لا شكّ في أنّنا قد مررنا في حياتنا بأوقاتٍ نميلُ فيها إلى البقاء في المنزل، والابتعاد عن حضور المناسبات والاختلاط مع الناس، ربما لأننا لا نقوى في تلك الأوقات على العناية بمن حولنا، ولا نُعيرُ اهتمامًا لبعض التفاصيل المزعجة، وخلال مدّة قصيرة نتمكّنُ فيها من استعادة توازننا وشحن طاقاتنا، والعودةِ إلى ممارسة أنشطتنا اليوميّة كما اعتدنا، غير أنّ هذه الفترة التي مررنا بها قد تكون نمط معيشةِ بعض الأفراد الذين يعانون من متلازمة ديوجانس، ولتتعرّف أكثر على هذه المتلازمة، يمكنك الإطلاع على هذا المقال.

 

ما هي متلازمة ديوجانس؟

تُعرف متلازمة ديوجانس (Diogenes syndrome)‏ على أنّها اضطراب سلوكي يظهرُ على صورة ميول لعدم العناية بالنفس أو بالبيئة المحيطة، وإهمالها، مع شعور باللّامبالاة، والقيام باكتناز القمامة كسلوكٍ قهريّ، والأهمُ من ذلك، عدم الشعور بالخجل والحَرَج، فيؤدّي ذلك إلى عدم الاهتمام في النظافة، وامتلاء المنزل بالأوساخ والقاذورات، مما يسببُ المعاناة من مشكلاتٍ صحيّة واجتماعيّة مختلفة، وفي الحقيقة، يشارُ إلى أنّ الشخص المصاب بمتلازمة ديوجانس الأوليّة يتميّز بالذكاء، ولكنّه في المقابل قد يكون عدوانيًّا وعنيدًا ومريبًا، ويعاني من التقلقل الانفعاليّ (Emotional lability)، وعدم واقعيّة الإدراك الحسّي لديه.

وتجدرُ الإشارة إلى أنّ سببَ تسميةِ متلازمة ديوجانس بهذا الاسم يعود إلى الفيلسوف اليونانيّ ديوجانس الكلبي (Diogenes of Sinope) الذي عاش خلال القرن الرابع قبل الميلاد، إشارةً إلى ميله للعزلة ورفض العالم الخارجي، وذلك على الرغم من عدم تشخيص إصابته بهذه المتلازمة إطلاقًا، فقد كان ديوجانس أول المتشكّكين الذين دافعوا عن مبادئ الاكتفاء الذاتي والطمأنينة غير المرتبطة بالممتلكات الماديّة، كما أنّه عُرِفَ بتشاؤُمِه ورفضِه تبنّي العديد من الأفكار التقليديّة، كما أنّه عاش في العراء والأماكن العامّة في حالةٍ يرثى لها، عدا عن تسوّله من أجل الحصول على طعامه، ولهذا حقّق ديوجانس القدرة على تقليل احتياجاته إلى أدنى درجة ممكنة، وقد عُرف أنّه تبنّى بعض القيم وجعلها مُثلَهُ العليا في الحياة، وأهمُّ هذه القيم: “عدمُ الشعور بالخزي والخجل”، “الصراحة”، “ازدراء النظام الاجتماعي”، ” التحرّر من العاطفة” و “الحياة وفقًا للطبيعة”، ومع ذلك، يبدو أنّ الدافع وراء ظهور متلازمة ديوجانس لدى البعض يتمثّل بالرفض المشكوك فيه للعالم، وليس الرغبة في إثبات الاكتفاء الذاتي، والعيش بدون ممتلكات ماديّة على أنهُ مبدأُ حياة. 

 

ما هي أعراض متلازمة ديوجانس؟

تؤثر معظم حالات متلازمة ديوجانس في الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الستون عامًا، ولكنّها قد تظهر أحيانًا في فترة منتصف العمر، وعادةً ما تتطوّر تدريجيًّا مع الوقت، ومن أعراضها:

  • الانسحاب من المواقف الاجتماعيّة، ومحاولة تجنّب الآخرين، ويكون ذلك في المراحل الأولى من الإصابة بالمتلازمة.
  • سوء إصدار الأحكام، وحدوث تغيّرات في الشخصيّة، واتباع سلوكيات غير لائقة.
  • عدم فهم موضوع النظافة الذاتيّة أو الصحّة والسلامة العامّة.
  • القلق الاجتماعي الشديد.
  • الشكوك العامّة، أو البارانويا (Paranoia).
  • العُزلة أو الانفصال عن الواقع.
  • عدم الوثوق بالغرباء أو بأفراد المجتمع.
  • العيش في ظروف غير صحيّة أو غير آمنة، فقد تتراكم كميات هائلة من النفايات في المنزل، وتفوح منها رائحة كريهة، وربما تنتشر القوارض وتغزو المكان.
  • ميولات اندفاعيّة وقهريّة.
  • سوء تغذية.
  • الخوف أو عدم الثقة بالمختصين في مجال الطبّ.
  • الاكتناز المفرط أو القيام بجمع الفضلات والأدوات المنزليّة.
  • عدم الرغبة في قبول المساعدة أو التدخّل الخارجيّ.
  • العداء اتجاه الآخرين.
  • اتخاذ مفهوم مشوّه عن الواقع.

 

ومن العلامات التحذيريّة الصحيّة التي قد تظهر على  الشخص الذي لم يتم تشخيصه بمتلازمة ديوجانس:

  • ظهور المشكلات الجلديّة بسبب سوء النظافة، أو انتشار البراغيث والقمل.
  • زيادة نموّ أظافر اليدين والقدمين.
  • الشعر الأشعث أو المتموّج.
  • التعرّض لإصابات غير معروفة الأسباب.
  • وجود رائحة كريهة للجسم.
  • الظهور بشكل أشعث.
  • المعاناة من سوء التغذية.
  • نقص سوائل الجسم، أو المعاناة من الجفاف (Dehydration)‏.

 

عوامل خطورة الإصابة بمتلازمة ديوجانس:

يقدّر معدّل حدوث  هذه المتلازمة سنويًّا بحوالي:(0.5 لكل 1000) من السكان ممّن أعمارهم ستون عامًا أو أكثر، إلا أن تشخيصه قد يكونُ صعبًا في بعض الأحيان، بسبب تشابه أعراضه مع الاضطرابات السلوكيّة والفكريّة الأخرى.

  • ومن العوامل التي قد تزيد من فرصة الإصابة بمتلازمة ديوجانس:
  • العمر: فهو يصيب غالبًا الأشخاص بعد عمر ال60 .
  • المهنة أو حالة اجتماعيّة واقتصاديّة معيّنة.
  • العيش وحيدًا، فقد لُوحِظَ أنّه يؤثر أكثر في كبار السنّ الذين يعيشون وحدهم في غياب الأقارب الذين يقدمون لهم الرعاية اللّازمة.
  • الجنس: فهو يؤثر في كلا الجنسين رجالًا ونساءً، ولكنّه قد يظهر بصورة أكبر لدى النساء، خصوصًا الأرامل.
  • التعرّض للتوتّر الشديد بسبب حدث صادم، مثل: موت شخص عزيز.
  • الإصابة بمشكلة صحيّة معينة، مثل الاكتئاب، ومشكلات النظر، والجلطة الدماغيّة، وفشل القلب الاحتقاني (Congestive heart failure)، وصعوبة الحركة بسبب كسور العِظام أو التهاب المفاصل، والخَرَف.
  • وجود تاريخ سابق للإصابة بمشكلات نفسيّة أو عقليّة، أو التعرض للإساءة، أو تعاطي المخدرات.
  • التمتّع بصفات شخصيّة معيّنة، مثل العُزلة عن الآخرين، والشكّ، وعدم الودّ والانطواء.

 

كيف تُشخّص متلازمة ديوجانس؟

لا تصنّف متلازمة ديوجانس مرضًا بحدّ ذاتها، لذلك قد تظهر الأعراض المصاحبة لهذه المتلازمة في حالات الإصابة بمشكلات صحيّة أو نفسيّة أخرى، مثل الخَرَف، والفُصام، والاكتناز القهري أو اضطراب التخزين (Compulsive hoarding)، ويُطلق على هذه الحالة (متلازمة ديوجانس الثانويّة)، ومع ذلك، تظهر بعض حالات متلازمة ديوجانس دون وجود مشكلات نفسيّة أخرى، وتُعرف حينها باسم (متلازمة ديوجانس الأوليّة).

تجدُر الإشارة إلى أنّ مراجعة الطبيب من قِبل المصاب بمتلازمة ديوجانس نادرًا ما تحدث، ففي معظم الأحيان يلجأ أحد أفراد الأسرة إلى مراجعة الطبيب وطلب المساعدة بالنيابة عنه، وربما يلجأ الجيران أيضًا إلى تقديم الشكوى، وفي مرحلة التشخيص، قد يتَبِعُ الطبيب التالي:

  • الاطلاع على التاريخ الاجتماعي والسلوكي للشخص الذي يعاني من هذه المتلازمة، ومراجعة وجود شكاوي وإبلاغات ضدّه من قِبل الجيران والآخرين في المنطقة، وهذا قد يكونُ دليلًا على وجود مشكلة.
  • أخذ التاريخ الطبّي والنفسيّ الشامل للشخص.
  • تقييم الشخصيّة، والذي قد يسلّط الضوء على السّبب الأساسي لحدوث هذه المشكلة.
  • إجراء الفحص الجسدي للشخص الذي يعاني هذه المتلازمة.
  • عمل تحاليل الدم اللّازمة.
  • اختبارات التصوير، مثل: التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو تصوير مقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET scan)، مما يساعد الطبيب في التعرّف على السّبب الكامن وراء الإصابة بمتلازمة ديوجانس.

 

كيف تُعالج متلازمة ديوجانس؟

قد يترتّب على عدم الخضوع للعلاج في حالات الإصابة بمتلازمة ديوجانس زيادة مخاطر التعرّض إلى مشكلات صحيّة وإصابات تهدّد الحياة، بل إنّ عدم تحسّن الأعراض قد يؤدّي إلى تعريض الأشخاص في المحيط إلى مخاطر البيئة السيئة، ولهذا يجبُ الرجوع إلى الطبيب وطلب المساعدة حتى يتسنّى له وضع الخطّة العلاجيّة السليمة والمناسبة للمصاب معتمد على عددٍ من العوامل.

ومن أهم الخيارات العلاجيّة المطروحة في حالات علاج متلازمة ديوجانس:

  • الاستشارة والعلاج النفسيّ: فقد يحتاج المصاب اتباع طرق العلاج السلوكي في حال كان لديه القدرة على متابعة علاجه بنفسه، وربما يتطلّب الأمر الحصول على جلسات مكثّفة من العلاج والاستشارات النفسيّة.
  • العلاج بالأدوية: لا يوجد علاج نفسي أو دواء محدّد يمكنه السيطرة على متلازمة ديوجانس، ولكن قد يصِف الطبيب أدوية معيّنة لعلاج المشكلات الأخرى التي يعانيها المصاب وتخفيف أعراضها، مثل استخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (Selective serotonin reuptake inhibitor) للسيطرة على الاكتناز القهري (Compulsive hoarding)‏.
  • الدعم الاجتماعي: يتوجّب على الأشخاص الذين يتعاملون مع حالات متلازمة ديوجانس التمتّع بالحساسيّة المفرطة، ومحاولة توفير الشعور بالأمان للمصابين، وعدم إصدار الأحكام عليهم، إذ يوفّر الدعم المجتمعي العديد من الخدمات في هذه الحالات إلى جانب أنظمة الدعم الأخرى التي تساعد على علاج الأسباب الكامنة وراء الإصابة بهذه المتلازمة، مثل تقديم خدمات التنظيف والرعاية الشخصيّة، وغيرها.

 

نصائح لمن يقدم الدعم للمصاب بمتلازمة ديوجانس؟

قد تشعر بالإرهاق والتعب الشديد وأنت تحاول تقديم يد المساعدة لمن يعاني متلازمة ديوجانس، وبالكاد تستطيع التواصل معه بصورة طبيعيّة كما كنت بالسابق، وفي هذه الحالة قد يفيدك اتباعُ التالي:

  • محاولة توفير الرعاية الطبيّة والقانونيّة للمصاب في حالة عدم تمكّنه من رعاية نفسه.
  • الإيداع الجبري (Involuntary commitment) في حالة عدم قدرته على اتخاذ القرارات السليمة بنفسه، ويُعرف الإيداع الجبري بأنّه تنفيذ حكم قضائي يتضمّن إيداع الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسيّة في المستشفيات وأماكن الرعاية جبريًّا، بناءً على رأي المختصين، مع وجود أدلة على تعريض أنفسهم أو غيرهم للأذى، وتختلف قوانين هذا الحكم من دولةٍ إلى أخرى.
  • طلب تقييم الخدمات المجتمعيّة المحليّة لتقديم المساعدة بعناية وحساسيّة مفرطة.
  • المتابعة مع المصاب من أجل تلقيه العلاج المناسب.
  • يمكنُ التعافي من متلازمة ديوجانس عند توفّر الرعاية الطبيّة والمجتمعيّة والقانونيّة الملائمة، إلى جانب وجود أصدقاء وأفراد من العائلة يرغبون بتقديم المساعدة بالفعل، فالحصول على الدعم من قبل الآخرين يعدّ عنصرًا أساسيًّا ومهمًّا في خطّة العلاج، خاصةً وأنّ المصاب يميل عادةً إلى إهمال سلامته الجسديّة ونظافته، ولكن، يجب دائمًا التحلّي بمشاعر التعاطف والحب أثناء التعامل مع المصاب، وعدم إثارة الشعور بالانزعاج والحَرَج لديه، والأخذ بيده خطوةً بخطوة، بعيدًا عن الرغبة في تحقيق النتائج بسرعة.

 

***تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى.

 

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *