“قبل إنجاب طفلي الثاني، كنتُ أعتقد بأنّ أبنائي سيكونون على وفاق كبير في ما بينهم، يتعاونون على إنهاء المهام، ويدافعون عن بعضهم البعض، ويتنازلون عن الفرص لتحقيق المنفعة لبعضهم، ولكنّ الواقع لم يكُن كذلك، فهل أنا أمٌّ سيئة؟” هذا التساؤل تطرحة الكثير من الأمهات غير موقنة بأنّ التنافس بين الأشقاء والغيرة والرغبة في التميّز أمرٌ طبيعيّ، ولا يعني وجود مشكلة في التربية أو في تنشئة الأبناء، ولكنْ، كيف يتم التعامل مع التنافس بين الأشقاء؟ لتعرف الإجابة اقرأ هذا في المقال.
ما هو التنافس بين الأشقاء؟
يحدث التنافس بين الأشقاء (Sibling rivalry) عند وجود مشاجرة أو غيرة أو تنافس بين الإخوة والأخوات، والذي يظهر على صورة مضايقات ومشاحنات، أو شتائم، أو استياء، أو تنمّر بلا رحمة، وربما ضرب بعضهم البعض، مع الشكوى المستمرّة من الظلم، ومنافسات مُضجرة لسرقة اهتمام والديهم.
وكما بينّا سابقًا، يعدّ الصراع والتنافس بين الأشقاء جزءًا طبيعيّ من نموّهم، خاصةً وأنّ الأبناء يختلفون في شخصياتهم وطباعهم وأمزجتهم، وهو من الأمور الشائعة في الأسر، ولكنّ التعامل معه ليس بالأمر الهيّن، ولا يقتصر هذا التنافس على الأبناء من نفس الأبوين، بل أيضًا قد يحدث بين الأشقاء الذين يقطنون مع بعضهم تحت سقفٍ واحد.
ما هي العوامل التي تسبّب التنافس بين الأشقاء؟
فهم الأسباب الكامنة وراء التنافس بين الأشقاء يساعد الأبوين على الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على العلاقة بين الأبناء والتحكم بها، وتوفير بيئة سلمية وبناء أسرة متماسكة ومتعاونة، ولكنْ يُمكن القول بأنّ الاحتكاك والتعامل الذي يستمر على مدار اليوم قد يشحن الأجواء بين الإخوة، ولأنّ الأبناء غير ناضجين فإنّ الهياج والنزاع قد يحفّزه عوامل مختلفة، منها:
- القرارات والتغييرات الكبيرة، التي تعد مرهقة للجميع، مثل قدوم مولود جديد، أو حدوث طلاق، وبالتالي يقوم بعض الأبناء بفرض إحباطهم على إخوتهم الأصغر سنًّا.
- الغيرة، إذْ أنّ تفوق الأبناء في بعض الأمور، وحصولهم على المديح من ذويهم أو أقرانهم قد يثير غيرة الأشقاء الآخرين.
- ترتيب الأعمار بين الأبناء، سواءً بتقارب أعمارهم أو تباعدها، وقد يكون التنافس أسوأ في حال كان الطفلين بعمر أقل من 4 سنوات.
- التمييز بين الأبناء، إن سلوك أحد الأبوين في مدح طفل وتلبية احتياجاته واهتماماته دون آخر، قد يثير حتمًا القلق فيما بينهم.
- اعتقاد كل طفل بأنه المستحق للفوز، إذْ يميل الأطفال عادةً لأن يكونوا متميزين عن أشقائهم، ويروا أن الفوز يجب أن يكون حليفهم دومًا، مما يُثير ذلك مزيدًا من التنافس في ما بينهم.
- سلوك الآباء السلبي في حل المشكلات؛ فالأطفال يكتسبون الكثير من سلوكيات الأشخاص المحيطين بهم، وخصوصًا من والديهم، لذلك قد يتعلم الطفل السلوك العدوانيّ والشجار اقتداءً بوالديه لحل مشكلاته.
- معاناة أحد الأبناء من مرض أو حالة مزمنة، ففي هذه الحالة ينصبّ اهتمام الوالدين بشكل أساسيّ على هذا الطفل، كوْنه بحاجة لمزيد من المتابعة، لذلك تبدأ تصرفات الأبناء بالتغيّر بناءً على هذا التمييز بحيث يسعون لجذب الانتباه.
- تطور الاحتياجات وتغيرها مع الوقت، وهذا قد يؤثر على ارتباط الإخوة ببعضهم، فالطفل الصغير يميل إلى الاحتفاظ بألعابه وإبعادها عن الآخرين وهذا قد يوقعه في مواجهة عنيفة مع الإخوة الأكبر عمرًا الذين يميلون لتطبيق العدل والمساواة في الحقوق، بينما يكون الطفل في مرحلة المراهقة مستقلًّا أكثر ويكره المساعدة في واجبات المنزل أو رعاية إخوته الصغار أو البقاء معهم، وهذا قد يولّد الشجار مع إخوته.
كيفية التعامل مع التنافس بين الأشقاء
لتتعامل مع التنافس بين الأشقاء ستساعدك بعض النصائح والتوجيهات على التدخل بشكل سليم خلال الصراع أو بعده للوقاية من تكرار حدوثه، وتكون على معرفة بالحالات التي تتطلب منك اللجوء للمختصين.
نصائح يمكنك القيام بها أثناء اشتعال الصراع بين الإخوة
لا توجد طريقة لوقف التنافس بين الأبناء بشكلٍ جذريّ، ولكن توجد بعض الخطوات العملية التي يمكن اتباعها خلال الصراع والشجار لإدارته بطريقة أفضل، مثل:
- البقاء هادئًا ومتحكِّمًا في زمام الأمور، والدخول بين الطرفين قبل أن يبدأ الصراع بالتصاعد.
- الابتعاد عن تأدية دور الحكم دائمًا، بل تعلم متى تتدخل في الصراع، ومتى تترك أطفالك يتدبرون أمرهم بأنفسهم، فمن الأفضل دائمًا أنْ تشجعهم على حل المشكلة لوحدهم دون تدخلك، ولكنْ عند تدخلك حاول أنْ تحل الصراع بالتشارك مع الأبناء، وليس أنْ تحله لهم بنفسك دون مناقشتهم.
- افصل بين الأطفال إلى حين شعورهم بالهدوء، فإعطاءهم المساحة لبعض الوقت يساعد على حل الصراع ويمنع تصاعده مرّة أخرى، وإذا كنتَ تريد تعليمهم درسًا من هذا الصراع انتظر إلى حين تهدئة عواطفهم.
- لا تلقِ اللوم على أحد، وتعامل مع كل طفل بحسب موقفه، وحدّد العقوبات إذا الأمر ولكنْ بعيدًا عن الآخرين.
- استمع لأطفالك واحترم مشاعرهم، ونبّههم بأنّ الضرب والصراخ هو من الأمور المحظورة في المنزل، وأكّد لهم أن التعبير بالكلمات عن مشاعرهم هو الحل الأفضل لإنهاء المشكلة، مع الابتعاد عن استخدامهم الألفاظ غير المناسبة أو الشتائم.
- قسّم الفرص الممكنة بشكلٍ عادل عند توفرها، مثلًا، قُم بتحديد وقت معين لكّل طفل للعب على جهاز الحاسوب، وفي حال عدم توافقهم امنعهم من اللعب لفترة معينة كعقوبة.
- إذا أصبح التنافس بين الأشقاء شديدًا وازدادت الأمور سوءًا إلى درجة التسبب بالمشاكل العائلية أو المشاكل الصحية الجسدية أو النفسية، بالرغم من محاولاتك المريرة، اطلب الدعم والمساعدة من المختصين.
نصائح يمكنك القيام بها لمنع الصراع بين الإخوة
للتقليل من عدد المشاجرات التي تحصل بين أبناءك ومساعدتهم على التعامل مع الخلافات في ما بينهم بطريقة إيجابية، يمكنك اتباع الاستراتيجيات الآتية:
- ضع قواعد للسلوك الجيد وحدّد العواقب للسلوك السيء؛ لمساعدة الأبناء على معرفتها والعمل بناءً عليها.
- امنح أبناءك مفاتيح حل المشكلات، كتعليمهم أهميّة الاستماع الجيّد، وعدم الصراخ على بعضهم، وتوضيح وجهة النظر بهدوء، وعدم استخدام العنف الجسدي مهما كان لحل المشكلات، وكيف تتعامل مع المواقف المشابهة بطريقة أكثر إيجابية تنتهي بحل التفاوض بين الطرفين وبنتائج مُرضية، وقدم لهم نماذج يقتدون بها لاتباعها، ووضح ما يترتب على خرق القواعد المُتّفق عليها.
- خصّص بضع دقائق لكل طفل على حدة يوميًّا بهدف الاستماع له، والتعرف على كيفية بناء التواصل الفعال والانسجام مع إخوته، واشعر كل واحدٍ منهم بالتميز والأمان والحب، وخصّص لكلٍّ منهم يومًا واحدًا بشكل أسبوعيّ أو شهري تتعاونان فيه على القيام بنشاطه المفضل، مثل: القراءة في كتابه المفضل أو التجول بالدراجة الهوائية.
- نظم الأمور، فإذا كان الخلاف مستمرًّا دائمًا حول شيء معين، قد يُفيد وضع جدول يُحدّد فيه الوقت والمدّة الزمنية التي يُمكن لأحد الأبناء استخدام هذا الشيء أو اللعب به، وفي حالة استمرار الخلاف يُمكنك سحب هذه الميزة منهما الاثنين.
- امنح أبناءك المساحة الكافية، كأنْ توفّر في المنزل أماكن أخرى غير الغرف المشتركة للنوم، أو أماكن للجلوس والراحة، فهذا يساعد على وجود مسافة بينهم تقلّل من المشاحنات.
- عزز روح التعاون والعمل كفريق في العائلة، وتجنب تشجيع روح التنافس والصراع بينهم عن طريق المقارنة والتفضيل بين طفلٍ وآخر.
- نظم اجتماعات عائلية وخطط لقضاء أوقات ممتعة معهم، مثل: الذهاب في رحلة عائلية، أو تناول وجبة الغداء في مطعم، فقضاء الوقت الممتع مع العائلة يساهم في تشكيل ذكريات جميلة معًا، ويعد فرصةً جيدة لمناقشة الحلول والمشاكل والاستماع لجميع الأفراد، ووضع القواعد المنزليّة، وتخفيف التوتر بين أفراد الأسرة.
- كن مُنصفًا وعادلًا بين أبناءك؛ مع مراعاة اختلاف الأعمار والاهتمامات والاحتياجات، وقم بتوضيح سبب اختلاف التعامل أو التوجه أو الاهتمام الذي تقوم به، مثل توضيح حاجتك للاهتمام بطفلك الرضيع لينمو ويكبر، فإن ذلك يُساعد أبناءك على التفهم والتكيف.
- كُن نموذجًا حسنًا يُقتدى به، إذْيقلد الأطفال آباءهم في كيفية التعامل مع المواقف والنزاعات، فإذا كان سلوك الوالدان في معاركهما يميل نحو الشجار والصراخ وضرب الأبواب بقوة، فمن المتوقع أنّ الأطفال لن يحذوا سلوكًا أفضل من هذا السيناريو الذي يتكرّر على أنظارهم.
الحصول على مساعدة متخصّصة بشأن الصراع بين الإخوة
في بعض الحالات النادرة يستدعي الصراع والتنافس بين الإخوة طلب المساعدة من الطبيب النفسي أو أخصائي الصحة النفسية، وذلك عندما يُصبح:
- مرتبطًا بوجود مشكلات أخرى مُقلقة، كالاكتئاب.
- مصدرًا للخطر قد يضرّ أيْ فرد في العائلة جسديًّا.
- يؤثر على تقدير الذات ويسبب تراجع الصحّة النفسية لأيٍّ من أفراد الأسرة.
- شديدًا لدرجة أنّه قد يُسبب المشاكل الزوجية.
اعلم بأنّ الشجار والتنافس بين الإخوة طبيعيّ ولا يستدعي قلقلك وخوفك، ولكنْ حاول دائمًا تعلّم استراتيجيات التعامل مع أبنائك للسيطرة على المشاحنات ومنع تكرارها قدر المستطاع، وتعزيز قيمك التربوية وبناء علاقات أخوية أكثر سلمية في الأسرة، وإذا كان التنافس بين الأشقاء شديدًا ولا مفر منه مهما كانت جهودك المبذولة في منعه، سيتوجب عليك حينها طلب الدعم والاستعانة بذوي الاختصاص والخبرة لمساعدتك وعائلتك على إيجاد الحلول.
*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى
المراجع: