ما هو الاعتلال النفسي؟ (Psychopathy)

  • يتأثر التعامل مع الآخرين بطبيعة الخبرات والشخصيّة والظروف المحيطة ومنحى السلوك المُتّبع منذ الصغر، غير أنّ البعض يميل بطبيعته إلى التعامل بقسوة مع الآخرين، أو تراه يتلاعب بهم بطرق مختلفة ودون إظهار أي تعاطف تجاههم، قد نطلق على هذه الفئة مصطلح السيكوباثيين، أو من يعانون الاعتلال النفسي، فما هو الاعتلال النفسي؟ وما سماته تحديدًا؟ هذا ما ستناول الحديث عنه في هذا المقال.   

     

    ما هو الاعتلال النفسي؟

    يُعرَف الاعتلال النفسي (Psychopathy) بأنّه اضطراب نفسي مزمن يظهر على صورة سلوكيات اجتماعيّة عنيفة قد لا يصاحبها شعور بالذنب مع غياب العاطفة والتعامل بقسوة وبلادة مع مشاعر الآخرين، وإمكانيّة التلاعب بمن حوله، ولا يعتبر الاعتلال النفسيّ بحدّ ذاته تشخيص رسمي، وإنّما هو مصطلح غير رسمي يصِف الحالة الشديدة لاضطراب الشخصيّة المعادية للمجتمع (Antisocial personality disorder)، ولكن يجدر التنويه إلى أنه هناك اتفاق على أنه ليس كل فرد يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع هو بالضرورة معتل نفسيًا أو سيكوباتي.

     

    يعدّ الاعتلال النفسي من الاضطرابات التي يصعب تشخيصها وتمييزها، خاصةً وأنّ المصاب بهذا الاضطراب غالبًا ما يُبدي تصرفات طبيعيّة في المجتمع، بل وقد يخدعهم بسحر تعامله وقوّة شخصيّته، ويُذكر بأنّ علاج الاعتلال النفسي لدى الكبار يعتبر من التحديات الكبيرة التي قد تواجه المعالجين، لذلك من الأفضل التعامل مع بدايات المشكلة منذ الصغر ومحاولة تقوييم السلوك والتفكير حتى يكون من السهل السيطرة على المشكلة وعدم تطوّرها.

     

    ما هي سمات الاعتلال النفسي؟

    وفق الدراسة التي نشرها باحثون من جامعة ميشيغان عام 2016م فإنّ الاعتلال النفسي يمكن ملاحظته في مراحل مبكّرة من عمر الطفل، حتى بعمر السنتين، ويمكن ذلك بتقييم تفاعل الطفل مع العقاب والشعور بالذنب، ومقدار أنانيته وميله للكذب، ومحاولة الخداع.

    وقد يُظهر الطفل لاحقًا سمات الاعتلال النفسي بالطريقة ذاتها التي تظهر لدى البالغين، فمثلًا، قد يحاول إيذاء الحيوانات أو قتلهم من أجل المتعة أو التمرين، ويميل إلى تجاهل مشاعر الآخرين وانعدام الشعور بالندم، وظهور عدد من المشاكل السلوكية في هذه المرحلة، ولكن ليس بالضروري تشخيص إصابة الطفل بالاعتلال النفسي بمجرد ظهور عدة سمات لهذا الاضطراب في مرحلة طفولته.

    وبشكلٍ عام، قد يظهر على حالات الاعتلال النفسي السمات الآتية:

    • انعدام الشعور بالندم أو الذنب.
    • القسوة أو قلة التعاطف مع الآخرين.
    • الخداع والتلاعب.
    • الكذب المَرضي الخراج عن السيطرة.
    • عدم تحمل المسؤولية عن التصرفات والأفعال.
    • ضعف الالتزام بالضوابط السلوكية للأفراد، واتباع سلوك يخالف الأعراف.
    • فرط الثقة بالنفس، وامتلاك شخصيّة جذابة وساحرة.
    • اتباع نمط حياة يقوم على استغلال الآخرين وانتهاك حقوقهم.
    • اتباع سلوكيات جنسيّة غير مسيطر عليها.
    • عدم القدرة على تمييز الصواب من الخطأ.
    • عدم وضع أهداف واقعيّة طويلة الأمد.
    • الاندفاع والتهوّر، والوقوع في مشاكل قانونيّة بصورة متكرّررة.
    • الانحراف السلوكي والسلوك الإجرامي وارتكاب الجرائم في بعض الأحيان.
    • التعبير عن الغضب باستمرار.
    • الشعور بالملل والحاجة للتحفيز باستمرار.

     

    ما هي الأسباب والعوامل التي تساهم في تطور الاعتلال النفسي؟

    كما هو الحال مع مختلف اضطرابات الشخصية، لا يوجد سبب محدّد يؤدي إلى تطوّر الاعتلال النفسي، ومع ذلك قد تظهر هذه المشكلة عند اجتماع العامل الجيني مع توفر عوامل بيئية معينة، وفي الآتي توضيح ذلك:

    • العامل الجيني أوالبيولوجي: فقد لوحظ وجود سمات الاعتلال النفسي بين أفراد العائلة الواحدة، وهذا يعني تأثير العامل الجيني الوراثي، كما أنّ طبيعة استجابة الدماغ للمؤثرات لدى المصابين بالاعتلال النفسي تكون مختلفة، وهذا ما يدفعهم إلى تطبيق سلوكيات مضطربة.
    • السلوكيات المكتسبة: إذْ يتعلم الشخص منذ صغره اتباع بعض السلوكيات التي تفرضها عليه بيئته المحيطة، لذلك، فإنّ تنشئة الطفل في بيئة مسيئة يعني بالنسبة له تقبل الإساءة أو مقاومتها، ولكنْ قد يتوصل الطفل إلى فكرة أنّ مقاومته للإساءة تعني تفاقم الوضع سوءًا، فيتجه إلى توطيد علاقته مع المُسيء، وهذا يعني تعزيز السلوك السيء وتقبله دائمًا.
    • صدمات الطفولة، وإساءة المعاملة والإهمال: كما يحدث في حالات التعرّض للإساءة بأشكالها، أو انفصال الطفل عن والديه وتنقله بين دور الرعاية، أو اضطراب علاقته بهم، أو إصابة أحد الوالدين باضطراب نفسي، أو معاناته من تعاطي المخدرات، فقد ينجم عن ذلك عدم قدرة الطفل على تكوين العلاقات السليمة مع البيئة المحيطة به، وتعلمه العزلة لحماية نفسه من التعلق بالاخرين وتقليل نسبة تعرضه للأذى.
    • خلل في تركيب الدماغ: في حالة وجود خلل في أجزاء الدماغ التي تسيطر على الاندفاعات واتخاذ القرارات، وبالتالي يظهر على الشخص الاندفاعيّة وعدم النضج، وفقدان السيطرة على عمليّة التفكير.

     

    كيف يتم تشخيص الاعتلال النفسي؟

    يعدّ تشخيص الاعتلال النفسيّ من الخطوات الصعبة التي تحتاج تعاون المصاب مع أخصائي نفسي متمرّس للحصول على التشخيص الكامل، إذْ يقوم الطبيب بأخذ التاريخ العائلي المرضي للشخص، ويجري تقييم شامل للأحاسيس والأفكار وأنماط السلوك والعلاقات لدى الشخص، وقد يعتمد على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس (DSM-5) المتعلقة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

     

    هل يمكن علاج الاعتلال النفسي؟

    يعد الاعتلال النفسي من المشكلات التي يصعب علاجها إلى حدٍّ كبير، خاصةً وأنّ المصاب بهذا الاضطراب يميل إلى عدم تقبّل فكرة وجود مشكلة بحاجة للعلاج، وهذا ما يمنعه من التعاون مع الطبيب في حل المشكلة، ومع ذلك، فإنّ أفضل أسلوب لعلاج الاعتلال النفسي يقوم على اتّباع خطّة علاجيّة قد تتضمن واحدة أو أكثر من الطرق الآتية:

    • العلاج النفسي، لفهم تأثير الاعتلال النفسي على حياة المصاب وعلاقاته، ووضع استراتيجية تساهم في تخفيف شِدّة الأعراض.
    • التدريب على المهارات السلوكية.
    • تفعيل دور الأسرة والمدرسة والمجتمع، وطلب مساعدة الأقران.
    • العلاج الدوائي للسيطرة على المشكلات التي قد تصاحب الاعتلال النفسي، كوصف مضادات الاكتئاب، أو مثبطات المزاج، أو مضادات الذهان، ومع ذلك لا يتوفر دواء معيّن يسيطر على اضطراب الاعتلال النفسي.

     

    نصائح للتعامل مع المصاب بالاعتلال النفسي

    في الحالات التي يُجبر فيها الشخص على التعامل مع الشخصية المصابة باعتلال نفسي، ويتوجب عليه التعايش معها، قد يساعده اتباع النصائح الآتية:

    • الحصول على الاستشارة النفسيّة والتوجيه السليم من أخصائي نفسي يساهم في زيادة الوعي بشأن المشكلة، والقدرة على التعامل مع التحديات المتكرّرة أثناء التعامل مع المصاب.
    • وضع خطّة طوارىء تفيد في حالات التعرّض للإساءة أو الاعتداء أو العنف من قِبل المصاب بالاعتلال النفسي بهدف حماية النفس من الخطر والتهديد، كأنْ تجهّز قائمة تضمّ أرقام الجهات التي يمكن التواصل معها في الظروف الطارئة، والتزام هذه الخطّة وعدم التهاون فيها لتأكيد فكرة وجود دعم وقوّة يمكنها حمايتك في أوقات الأزمات للشخص الذي يمارس الإساءة عليك.
    • وضع الحدود الصارمة التي يجب على الشخص الآخر احترامها وعدم تجاوزها، أمّا إهمال وضع الحدود فقد يتسبّب في التعرّض للتلاعب أو الأذى أو حتى القتل في الظروف القاهرة، فإعطاء المصاب بالاعتلال النفسي فرصة ولو بسيطة للتمادي قد يسمح له بتجاوز الخطوط الحمراء.
    • اللجوء للعلاج النفسي المكثّف في حال أظهر الطفل سمات الاعتلال النفسي منذ صغره وأصبح التعامل معه صعبًا، وعدم الانتظار وإهمال العلاج خاصةً وأنّ سمات الاعتلال النفسي قد تتفاقم مع الوقت.

     

    رغم التعقيدات المتعلقة بالاعتلال النفسي من حيث صعوبة تشخيصه وعلاجه فإنّ مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي يفيد في معرفة كيفية التعامل مع المصاب بهذا الاضطراب والقدرة على اتباع الخطّة العلاجية التي تناسبه، كما ويكون احتواء الاضطراب والسيطرة عليه أفضل في حال تصرّف الأبوان مبكّرًا وطلبا المساعدة المتخصّصة بمجرّد ملاحظتهما السلوك المضطرب لدى طفلهم وهو صغير.

     

    *** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى   

     

     المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *