل أو الخدَر.
  • ارتفاع ضغط الدم.

 

وبسبب هذه الأعراض والخوف غير المنطقيّ من فقدان السّيطرة أو فقدان الوعي أو الموت، يبدأ الشخص بتجنّب الأماكن والأنشطة التي قد تحفّز خوفه، وهذا ما يؤثّر سلبًا على حياته، عدا عن أنّ التّعرّض المستمرّ للضّغوطات والتّوتّر يؤذي الصحة. 

وهنا لا بدّ من التأكيد أيضًا على ضرورة الحصول على العناية الطبيّة اللازمة في حالة عدم التأكد من أنّ الأعراض التي تعاني منها مرتبطة برهاب الاحتجاز، فضيق التنفس والتعرق وربما ألم الصدر قد يتعلّق بحدوث النوبة القلبية، وهي حالة طارئة لا تحتمل الانتظار.

 

كيف يؤثر رُهاب الاحتجاز على حياتك؟

في حالة المعاناة من رهاب الاحتجاز وعدم مراجعة الطبيب بشأن العلاج، فإنّ العديد من الآثار السلبية محتملة الحدوث قد تترتب على مشكلتك وتُصبح عائقًا في حياتك وتضع ضغوطًا لا داعي لها على صحتك، ومن الأمثلة على ذلك:

  • تجنّب القيادة أو ركوب وسائل النقل العامة.
  • رفض السفر عبر الطائرة، بسبب إجبارك على الجلوس في حيّز ضيق ومحاطًا بالغرباء.
  • رفض الخضوع لإجراءات طبيّة ضرورية، مثل تصوير الرنين المغناطيسي (MRI).
  • تغير المزاج والشعور بالسوء عند التعرّض لموقف يُثير لديك أعراض الرهاب إذا كنت في رحلة ترفيهية، وربما يمنعك هذا الموقف من الحجز للرحلة.

 

متى أراجع الطبيب؟

راجع الطبيب أو الأخصائي النفسي إنْ كنتَ تعاني من خوف شديد تجاه الأماكن المغلقة بحيث يؤثر على روتين حياتك اليومي، فبالعلاج الصحيح تستطيع تعلم كيفية السيطرة على استجابتك للمواقف التي تُسبّب الخوف لديك.

 

كيف يتمّ تشخيص رُهاب الاحتجاز؟ 

لا يعدّ رُهاب الاحتجاز اضطرابًا نفسيًّا بحدّ ذاته مُصنَّف في الدّليل التّشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النّفسيّة (DSM-5)، بل هو جزء من حالة تُعرف بالرُّهاب المحدّد، وبكلّ الأحوال، عند مراجعة الطبيب لتشخيص الحالة، فإنّه غالبًا ما يقوم بتشخيص الإصابة باضطرابات القلق دون تحديد، فيقوم بطرح الأسئلة عن الأعراض التي يعانيها المُصاب، وتاريخه الطبي، فإن تحقّقت الشّروط التّالية يكون تشخيص الرُّهاب المحدّد أكثر ترجيحًا: 

  • تأثير الخوف من الأماكن المغلقة على ممارسة الشخص للعديد من الأنشطة الحياتيّة. 
  • تكلّف عناء الابتعاد عن الأماكن المغلقة؛ كصعود السّلالم عوضًا عن المصعد. 
  • زيادة القلق والتّوتّر بمجرّد التّواجد في مكانٍ مغلق، ما قد يُثير حالة من نوبة الهلع.
  • استمرار الخوف والرهاب لستّة أشهر أو أكثر.
  • الخوف يكون غير منطقيّ و مبالغ به.
  • الخوف والهلع غير ناجم عن اضطراب ما بعد الصدمة(PTSD)  أو اضطراب الوسواس القهريّ(OCD)  أو اضطرابات القلق الأخرى، كاضطراب الهلع، واضطراب القلق الاجتماعي. 

 

كيف يتمّ علاج رُهاب الاحتجاز؟ 

عادةً ما يلجأ المصاب برُهاب الاحتجاز إلى تجنّب الأماكن المغلقة والمكتظّة، غير أنّ هذا الحلّ يعتبر مؤقّتًا، ولا يصلح في كثيرٍ من المواقف، لذلك، من الضروريّ علاج المشكلة وحلّها من جذورها، وهو ما يوصي به الطبيب بعد تشخيص المُشكلة، ومن طرق العلاج المستخدمة في هذه الحالة: 

 

العلاج النّفسيّ

فهو من طرق علاج الاضطرابات النّفسيّة الأساسيّة، ومن أنواعه:

  • العلاج المعرفيّ السّلوكيّ(CBT) ، الذي يعدّ واحدًا من أفضل طرق العلاج النفسي لاضطرابات القلق، فهو يساعد على زيادة إدراك المصاب لأساليب تفكيره، ومعرفة مصادر تصرّفاته، وهو ما يساعده على تخطّي التصرفات السّلبيّة، وتحويلها إلى أفكار إيجابيّة وتصرّفات غير مؤذية.  
  • العلاج بالتّعرّض (Exposure Therapy)؛ فهو أحد أنواع العلاج النفسي الذي أثبت فعاليّة كبيرة في علاج الرُّهاب المحدّد، وفيه يقوم الطّبيب النّفسيّ بتعريض المصاب لمصدر ومحفّز الرهاب لديه لمدّة قصيرة، وفي بيئة يكون مُسيطر عليها، وبعد ذلك يبدأ بزيادة مقدار التّعرّض تدريجيًّا تحت إشراف طبّي متخصّص، ويستمر هذا الأسلوب العلاجي إلى حين تغيُّر أنماط الخوف من المحفّز (الأماكن المغلقة مثلًا)، مع التنبيه على ضرورة إشراف الطبيب النفسي على هذا النوع من العلاج لتجنّب تفاقم حالة المُصاب وتعرُّضه للخطر، ومن جانبٍ آخر، يمكن استخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضيّ(VR)  للمساعدة على تطبيق العلاج بالتّعرّض، حيث توفّر هذه التّكنولوجيا بيئة أكثر أمانًا من تمثيل الواقع كما هو، ومن الممكن تحضير العديد من المواقف والأماكن لتدريب وتعويد المصاب على التّعامل مع مسبّبات الهلع لديه. 

 

الحصول على الدعم

سواءً من الشريك أو أفراد العائلة أو الأصدقاء، فهو يساعد على تخطّي المخاوف والتغلّب على الرهاب، وفي هذا السياق، يُمكنكَ سؤالهم حول إمكانية مرافقتك إلى جلسات العلاج.

 

العلاج الدّوائيّ

قد يصف الطّبيب في بعض الحالات إحدى أنواع الأدوية المثبّطة للقلق (Anxiolytics)  أو المضادّة للاكتئاب(Antidepressants)  بجرعة صغيرة، ولمدّةٍ محدّدة، على سبيل المثال إن كان المصاب بحاجة للسّفر بالطّائرة أو القطار، أو كان بحاجة للتّواجد في مكان مكتظّ من أجل العمل، فلا يعدّ العلاج الدّوائيّ من أساسيّات علاج رهاب الاحتجاز، ولا يعطيه الطّبيب إلّا للضرورة، وبحسب ما يراه مناسبًا لتخفيف الأعراض الجسدية التي يعانيها الشخص إلى جانب اتباع أساليب العلاج النفسي معه، وهنا على المُصاب الالتزام بدوائه وأخذه بالطريقة التي يحدّدها الطبيب. 

 

وقد يلجأ البعض إلى استخدام بعض العلاجات البديلة؛ كالتّنويم المغناطيسي، أو استخدام الزّيوت المهدّئة؛ كزيت الخزامى (Lavender Oil)، أو المكمّلات الغذائيّة التي تقلّل من القلق، غير أنّ استخدام هذه العلاجات غير مثبت الفعاليّة؛ لذلك لا يُنصح باستخدامها دون الرجوع إلى الطبيب المختصّ أولًا. 

 

نصائح للتعامل مع رُهاب الاحتجاز

قبل كل شيء، يجب التنبيه على ضرورة استشارة الطبيب أولًا قبل تغيير أيْ نظام في حياتك أو سلوكياتك، فهو المخوَّل بإعطائك النصائح والطرق العلاجية التي تفيدك.

وعمومًا، في الآتي بعض النّصائح التي قد تساعدك على التّعامل والتأقلم مع رُهاب الاحتجاز بشكلٍ أفضل:

  • تعلّم تطبيق تمارين الاسترخاء، مثل تمارين استرخاء العضلات، والتنفس العميق، والتأمل، فهي تساعد على تسهيل التعامل مع القلق والضغط النفسي والأفكار السلبيّة التي تستقر في الذهن، وتخفيف الخوف عند التعرّض للمواقف التي تُسبّب الذعر، والتركيز على الوصول إلى حالة من الهدوء والاسترخاء، والتّفكير بمنطقيّة.
  • تحدّث مع نفسك بأسلوبٍ إيجابيّ؛ فالمشاعر تتأثّر بأفكارك التي تدور في داخلك.
  • حاول تحويل أفكارك السّلبيّة إلى أفكارٍ إيجابيّة، واحرص دائمًا على التّفكير بأسلوبٍ منطقيّ، وتذكّر أنّ معظم الأماكن المغلقة هي أماكن آمنة، حتى وإنْ كنت تواجه صعوبة في تقبّل ذلك والشّعور بالأمان.
  • يُمكنك اصطحاب شخص تثق به عند تواجدك في الأماكن التي تُثير أعراض رهاب الاحتجاز لديك، ليساعدك على الشعور بأمان أكثر في هذه الأماكن.
  • حاول التّركيز على أشياء أخرى في المكان الذي يحفّز الأعراض لديك، حيث بإمكانك تأمّل تفاصيل المكان، أو التفكير في كتابك أو برنامجك التلفزيونيّ المفضّل، أو حتّى يُمكنك التفكير في مرور الوقت. 
  • حاول أخذ قسط كافٍ من الرّاحة، فهذا يساعد على تخفيف استعدادك للتوتر والقلق.
  • احرص على تقليل استهلاك السكريات والكافيين، وامضِ وقتًا كافيًا في أماكن تُشعركَ بالطمأنينة والسلام.
  • لا تُهمل اتّباع نظام غذائيّ متوازن واحرص على ممارسة الرّياضة المنتظمة التي تساعد على تعزيز مناعة الجسم وصحة القلب والأوعية الدموية، وتقليل التّوتّر قدر المُستطاع، إذْ يوصي الأطباء بممارسة الرياضة لمدّة لا تقل عن نصف ساعة يوميًّا، ولمدّة ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.

 

وفي النهاية، كن على ثقة بأنّ الكثير من الأشخاص يعانون من الرهاب في مرحلةٍ ما في حياتهم، وما يهمّ بالفعل هو معرفة كيفية التغلب على مصادر الخوف والتعامل معها، فإذا كنتَ تعاني من حالة رهاب وذعر شديد يتعلّق بشيءٍ معين، وأصبح يؤثر على حياتك ومعيشتك بطريقةٍ أو بأخرى، لا تتردّد في مراجعة الطبيب وطلب المساعدة، فأساليب العلاج النفسي كثيرة وفعّالة في هذا الجانب، وما عليكَ سوى المحاولة والاهتمام بنفسك حتى تتجاوز هذه المحنة، واستعن بعائلتك وأصدقائك ليقدموا لكَ العون في رحلة العلاج. 

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى         

 

المراجع:

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *