كيفية مساعدة شخص يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة

التصنيفات: التوتر والقلق + السلوك + الحياة الاجتماعية + المحافظة على الصحة النفسيّة

يختلف الأفراد عن بعضهم البعض في طريقة تفاعلهم مع المشكلات والأحداث الصادمة، ولا شكّ في أنّ الأثر الذي يتركه الموقف يختلف أيضًا في شِدة تأثيره على النفسيّة وأسلوب الحياة لاحقًا، فقد يعاني البعض بعد التعرّض لأحداث شديدة من حالة تعرف باضطراب ما بعد الصدمة، والتي قد يكون لها أثر كبير على سير حياتهم، فماذا لو أنّ أحد أفراد أسرتك أو الأشخاص المحيطين بك يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة؟ كيف ستتعامل معه وتوفر له الدعم اللازم لمساعدته على تخطّي محنته؟

 

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟

في البداية، سنتعرّف إلى اضطراب ما بعد الصدمة أو اضطراب الكرب التالي للصدمة أو اضطراب الكرب التالي للرضح (Posttraumatic stress disorder) أو PTSD، فهو من اضطرابات القلق التي تحدث جرّاء التعرّض لأحداث مرعبة أو تثير التوتر والضغط النفسي لدرجة كبيرة، قد يترتّب عليه حدوث العديد من المشكلات، كالإحباط، والقلق، وصعوبة النوم، وعدم القدرة على التركيز، وتكرار الذكريات المؤلمة، والشعور بالعُزلة والإحساس بالذنب، وبالمحصّلة، قد يعاني الشخص من مشاكل مختلفة في حياته اليوميّة، كوجود مشاكل في علاقاته الاجتماعية، أو في قدرته على القيام بالأعمال اليوميّة، أو عدم قدرته على تحقيق الرفاهية في حياته، ومن الممكن أن يتفاقم الأمر ليكون اضطراب ما بعد الصدمة سببًا في المعاناة من الاكتئاب، أو الغضب الشديد، أو غيره من المشكلات التي يصعب التعامل معها.


كيف تساعد شخًصا يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة؟

تقديم الدعم المناسب للمصاب باضطراب ما بعد الصدمة قد يساعده على تجاوز الصدمة والذكريات المؤلمة، ويحسّن من طبيعة علاقته معك وعودتها كما كانت سابقًا، لذلك إليك النصائح التالية التي يمكنكَ الأخذ بها لمساعدة المصاب باضطراب ما بعد الصدمة:

  • كُن مستمعًا جيّدًا، ولكن لا تجبر المصاب على الكلام: جُلّ ما يحتاجه المصاب هو وجودك بجانبه وإشعاره بالقبول، لهذا السّبب دعه يشعر برغبتك في سماع حديثه، وقم بتشجيعه على التعبير عن مشاعره عند الحاجة، ولا تتردّد في الإنصات إليه حتى ولو أُعاد الحديث مرارًا وتكرارًا، ولكن لا تضغط عليه بالمقابل إن لم يكن على استعداد للتكلّم والنقاش، وإنما قم بطمأنته أنّك متواجد في أي وقتٍ يرغب فيه بالكلام، كما أنّ عليكَ محاولة تجنّب التهديد بإنهاء العلاقة بينكما لمنع زيادة حدة أعراض الاضطراب، خاصةً وأنّ العلاقات بالنسبة للمصابين باضطراب ما بعد الصدمة ذات أهميّة بالغة.
    اختر وقتًا مناسبًا للتحدث: عند الرغبة في فتح باب الحوار، حاول اختيار الوقت المناسب لذلك بعيدًا عن الأمور التي تشتّت الذهن، فهذا يساعد على الإصغاء بحرص وطرح الأسئلة المناسبة لفهم طبيعة مشاعر المصاب بصورة أفضل، ومعرفة كيفيّة تقديم المساعدة له، وبالمقابل، تجنب فرض التوقعات وإصدار الأحكام بشأن ما يشعر به، مثل قولك: “أنا أعلم تمامًا ما مررت به”، أو إلقاء النصائح غير المرغوب بها، كأن تطلب منه الخروج من الحالة التي يضع نفسه فيها، بل اترك له زمام المبادرة بما يجب عليه فعله، فكل شخص يعلم ما يمكن أن يساعد على تهدئته وإشعاره بالأمان.
    – كُن متعاطفًا: وفّر للمصاب باضطراب ما بعد الصدمة سبل الراحة وقدّم له العاطفة والحنان عندما يعاني من القلق الشديد، أو تبدأ لديه صور وذكريات قاسية من الماضي والصدمات التي تعرّض لها بالظهور، وساعده على الشعور بمحيطه بدلًا من الانغماس في آلامه.
    حافظ على الهدوء وكن مسترخيًا وأكثر تركيزًا: فالهدوء والاسترخاء يزيد من قدرتك على فهم مشاعر المصاب، كما أنّ عليكَ التأكد من توفّر المساحة الكافية له حتى يشعر بالراحة أيضًا.
    كن صبورًا أثناء التعامل مع المصاب: حاول المحافظة على التعامل بإيجابيّة وتقديم الدعم اللازم للمصاب بصبر وعدم استعجال للنتائج، خاصةً وأن عملية التعافي تستغرق وقتًا طويلًا ويتخلّلها الكثير من العقبات.
    حدد المحفّزات: حاول معه تحديد المحفزات التي من شأنها أن تعيد شريط ذكريات الماضي، أو تثير كوابيس مرعبة وحدوث نوبة الهلع، سواءً كان شخصًا أو مكانًا أو موقفًا أو مشاعر وأحاسيس داخلية، فقد تكون المحفّزات عبارة عن أصوات عالية، أو أماكن مغلقة، أو شعور بالضعف والاستياء، أو أي شيء آخر تعرض له، ومن جهةٍ أخرى، من الجيد معرفة الأمور التي تساعده على نسيان الحدث المؤلم وتجاوزه، وبعد ذلك يمكن مساعدته على وضع خطّة لمواجهة المحفزات في ما بعد بهدوء وتأنّي.
    لا بأس في الابتعاد قليلًا: فأنت بصفتك شريك داعم ولست معالجًا متخصّصًا قد تلقّى التدريب اللازم للتعامل مع حالات ما بعد الصدمة، يمكنك استئناف المحادثة في وقتٍ آخر إذا شعرت بأنّ المحادثة بينك وبين شريكك المُصاب تزداد حِدّة.
    – ثقف نفسك حول اضطراب ما بعد الصدمة: تعرّف على اضطراب ما بعد الصدمة وتأثيره على العلاقات، فكلما زادت معرفتك عنه وعن أعراضه وعلاجاته الممكنة، كلما كنت قادرًا على فهم ما يمرّ به المصاب حقًّا، وأكثر قدرة على مساعدته بشكلٍ أفضل.
    – قدم المساعدة اللازمة في الأوقات الشديدة: استجب بهدوء وتأهب فورًا لوضع خطة طارئة إذا بدأ شريكك المصاب التحدّث عن ميله للانتحار، أو في حال اعتقدت بوجود محاولات لقيامه بذلك، في هذه الحالة يمكنك إزالة أي أسلحة أو أقراص دوائيّة يمكن استخدامها في إيذاء النفس، وتجنّب تركه بمفرده قدر الإمكان، واحصل على المساعدة من معالج مختص في أقرب وقتٍ ممكن.
    – مارس الأنشطة الممتعة مع الشخص الذي يعاني الاضطراب: قد يشعر المصاب باضطراب ما بعد الصدمة بالثقل على الآخرين أو بعدم قدرته على فهم تجربته المؤلمة، لذلك أنت تلعب دورًا رئيسيًّا في تعافيه، فقدم له الدعم المناسب وأخرجه من دائرة التجارب المؤلمة بممارسة الهوايات والأنشطة الممتعة معه.
    – ابنِ الثقة بينك وبينه: يصعب على المصاب باضطراب ما بعد الصدمة أن يرى العالم من حوله بنظرة إيجابيّة أو أنّه جديرٌ بالثقة، وقد يشعر بالخطر يترصّده في أيّ مكان، لذلك قم بإعادة بناء الثقة بينك وبينه بالالتزام التام بوعودك وما تقوله حقًّا، وشاركه في القيام بالأعمال الروتينية حتى يستعيد شعوره بالاستقرار والأمان.
    التعامل مع الغضب والتقلّب: قد يعاني المصاب باضطراب ما بعد الصدمة من مشاعر الحزن أو الضعف والعجز، أو يعاني من الإجهاد البدني والعاطفي، وصعوبة في النوم، والذي عادة ما يكون مضمورًا وراء مشاعر الغضب والهيجان، وذلك لصعوبة سيطرته على عواطفه، وفي هذه الحالة يمكنك اتخاذ بعض الإجراءات المناسبة لتهدئة الشخص ومساعدته، كأن تحاول البقاء هادئًا قدر الإمكان، مع إعطائه المساحة الكافية حتى يشعر بالأمان وعدم التهديد، وقد يساعد أيضًا الاستفسار منه عن أفضل الطرق التي يمكن من خلالها تقديم يد العون لتخفيف مشاعر الغضب والتخلّص منها، والاهتمام بتوفير مسافة أمان بينك وبينه لتحافظ على سلامتك في حال تصاعدت مشاعر الغضب لديه مع محاولاتك تهدئته، كما يجب عليك المحافظة على سلامة أسرتك بطلب المساعدة عند وجود خطر.
    – شجعه على طلب المساعدة والعلاج: فعلى الرغم من أهمية الدعم والمساعدة الذي تقدّمه للمصاب باضطراب ما بعد الصدمة، فإنّ ذلك قد لا يكون كافيًا لتحريره من قيود ماضيه المؤلم، لذلك حاول تشجيعه على طلب العلاج من طبيب مختص في الوقت المناسب، وبطريقة غير مباشرة، كأن توضح له كيف يمكن للعلاج أن يساعده على التحكّم بنوبات غضبه وشعوره بالقلق وأيّة مشاعر أخرى تزعجه، وأنه سيكون وسيلة لتعلم مهارات جديدة، أو اطلب منه التحدث إلى شخص يحبه ويهتم برأيه.
    – شجعه على الانضمام لمجموعات دعم: إذ قد يساعده التواصل مع أشخاص آخرين مرّوا بنفس تجاربه المؤلمة على تخفيف مقدار شعوره بالألم والوحدة.
    – اعتنِ بنفسك: يجب عليك الاهتمام بنفسك إلى جانب الاهتمام والتركيز على احتياجات الآخرين، فأنتَ تحتاج القوّة اللازمة التي تساعدك على مساندة وتلبية احتياجات المصاب، وتحميك من استنزاف كامل طاقتك وتعرّضك لصدمة ثانويّة جرّاء تعاملك مع الشخص الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، إذ يمكنك إعادة شحن طاقتك والاعتناء بنفسك بممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على القسط الكافي من الراحة والنوم، وتناول الغذاء الصحي والمتوازن، وتقوية العلاقات مع الأفراد المحيطين بك، وممارسة الأنشطة والهوايات الممتعة، إلى جانب طلب الدعم من الآخرين وتوزيع المسؤولية على غيرك، ووضع حدود واضحة بما يمكنك تقديمه لدعم العلاقة، ولا تنسى طلب المساعدة من المعالج المختص إذا واجهت صعوبة بالغة في التأقلم، أمّا إذا بلغت العلاقة درجات عالية من الأذى والإساءة، ولم يبقَ لديك القدرة على تقديم المساعدة دون إلحاق الضّرر بنفسك، فابحث عن الأمان وابتعد.

التعامل مع الضغوطات التي يعانيها المصاب باضطراب ما بعد الصدمة يتطلب منكَ أن تتمتّع بالهدوء واللطف، وأن تتحلى بالكثير من الصّبر، حاول دائمًا أن تكون عطوفًا وداعمًا ومستمعًا جيّدًا للمصاب إذا كان فردًا من أفراد أسرتك، أو صديقك، أو شريكك، وانصحه بطلب المساعدة المتخصّصة إن استدعى الأمر ذلك، فقد يكون وقوفك إلى جانبه سببًا في تخطّيه هذه المرحلة الصعبة في حياته، والمضي قدمًا في إنجاز المهام والأعمال المطلوبة منه دون تردّد، ولا تنسَ أن تولي اهتمامًا بنفسك حتى تبقى قويًّا في مواجهة أي مشكلات في هذه الرحلة.

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى  

المراجع:

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *