• من منا لا يمر بأوقات عصيبة تهز شعوره بقيمة ذاته من حين لآخر؟ من منا لا يسمح للأفكار السلبية بالتحكم به لبعض الوقت وزعزعة ثقته بنفسه؟ إن ما يعطينا القوة لتجاوز هذه الأوقات العصيبة هو شعورنا بقيمة أنفسنا وتقديرنا لذاتنا وتمسّكنا بطموحنا وأحلامنا.

     

    • ما هو تقدير الذات أو الاعتداد بالنفس (Self-Esteem

    تقدير الذات أو الاعتداد بالنفس (Self-Esteem) هو صورة الشخص و إدراكه لنفسه و قدره  وكفائتة والإحساس العام بالقيمة الذاتية والهوية بناءً على آراء و معتقدات الشخص التي يكوّنها عن نفسه. إضافةً إلى أنه مصطلح يشير إلى الاعتقاد باستحقاق الشخص للحب وتقدير الأفكار والمشاعر والآراء والأهداف.

    يؤثر تقدير الذات على الطريقة التي ترى فيها نفسك وتشعر فيها وتعاملها وتثق بها، كما أنه يؤثر كذلك على الطريقة التي تقبل بأن بعاملك بها الآخرون.

    عندما يكون اعتدادك بنفسك صحيًا، تشعر بالإيجابية تجاه نفسك و تجاه الحياة بشكلٍ عام مما يسهل من مجابهة مصاعب الحياة. بالمقابل، عندما يتدنّى اعتدادك بنفسك، تشعر بالسلبية تجاه ذاتك و تجاه الحياة مما يسبب صعوبة في مواجهة تحديات الحياة.

     

    • ما هي علامات تدنّي تقدير الذات؟

    قد تكون علامات تدني الاعتداد بالذات ظاهرة أو غير ظاهرة؛ فالبعض يتحدّثون بالسوء عن أنفسهم، و البعض يكلّفون أنفسهم فوق طاقتهم لإرضاء الآخرين. و في كلتا الحالتين يكون التأثير سلبيًا.

    من بعض هذه العلامات:

    • ضعف الثقة بالنفس، و لحُسن الحظ أن الثقة بالنفس صفةٌ مكتسبةٌ من الممكن تطويرها.
    • ضعف المقدرة على إبقاء الأمور تحت السيطرة؛ حيث يعتقد الشخص خاطئًا بأنه لا يستطيع تغيير نفسه، فينبع شعوره بالسيطرة من العوامل الخارجية و يصعب عليه التعامل معها عند تغييرها.
    • مقارنة النفس بالآخرين، الذي يكون عادةً مصدر إلهام عندما يدفع الشخص لتحسين نفسه، لكنه يتحول لفعلٍ مؤذٍ عندما يدفع الشخص لفقدِ ثقته بذاته و اعتقاده بأنه بلا قيمة. و للأسف فإن منصات التواصل الاجتماعي تدفع هذه المقارنات إلى الجانب السلبي.
    • إيجاد صعوبة في طلب المساعدة، حيث يشعر الشخص بعدم استحقاقه للمساعدة و بأنه عبءٌ على الآخرين.
    • القلق و الشّكّ بقرارات النفس والتردد فيها، حيث يشكّ الشخص بكلّ قرارٍ يتخذه و يعتقد بأن كلّ قراراته خاطئة.
    • صعوبة تقبّل المديح، لاعتقاد الشخص بعدم استحقاقيّته.
    • التحدث عن النفس بشكلٍ سلبي، ولوم الذات والتركيز على عيوبها.
    • الخوف من الفشل؛ بحيث يعتقد الشخص بأنه لن ينجح أبدًا، لذلك فإنه يتجنب تجربة الأشياء الجديدة ويهرب من التحديات و المواقف الصعبة.
    • عدم وضع حدود شخصية، حيث ترتبط صورة الشخص بذاته و تقديره لوقته و خصوصيته بقدرته على وضع حدودٍ شخصية و عدم السماح للآخرين بتقليل احترام هذه الحدود.
    • محاولة إرضاء الآخرين، حيث يكلّف الشخص نفسه فوق طاقته لإراحة و إرضاء الآخرين دون الاهتمام لاحتياجاته و مشاعره، و يشعر بالذنب إن رفض مساعدة الآخرين و إن لم يستطِع المساعدة.

     

    • ما هي مسببات تدنّي تقدير الذات؟

    تكوّن الأفكار السلبية التي تؤدي إلى تدنّي تقدير الذات أو الاعتداد بالنفس أسلوبَ تفكيرٍ مكتسبٍ من البيئة المحيطة بالشخص في سنين نموّه، بالأخصّ من الطريقة التي تمّت معاملته بها، سواء من قبل الأهل أو الأصدقاء أو المعلّمين وغيرهم. تضمن مسببات تدني تقدير الذات ما يلي:

    • التجارب الشخصية السلبية والمصاعب الحياتية كالتعرض للعقاب أو الاعتداء أو الإهمال أو التنمر أو العنصرية أو التعرض لتحديات في العمل والعلاقات الشخصية والدراسة، و في هذه الحالات قد يعتقد الشخص بأنه يستحق هذا النوع من المعاملة.
    • قلّة الشعور بالحبّ و العطف و التشجيع و المديح، و في هذه الحالات يشعر الشخص بالنقص و بأنه ليس جيدًا بما فيه الكفاية؛ فالأطفال بالذات بحاجة للشعور بالحبّ و لمن يعَزّز و يمدح تصرفاتهم الصحيحة و إنجازاتهم.
    • عدم تحقيق توقّعات الآخرين أو توقعات النفس، بغضّ النظر إن كانت هذه التوقّعات مستحيلة أو غير مناسبة للشخص، بحيث يعتقد أنّ الخلل به و ليس بهذه التوقّعات.
    • عدم الانسجام مع الأقران، حيث أنّ الانتماء للمجموعة تعتبر إحدى مراحل بناء الشخصية و أيّ خلل في هذه المرحلة يؤدي إلى تبعات مليئة بالتحديات.
    • رسائل سلبية من الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تشعر الشخص بأنه ليس جيّدًا كفاية.
    • طبيعة الشخصية، حيث يميل البعض لأن يكونوا أكثر عرضة للتفكير السلبي، بينما يضع البعض معايير جدًا عالية ومستحيلة لأنفسهم.

     

    • كيف يؤثر تدنّي تقدير الذات على الصحة النفسية؟

    عندما يصبح تدني تقدير الذات مشكلة طويلة الأمد، يمكن أن يكون له تأثير ضار على الصحة النفسية والحياة اليومية والعلاقات الشخصية. يصعُب تحقيق الأهداف و بناء علاقات صحية عند تدنّي تقدير الذات، مؤديًا بذلك إلى حدوث التوتر والمشكلات والاضطرابات النفسية خاصةً على المدى البعيد، رغم أنه لا يعدّ اضطرابًا نفسيًا بحدّ ذاته.

    أثبتت الدراسات ارتباط تدنّي تقدير الذات ببعض الاضطرابات النفسية، نذكر منها: القلق (Anxiety)، واضطراب الهلع (Panic Disorder)، واضطرابات الطعام (Eating Disorders)، واضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)، والاكتئاب (Depression)، و تعاطي الكحول و المخدرات، والأفكار الانتحارية (Suicidal Ideation) التي قد تؤدي إلى الانتحار (Suicide).

    و هنا يحتاج الشخص مساعدة الطبيب أو المعالج النفسي للوصول إلى أفضل حلّ أو علاجٍ يناسبه و يناسب حالته. كما يعدّ دعم و تفهّم العائلة و الأصدقاء حجر الأساس لتصحيح أسلوب تفكير الشخص و صورته لنفسه.

     

    • كيف تزيد من تقديرك لذاتك؟

    تعدّ معرفة أسلوب تفكير الشخص أول خطوةٍ لزيادة تقدير الذات أو الاعتداد بالنفس، بحيث يمكنه رؤية نمط تفكيره و معرفة مصدر الأفكار السلبية، و بالتالي يستطيع تحويل سير الأفكار من السلبي للإيجابي عبر تحدّي هذه الأفكار. لكن هذه العملية تحتاج الكثير من الوقت، فلا أحد يستطيع تحويل أسلوب تفكيره بسهولة. ولكن على الرغم من ذلك، مهما كان التغيير طفيفًا فإن أثره سيكون كبيرًا على النفس.

    تعرّف على المواقف والظروف والمحفزات التي تقلل من تقديرك لذاتك وثقتك بنفسك.

    انتبه إلى أنماط التفكير التي تؤثر سلبًا على تقدير واحترام الذات، التي تشمل الآتي:

    • الكل أو لا شيء: ترى الأمور إمّا كلّها جيدة أو كلّها سيئة، فإذا لم تنجح في أمر ما اعتقدت بأنك فاشل تمامًا.
    • التصفية العقلية: ترى فقط السلبيات وتركز عليها وتتعمق فيها.
    • تحويل الإيجابيات إلى سلبيات: ترفض الاعتراف بإنجازاتك وإيجابياتك بحجة أنها بلا قيمة ولا تحسب.
    • القفز إلى الاستنتاجات السلبية: تصل دومًا إلى النتائج السلبية دون وجود دليل عليها.
    • الخلط بين الحقائق والمشاعر: تشعر بأنك فاشل لذا تعتقد بأنك فعلًا فاشل.

    كتابة اليوميّات يعطي صورةً مرئيةً لأسلوب التفكير و توثيقًا للتقدّم الذي يحرزه الشخص. فإن كتب الشخص خمسة أشياء إيجابية عن نفسه يوميًا، أو موقفًا شَعَر فيه بإيجابية، أو إنجازات يفخر بها ولو كانت صغيرة، أو ملاحظات الآخرين الإيجابية عنه، أو ما يثبت أن أفكاره السلبية غير صائبة، فإنه يذكر نفسه بقيمته و بأنه يستحق الخير و الجميل في الحياة. اجعل هذه القائمة الإيجابية في مكان قريب منك حيث يمكنك رؤيتها بسهولة عند الحاجة إليها.

    اعتنِ بنفسك صحيًا و جسديًا و عقليًا و نفسيًا، تناول وجباتٍ صحيةٍ متكاملة وقلل من الحلويات والمأكولات السريعة، مارس رياضةً تفضلها أو امشِ لنصف ساعة يوميًا، اقضِ وقتًا مع من يشعرك بالراحة و الأمان، واقضِ بعض الوقت في الطبيعة، و خذ حاجتك من النوم يوميًا.

    كُن لطيفًا مع ذاتك، و فكر فيما ستقوله لصديق في موقف مشابه لما تمر به، حيث أننا غالبًا ما نقدم نصائح أفضل للآخرين مما نقدمه لأنفسنا. تجنب تكرار كلمات مثل “يجب أن” أو “عليّ أن” لنفسك حيث أنها قد تسبب لك الضغط.

    تعرّف على الأمور والنشاطات التي تجيدها وتحبها ثم مارسها بانتظام، و احتفل بنجاحاتك وإنجازاتك البسيطة و الكبيرة منها.

    أحِط نفسك بالداعمين من عائلتك و أصدقائك، و ابتعد عن المحبطين و المؤذيين منهم. ابنِ علاقاتٍ صحية مع الأشخاص الإيجابيين وتجنب الأشخاص السلبيين الذين يميلون إلى إحباطك أو واجههم وأخبرهم بما تشعر به حيال كلماتهم وأفعالهم.

    تعلّم الحزم و ضَع حدودًا تحميك و تحمي صحتك النفسية خطوة بخطوة و لا تستعجل العملية فإنها تحتاج وقتًا. يمكنك البدأ بقول “لا” لما لا يريحك أو ما يتجاوز وِسْعَكَ أو ما لا ترغب بفعله.

    قم بتحدّي نفسك قليلًا وضع بعض الأهداف واعمل على تحقيقها حتى لو شعرت ببعض القلق والخوف منها.

    كما يمكنك طلب المساعدة من المعالج النفسي في أي وقت، فهو الشخص الأمثل للمساعدة في هذه الحالات. و هناك علاجات نفسية قد تساعدك، منها العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy).

    تذكر هنا أن الجميع معرّضون للخطأ، و هذا لا يعني أن أحدًا منّا عديم الجدارة، فعلى الشخص أن يتعلّم من أخطائه ويسامح نفسه عليها ويفصلها عن حقيقة شخصيته، وليس بالضرورة أن تكون مثاليًا لتحظى بالقيمة والأهمية لذا عليك أن تتقبّل نفسك كما هي. تذكر كذلك بأن لكل شخصٍ سرعة تقدّم مختلفة، لذلك خذ وقتك لتصل إلى ما تريد، فالأرض لم تبنى بيومٍ واحد.

     

    *** تمّت الكتابة والتدقيق من قبل فريق إعداد المحتوى

    المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *