تحدثُ الكوارثُ الطبيعيّة على حينِ غِرَّة ومن دونِ سابقِ إنذار، مُخلِّفَةً خلفها أضرارًا جسديّة وضحايا ودمارًا للممتلكات، وقد تتسبَّب أيضًا في ظهورِ أضرارٍ نفسيّةٍ وعاطفيّة لدى الناجين من هذه الكوارث، إذ يكونُ من الصعبِ عليهم فهمُ طبيعةِ المشاعِر المضّطرِبّة والقلق في داخلهم بعد انتهاءِ الكارثةِ أيًّا كان نوعُها، كما هو الحالُ مع الزلازل، فما هي طبيعةُ القلق المرتبط بحدوثِ الزلازل؟ وكيف تكونُ مشاعِر الشخص الناجي من الزلزال؟ وما هي آليّةُ التأقُلم معها؟ 

القلق بعد التعرُّضِ للزلازل:

بعد انتهاءِ الزلزال أو أيِّ كارثةٍ طبيعيّةٍ مفاجئة ومدمّرة، غالبًا ما يدخلُ الشخص في حالةِ صدمة، يشعرُ فيها بخدرٍ في جسدِه، ويميلُ إلى إنكارِ ما يحدُث، وربما تتملَّكُهُ بعد ذلك عواطِف شديدة مُتَخَبِّطة، تساهِمُ في ظهورِ مشاعِر الاكتئاب والإحساسِ بالذنب والشعورِ بالقلقِ الشديد، إذ تزدادُ احتماليةُ الشعورِ بالقلق بعد التعرُّضِ للزلزال أو أيِّ كارثةٍ طبيعيّةٍ مدمّرةٍ أخرى، وهو أمرٌ طبيعيّ وشائع بين الناجين، وقد يظهرُ القلق على صورةِ مشكلاتٍ في النوم، أو عصبيّة، أو توهُّم حدوثِ زلزال، أو قِلَّةِ تركيز، أو تكرارِ تساؤلاتٍ ومخاوِف حولَ الزلازل.   

تُصنَّف اضطراباتُ القلقِ العام (Generalized Anxiety Disorders) واضطراباتُ الهلع (Panic disorders) ضمنَ أكثرِ أنواعِ اضطراباتِ القلق التي تحدثُ بعد التعرُّضِ للكوارثِ الطبيعيّة شيوعًا، وهنا يشارُ إلى أنّ اضطرابَ القلق قد يرتبطُ بالحدثِ الصادِم الذي يتعرَّضُ له الشخص، وليسَ بالضرورةِ أن يكونَ ناجمًا عن التعرُّض لتهديد أو إصابة أو وفاةِ شخصٍ قريب، وفي هذا يختلفُ عن اضطراب الكرب التالي للرضح ( PTSD or Posttraumatic stress disorder).

رُهاب أو فوبيا الزلازل:

يعرفُ رُهابُ الزلازل أو فوبيا الزلازل (Seismophobia) بأنَّهُ نوعٌ من الخوفِ المستمرّ والشديد والذي يصعُبُ السيطرةُ عليه، والذي قد يؤثِّرُ على الشخص ويعيقُ إنجازَهُ الأعمالَ والأنشِطةَ الاعتياديّة، واتخاذَ القرارات الخاصة بحياته ومن أهمِّ الأعراضِ التي قد تُصاحِب رُهاب الزلازل:

  • الخوفُ المتواصِل من  حدوثِ الزلزال رغمَ مرورِ عِدّةِ أسابيع على حدوثِه.
  • تغييرُ المُخطّطات والأنشطة بسببِ الشعورِ بعدمِ الأمان.
  • العُزلة بسببِ الخوفِ من الزلزال.
  • تكرارُ التفكيرِ بحدوثِ الزلزال.

اضطراب ما بعد الصدمة المصاحب للزلازل والكوارثِ الطبيعيّة:

يُعرفُ اضطرابُ ما بعد الصدمة أو اضطرابُ الكرب التالي للرضح ( PTSD or Posttraumatic stress disorder) بأنّهُ نوعٌ من اضطراباتِ الصحّةِ العقليّة التي قد تظهرُ بعد تعرُّضِ الأفراد لأحداثٍ صادمة تُهدِّدُ حياتهُم، وغالبًا ما يصاحبُه معاناة المصاب من الكوابيس أو استرجاعِ ذكرياتِ الأحداثِ المؤلمة، وعدمُ القدرةِ على الاسترخاء، وتجنُّب المواقِف أو الأماكِن التي تثيرُ ذكرياتٍ حولَ الحدَثِ الصادِم، وأعراضٌ أخرى محتملة.  

في الحقيقةِ، من الشائِع الإصابةُ بهذا الاضطراب بعد التعرُّضِ إلى كارثةٍ طبيعيّة، خاصةً مع تكرارِ حدوثِ الزلازل في بُلدانٍ مختلفة خلال هذه الفترة، وتتأثّرُ درجةُ الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة وطبيعة الأعراض التي تظهرُ على المصابين بعِدةِ عوامل، أهمّها: عُمرُ الشخص، مدّةُ التعرُّضِ للحدَثِ الصادِم، طبيعةُ التهديدِ الذي كان يتعرّض له، كذلك عددُ مراتِ التعرُّضِ للحدَث، فمثلًا، “هل حدثَ أكثر من زلزال بشكلٍ متتابِع في غضونِ شهرٍ واحد أو أقل؟”، إذ تزدادُ خطورةُ الإصابةِ باضطرابِ ما بعد الصدمة مع تكرارِ التعرُض للزلزال، ويساهِم تكرارُ التعرُّض لهذه الزلازل أيضًا في تغيُّر طبيعةِ الأعراض، فيُلاحظ على المصابين الميل إلى الشعورِ بالاكتئاب وتبلُّد الاستجابة في حالةِ التعرُّضِ لأكثر من زلزال خلالَ فترةٍ قصيرة، بينما يميلُ الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بسببِ حدثٍ واحدٍ صادِم (التعرّض لزلزال واحد) إلى الشعورِ بالقلق، وفرطِ النشاط قليلًا، ورغمَ اختلافِ طبيعةِ الأعراض في كلا الحالتين، فهي تبقى ضمنَ أعراضِ اضطرابِ ما بعد الصدمة.

الاستجابة العاطفيَّة والسلوكيَّة بعد التعرُّضِ للزلازل:

بعد انتهاءِ لحظاتِ الذهول والارتباك وعدمِ تقبُّل الأحداثِ الصعبة والواقع المرير، تظهرُ الاستجابةُ لدى الأفرادِ غالبًا كما يأتي:

  • تغيُّر في الأفكار وأنماطِ السلوك، كأن يواجه الشخص صعوبةً في التركيز واتخاذِ القرارات بسببِ استعادةِ ذكرياتٍ معينة دونَ سبب، ويؤدّي ذلك إلى زيادة سرعةِ ضرباتِ القلب وكُثرَة التعرُّق، كذلك، تغيُّر في الشهيّة للطعام وأنماطِ النوم.
  • توتُّر العلاقات الشخصيّة، كأن تتفاقم الخِلافات مع أفرادِ الأسرة وزملاءُ العمل.
  • الانسحاب أو الانعِزال عن الآخرين، وعدمُ المشاركةِ في الأنشطةِ الاجتماعيّة المعتادة.
  • وجودُ مشاعِر شديدة أو غير متوقّعة، مثل العصبيّة، والارتباك، والحزن، والانفعالُ الشديد أو تقلُّب المِزاج.
  • الإحساسُ بالخوفِ الشديد مع عدمِ وجودِ سببٍ واضح.
  • زيادةُ الحساسيّة للعوامِل البيئيَّة المحيطة، مثل زيادةِ القلق عند سماعِ صافراتِ الإنذار أو الأصواتِ العالية بسببِ إثارةِ ذكرياتٍ مؤلمة، وظهورُ مخاوِف من تكرارِ حدوثِ الزلزال مرّةً أخرى.
  • ظهورُ الأعراضِ الجسديَّة المرتبطة بالتوتُّر، مثل ألم الصدر، والصداع، والغثيان، كما وتتأثرُ في بعضِ الأحيان المشكلاتُ الصحيّة التي يعانيها الشخصُ مسبقًا جرّاءَ التعرُّضِ للتوتُر المرتبِط بالكارثة أو الزلازل على وجه الخصوص.
  • فُقدانُ الأمل، وعدمُ القدرةِ على التخطيطِ للمستقبل، والشعورُ بالإرهاق، والبكاءُ المستمرّ.
  • استعادةُ الحدثِ مرّةً أخرى، ومحاولةُ وضعِ كافّةِ الاحتمالات للنتائج المترتّبة على الحدث عند تكرارهِ مرّةً أخرى.
  • الإحساسُ بالذنبِ الشديد حيالَ أشياءٍ قامَ بها الشخص بالفعل أو لم يقُم بها.
  • سهولةُ الاستثارةِ والتوتُّر بمجرَّد سماعِ صوتٌ مرتفع، مثل صوتِ إغلاقِ الباب، واستغراقُ الكثير من الوقت في تهدئةِ النفس.
  • التفكيرُ بإيذاءِ النفسِ أو الانتحار.

ليس بالضرورةِ تواجُد الضحيّة في مكانِ وقوعِ الكارثة حتى تتأثّرَ عواطِفه ونفسيَّتُهُ بسببها، فقد يتواجدُ في مكانٍ بعيد عن عائلته التي تعرّضت للزلزال، ويبقى وقتًا طويلًا يتابعُ التغطية الإعلامية التي لا حصرَ لها على التلفاز والمحطّات الإخباريّة، ولا يتمكّن من الحصولِ على معلوماتٍ تساعدهُ على تهدئته وتُمكِّنُه من الاطمئنانِ على عائلته وأقاربه، وفي هذه الحالة تتأثّرُ عواطِفُه ونفسيَّتُه.

التعامل مع القلق والمشاعر السلبيّة بعد الزلزال أو الكارثة:

يتعافى معظمُ الأشخاص بمرورِ الوقت من المأساةِ أو الكارثةِ الطبيعيّة التي واجهتهم، ويميلونَ إلى استئنافِ العمل ومتابعةُ الحياةِ كما كانت من قبل، ومن أهم الخطوات التي يمكنُ تطبيقُها لاستعادةِ سلامةِ العواطف واكتسابِ الشعورِ بالسيطرةِ بعد وقوعِ الزلازل:

  • أخذُ الوقتِ الكافي للتأقلم مع الحدث، والحزنُ على الخسائِر، وتقبُّل تغيُّر الحالةِ النفسيّة.
  • التحدُّث عن التجربة أو التعبير عنها، مثل التحدُث مع الأصدقاء والأقارب حولَ الحدث الذي مررتَ به، أو كتابة التجرُبة في دفترِ مذكِرات، أو الانخراطُ في نشاطٍ إبداعيٍّ معيَّن.
  • طلبُ الدعمِ والمساعدةِ من أشخاص يُظهرون اهتمامًا وتعاطُفًا مع وضعك.
  • التواصُل مع الناجين وتقديمُ المساعدة، إذ يترتّبُ على حدوثِ الزلازل أو الكوارث الطبيعيّة في بعضِ الأحيان فقدانُ المنزِل، أو خسارةُ أشخاصٍ مقرّبين، وقد يستدعي الأمر العيشُ في مخيمٍ أو ملجأ دونَ توفُّر دعم من  الأقارب أو الأصدقاء، وهذا قد يكونُ سببًا في زيادةِ الشعورِ بالعجز وعدمِ القدرةِ على القيام بأيِّ خطوة، ومع ذلك، فإنَّ العيشَ مع الناجين قد يوفّرُ الوقتَ الكافي لإعادةِ التواصُل والتحدُّث عن الواقعة، والمساعدةُ على تقبُّل أحداثِها، كما أنّ القدرةَ على مساعدةِ ناجين آخرين قد يقلِّل من مشاعِر العجز، ويساعدُ على التعافي.
  • الحرصُ على اتباعِ نمطِ حياةٍ سليم، يتضمنُ تناول وجباتِ طعامٍ صحيَّة، والنومُ لعددِ ساعاتٍ مناسب، والحصولُ على قسطٍ كافٍ من الراحة، وقد يفيدُ أيضًا تعلُّم تقنياتِ الاسترخاء وتطبيقُها، والقيامُ بأيَّةِ أنشطةٍ قد تساعِدُ على الاسترخاء.
  • الامتناعُ عن تناول المشروباتِ الكحوليّة أو تعاطي المخدِّرات كوسيلةٍ للتأقلُم والسيطرةِ على الأعراض.
  • الالتحاقُ بمجموعة دعم تضمُّ أفرادًا ناجين من الكارثة ويديرها مشرفٌ مختص، فقد تساعدُك هذه المجموعاتُ على تحقيقِ الاستقرارِ العاطفي، ومعرفَةِ أنّ ما تمرُّ به من تغيُّرات في ردودِ الأفعال أو العواطِف طبيعيٌّ ويمرُّ به الآخرون، من هم في مثل حالتك.
  • الابتعادُ عن اتّخاذِ قراراتٍ مصيريّة خلالَ هذه الفترة، مثل تبديلِ المهنة، وغيرها.
  • بناءُ روتينٍ منظّمٍ وصحّي، واتباعُه، مثل تحديدِ مواعيدِ تناولِ وجباتِ الطعام، ومواعيدِ النوم والاستيقاظ، وممارسةِ الرياضة، كذلك من الجيّد ممارسةُ هوايةٍ أو نشاطٍ معيّن في الأوقاتِ العصيبة التي يحدثُ فيها استرجاعٌ للأحداثِ الصادمة، مثل قراءةِ كتابٍ جيّد، أو المشيُّ في الحديقة.
  • العودةُ إلى ممارسةِ الأنشطةِ المعتادة.
  • ملاحظةُ التقدُّم والمكافأةُ عليه، حتى وإن كان التقدُّم يعني الخطواتِ الصغيرة، والاستعدادُ للأوقاتِ التي يبدأُ فيها الشعورُ بعدمِ القدرةِ على تحقيقِ التقدُّم، وهو وضعٌ طبيعيّ.طلبُ الاستشارةِ النفسيّة المتخصّصة بعد التعرُّضِ للكوارثِ الطبيعيّة في حالةِ عدمِ القدرةِ على متابعةِ الحياةِ الطبيعيّة كما السابق، أو في حالةِ استمرارِ أعراضِ اضطرابِ ما بعد الصدمة لأكثر من شهر بعد التعرُّض للأحداث، والشعورِ المتواصِل بالحُزن أو فقدانِ الأمل، إذ يساعدُ الأخصائيُّ النفسي على التحكُّم بالتوتّر والقلق والفاجعة، والتمكُّن من وضعِ خطّةٍ تساعدُ على المضيِّ قُدُمًا في الحياة.

  إنَّ الشعورَ بالقلق بعد التعرُّض للزلازل أو الكوارث الطبيعيّة يعدُّ أمرًا طبيعيّ، فبمرور الوقت، ستهدأُ الهزاتُ الارتداديّة وتصبحُ أقلَّ تكرارًا، ويتلاشى القلق، ومع ذلك، قد تستمرُّ أعراضُ القلق والخوف لدى الكثيرين، وهو ما يستدعي الصّبرَ وأخذَ ما يكفي من الوقت لاستعادةِ الشعورِ بالاسترخاء، ومتابعةِ الحياة كما السابق، أمّا الحالاتُ التي يصعبُ فيها التعامُل مع القلق والتوتر، ويصاحبُها استمرارُ أعراضِ اضطرابِ ما بعد الصدمة، وصعوبةِ إنجازِ الأعمالِ اليوميّةِ الروتينيّة، فإنّها تحتاجُ إلى طلبِ المساعدةِ واستشارةَ الأخصائيِّ النفسي، للتمكّنِ من السيطرةِ على الأعراض والمضيِّ قُدُمًا في الحياة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى.  

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *