متلازمة مونخهاوزن (Munchausen syndrome)

هل ادّعيت يومًا أنّك تعاني من المغص أو الانفلونزا وعدم القدرة على مغادرة السرير للتغيّب عن المدرسة؟ أو برّرت لمديرك عدم الحضور للعمل بأنك تعاني ظرفًا صحيًّا صعبًا فقط لتُخرِج نفسك من المأزق؟ هذه المواقف وغيرها شائعٌ بكثرة في المجتمع، فإدّعاء المرض بهدف تحقيق منفعة ماديّة أو مصلحة معيّنة يعدّ تمرّدًا أو خداعًا ملتويًا يجب العمل على تقويمه، ولكن ماذا إن كان إدّعاء المرض لا يتعلّق بمنفعة ماديّة وإنّما يكون سلوكًا هدفه اكتساب تعاطف الآخرين؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.

 

ما هي متلازمة مونخهاوزن؟

تعرف متلازمة مونخهاوزن أو اضطراب المرض الافتعالي (Munchausen syndrome) على أنّها واحدةٌ من المشكلات النفسيّة التي تصنّف كاضطراب مفتعل (Factitious disorder) وتسمّى كذلك ب Factitious disorder imposed on self، وتظهر على صورة إدّعاء المرض الجسديّ أو النفسيّ من خلال محاولة إظهار أعراض معيّنة للمرض بشكلٍ متعمّد ومتكرّر، أو المبالغة حول أعراض الإصابة، كل ذلك بهدف اكتساب التعاطف والاهتمام من الآخرين، وقد سميت المتلازمة بهذا الاسم نسبةً إلى البارون مونشهاوزن (Baron Munchausen) الذي كان معروفًا بتزيين قصصه وتجاربه في الحياة.

في معظم الحالات تتعلق متلازمة مونخهاوزن بافتعال المرض الجسدي أكثر من افتعال المرض النفسي، كما ويمكن اعتباره واحدًا من أكثر أنواع الاضطراب المفتعل شِدّة، فالمصاب يشعر بحاجة شديدة لأن يراه الآخرين مريضًا أو مصابًا دون وجود دوافع حول تحقيق منفعة ماديّة ملموسة، كالحصول على الأدوية أو تحقيق مكاسب ماديّة، أو رغبةً في التمرّد على القوانين وكسرها، وعلى الرغم من أن المصابين يعرفون أنهم يفتعلون الأعراض والاعتلالات لديهم فإنهم قد لا يكونون على وعي بالأسباب الكامنة وراء تصرفاتهم أو يدركون أن لديهم مشكلة.

 

قد يحدث هذا الاضطراب أيضًا عندما يقوم أفراد العائلة أو مقدمي الرعاية بتقديم الآخرين كالأطفال على أنهم مرضى أو مصابون أو معاقون على نحو كاذب.

أعراض متلازمة مونخهاوزن؟

كما ذكر سابقًا، تظهر أعراض متلازمة مونخهاوزن على صورة إثارة أعراض المرض بصورة مستقصدة، ويعمد المصاب إلى باتّباع أي وسيلة ممكنة  لتحقيق ذلك، سواءً بإيذاء النفس، أو تزييف الأعراض، أو التلاعب بنتائج المختبر وفحص العينات، فمثلًا، قد يسعى المصاب إلى تلويث الجرح بالأوساخ ليصيبه بالالتهاب، أو يدّعي معاناته من بعض الأعراض الجسدية، كآلام الصدر أو البطن، وفي حالات أخرى يدّعي ظهور بعض الأعراض النفسيّة، كسماع أصوات، أو رؤية أشياء غير موجودة في حقيقة الأمر.

وعلى أيّ حال، من أبرز الأعراض التحذيريّة للمرض:

  • ظهور مجموعة غريبة من الأعراض غير المترابطة، أو الأعراض غير الواضحة والتي لا يمكن السيطرة عليها، ومن المحتمل أن تتفاقم أو تتغير بمجرّد بدأ العلاج الطّبي.
  • ظهور أعراض جديدة بعد الحصول على نتائج اختبارات تنفي وجود مشكلة.
  • وجود معرفة عميقة وواسعة حول العديد من الأمراض والمشكلات الصحيّة، والمصطلحات الطبيّة والمستشفيات.
  • زيارة العديد من الأطباء باستمرار، وقد ينتقل المصاب أيضًا لبلدان أو مناطق أخرى.
  • عدم قدرة الأطباء على إيجاد نتائج حاسمة رغم إجراء العديد من الفحوصات العميقة.
  • تاريخ طبي حافل بالعديد من الإجراءات والعمليات الطبيّة والفحوصات المخبريّة، ولكنّها غير مترابطة.
  • وجود ندبات جراحيّة عِدّة على الجسم.
  • ظهور الأعراض عندما يكون متواجدًا مع الآخرين، أو يشعر بأنّ أحدًا يراقبه.
  • عدم التحسّن رغم تلقّي العلاج، وانتكاس الحالة لأسبابٍ مجهولة.
  • استمرار طلب إجراء عمليات أو إجراءات طبيّة.
  • مشاكل في احترام الذات والهويّة.
  • رفض المريض اجتماع الأطباء مع بعضهم أو التحدث مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، أو التواصل مع الأطباء السابقين، ويحاول عدم السماح بحدوث ذلك.

 

وإذا كان المريض منضمًّا لمجموعات تعاني مشكلات صحيّة معيّنة عبر الانترنت، فإنّه غالبًا ما يقوم بالآتي: 

  • الكذب على الآخرين بشأن المستشفى الذي يراجعه، وأنواع الأدوية التي يتناولها، وما إلى ذلك.
  • التظاهر بعدم المبالاة بشأن الأعراض التي يحاول إظهارها.
  • التظاهر بوجود أحداث قوية وشديدة يتعرّض لها بصورة مستمرّة، كوفاة أحد المقربين، أو التعرّض لجريمة معيّنة.
  • الادّعاء بأنّ شِدة الأعراض أدّت إلى الوصول لمرحلة شديدة تهدّد حياته، ومن ثمّ بدأ التعافي بأعجوبة.
  • نسخ المعلومات من مواقع مختصّة بالصحّة.
  • محاولة لفت الانتباه مباشرة عندما يبدأ تركيز المجموعة على شخص آخر غيره.
  • تمثيل دور شخص آخر، كأن تمثّل أنّك صديق أو شريك، وتكتب تعليقات معيّنة تدور حول الأعراض التي تدّعيها.
  • الادّعاء باستمرار بأنّ أعراض أكثر شِدّة مقارنةً بأي شخص آخر.

 

مضاعفات متلازمة مونخهاوزن

الإصابة بمتلازمة مونخهاوزن قد تجعل الشخص عُرضة لعدد من المضاعفات، أهمها:

  • حدوث مشكلات وردود فعل قوية ناجمة عن الخضوع لإجراءات طبيّة واستخدام الأدوية وعمل تحاليل مختلفة.
  • الإصابة بمشكلات صحيّة مختلفة أو حتى الوفاة بسبب إيذاء النفس أو القيام بتصرفات معيّنة بهدف إظهار الأعراض.
  • ارتفاع خطورة تعاطي المخدّرات، ومحاولة الانتحار.

 

أسباب متلازمة مونخهاوزن؟ 

يصعب تحديد سبب الإصابة بمتلازمة مونخهاوزن، غير أنّ هذا الاضطراب قد يكون ناتجًا عن اجتماع عوامل بيئيّة وبيولوجيّة تحدث أثناء تطور الطفل، وبشكلٍ عام، من العوامل التي قد تسبّب ظهور متلازمة مونخهاوزن:

التعرّض لصدمة عاطفيّة خلال مرحلة الطفولة، كالهجران أو الإهمال، فيقوم بادعاء المرض ليشعر بأنّه مركز الاهتمام، أو لأنّه لا يقدّر نفسه ويشعر بقيمته، أو يقوم بهذا الفعل لنقل المسؤوليّة من الأشخاص المعنيّين برعايته لأشخاص آخرين.

  • تلقّي رعاية طبيّة أو تدخّل علاجي قوي خلال مرحلة الطفولة، الأمر الذي قد دفع الأبوين والمسؤولين عن الرعاية إلى تكثيف الاهتمام بالطفل والخوف الدائم عليه، لهذا السَّبب قد يحاول استرجاع الشعور ذاته مرّة أخرى بعد ما أصبح راشدًا بإدّعاء المرض.
  • وجود اضطرابات في الشخصيّة، فقد لاحظ الباحثون أنّ متلازمة مونخهاوزن شائعة بين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الشخصيّة، بالأخص: اضطراب الشخصية الحدي (Borderline personality disorder)، واضطراب الشخصيّة المعادية للمجتمع (Antisocial personality disorder)، واضطراب الشخصيّة النرجسيّة (Narcissistic personality disorder).
  • عدم قدرة الشخص على الشعور بذاته وهويّته، وصعوبة إقامة علاقات قويّة مع الآخرين، والتمارض يسمح له بالتأقلم عن طريق تلقّيه القبول والدعم من قِبل الآخرين.
  • وجود حقد داخلي تجاه المتخصّصين في المجال الطّبي، أو ذوي السلطة.

 

عوامل خطورة الإصابة بمتلازمة مونخهاوزن

يكون البعض أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة مونخهاوزن، ومن العوامل التي تساهم في ذلك: 

  • مواجهة مشكلات في الهويّة أو النظرة إلى الذات.
  • صعوبة تمييز الواقع عن الخيال.
  • وجود مشكلات في العلاقات.
  • محاولة تبرير الفشل الشخصيّ بإلقاء اللوم على المعاناة من المرض.
  • وجود تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • القدرة الشديدة على الكذب والخداع.
  • -الرغبة في الارتباط بالأطباء أو المراكز الطبية أو العمل في مجال الرعاية الصحية.
  • إصابة أحد أفراد العائلة بمرض مزمن خلال فترة الطفولة، وكان هذا الفرد ذو أهميّة بالنسبة للطفل.

 

تشخيص متلازمة مونخهاوزن

يعدّ تشخيص متلازمة مونخهاوزن صعبًا بالنسبة للأطباء بسبب افتقار العمليّة لعنصر الصراحة والصدق من جانب المصاب، كذلك بسبب ضرورة استبعاد مجموعة من الأمراض الجسدية والعقليّة قبل البدء بالتشخيص، وما يزيد الأمر تعقيدًا هو رجوع المصاب إلى عدد من الأطباء ليمنع حدوث نقاش في ما بينهم.

يُحيل الطبيب المصاب إلى الطبيب أو الأخصائي النفسيّ في حال لم يجد سببًا لظهور أعراضه أو إذا أمكنه ملاحظة قيام المصاب نفسه بإثارة الأعراض الظاهرة عليه، إذْ يقوم الطبيب أو المختصّ النفسي بتقييم حالة المصاب باستخدام أدوات معيّنة تمكّنه من ذلك، ويبني التشخيص بناءً على ملاحظة سلوك المريض وموقفه، واستبعاد وجود المرض العقلي أو الجسدي فعليًّا وملاحظة الآتي:

  • عدم مطابقة الأعراض التي يعانيها المصاب لنتائج الفحوصات.
  • عدم استجابة المصاب للعلاج بالطريقة المتوقَّعة.
  • الحرص على الخضوع للإجراءات والعمليات الطبيّة.
  • عدم تأكيد الأشخاص الموجودين في حياة المصاب معاناته من أيّة أعراض.

 

علاج متلازمة مونخهاوزن

كما هو الحال مع صعوبة تشخيص المتلازمة، يعدّ علاج متلازمة مونخهاوزن أيضًا تحديًا بالنسبة للطبيب والأشخاص المحيطين بالمصاب كونه يرفض فكرة وجود مشكلة يعانيها والتعاون مع الطبيب، فقد يفيد في هذه الحالة عدم مصارحة المصاب بوجود مشكلة وإقناعه بأنّ مراجعة الطبيب النفسي تفيده بأي شكلٍ كان، بينما يؤيّد آخرون ضرورة مواجهة المصاب بصراحة وسؤاله عن سبب ادّعائه المرض، وما إن كان يعاني القلق والتوتر.

ويهدف العلاج في هذه الحالة إلى تعديل سلوك المصاب وتقليل سوء استخدامه للمصادر الطبيّة، ومحاولة السيطرة على أيّة مشكلات نفسيّة قد تكون السّبب وراء اتّباعه هذا السلوك، ومنعه من الانخراط في إجراءات طبيّة غير ضروريّة قد تهدّد سلامته.

 ومن الطرق العلاجيّة التي قد يتبعها الطبيب في علاج المصاب:

 

العلاج النفسي والعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy)

لا يوجد خطّة علاجيّة معيّنة يتبعها الطبيب للسيطرة على أعراض متلازمة مونخهاوزن، ولكن اتّباع طريقة التحليل النفسي (Psychoanalysis) والعلاج المعرفي السلوكي قد يكون ناجحًا وفعّالًا، إذ يساعد العلاج المعرفي السلوكي المصاب على تحديد أنماط سلوكه وأفكاره غير الواقعيّة، واستبدال المعتقدات غير المنطقية بأخرى متوازنة وأكثر واقعيّة بإيجاد أفضل الطرق لتحقيق ذلك، أمّا التحليل النفسي فهو يساعد على كشف المعتقدات والحوافز في العقل الباطن وحلّها.

 

العلاج العائلي

ينطوي العلاج العائلي على ضمّ أفراد العائلة المقربين والمصاب للعلاج ومناقشة كيفيّة تأثرهم بالاضطراب، وتحديد التغيرات الايجابيّة التي يمكن اتّباعها لإحداث التغيير، وتوجيه العائلة إلى اتّباع الأساليب المناسبة التي تمنع اتّباع المصاب سلوكياته غير الطبيعيّة.

 

العلاج الدوائي

لا يوجد دواء معيّن يُعطى للمصاب بمتلازمة مونخهاوزن لعلاج الاضطراب الذي يعانيه، ولكنْ قد يوصي الطبيب بتناول أدوية معيّنة تساعد على تخفيف أعراض القلق أو الاكتئاب، مع التأكيد على ضرورة اتباع تعليمات الطبيب بشأن طريقة استخدام الأدوية، كما يجب مراقبة المصاب عن كثب للتأكد من عدم استخدامه الأدوية بطريقةٍ مؤذية.

   

 كيف يمكن للمصاب بمتلازمة مونخهاوزن العناية بنفسه؟

حاول اتباع كافّة التعليمات التي يوصي بها الطبيب، وحضور مواعيد العلاج بانتظام، إلى جانب أهميّة التعامل بصراحة وصدق مع الطبيب بخصوص تحديد مواعيد لزيارة أطباء آخرين ودخول المستشفيات.

 

نصائح للتعامل مع المصاب بمتلازمة مونخهاوزن

إذا كنت تتعامل مع المصاب بهذه المتلازمة قد يفيدك:

  • التعرّف أكثر عن الاضطراب وأعراضه.
  • مناقشة المصاب حول إمكانية صرف الأدوية بدلًا منه.
  • التأكد من حضور الشخص الذي يعاني متلازمة مونخهاوزن مواعيده مع الطبيب.
  • تجنّب إظهار القلق أو توجيه الدّعم للمصاب في الوقت الذي يتبع فيه أسلوب ادّعاء المرض، مع الأخذ بنصائح الطبيب بهذا الخصوص.

 

متلازمة مونخهاوزن بالوكالة

تختلف متلازمة مونخهاوزن بالوكالة (Munchausen Syndrome by Proxy) أو اضطراب المرض الافتعالي الذي يتم فرضه على شخص آخر (Factitiuos disorder imposed on another) عن متلازمة مونخهاوزن بكونها تعني ادّعاء إصابة شخص آخر بالمرض وتزييف أعراضه، وهي من الاضطرابات النفسيّة التي غالبًا ما تظهر على صورة إساءة للآخر، بحيث يقوم مقدّم الرعاية المباشر للطفل (غالبًا الأم) بتزييف وجود أعراض معيّنة لدى الطفل أو جعله يعاني أعراض معيّنة حقيقيّة ليبدو مصابًا بالمرض، وكما هو الحال مع متلازمة مونخهاوزن، قد يتبع المصاب بمتلازمة مونخهاوزن بالوكالة أمور وتصرفات مؤذية لتزييف الأعراض لدى الطفل، كالتلاعب بفحوصاته، وحرمانه من الأكل والشراب، ورفع حرارة الغرفة التي يتواجد فيها ليبدو أنّه يعاني الحمّى، وغير ذلك من السلوكيات المؤذية.

 

 

وأخيرًا، يمكن للأشخاص المصابين بمتلازمة مونخهاوزن متابعة حياتهم الطبيعيّة وضبط التصرفات التي يسلكونها بمساعدة الطبيب أو الأخصائي النفسي، مع أهميّة التعامل بمصداقيّة مع المعالِج وتوضيح السلوكيات غير المنضبطة التي يتم اتباعها لإبراز أعراض معيّنة وتداعي الإصابة بمشكلات صحيّة، ولا تتردّد في استشارة الطبيب إذا كان بين أحبتك من يعاني اضطرابًا نفسيًّا، وحاول تثقيف نفسك حول الاضطراب لتتمكن من تقديم المساعدة قدر المستطاع.

 

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى    

 

المراجع:

  

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *