يمتلك جميع الأفراد طفلًا بريئًا في داخلهم يوفِّر لهم الشعورَ بالحيويَّة والحماس والإلهام والإقبال على الحياة والشعور بالدهشة في مواجهةِ بعضِ الأمور، ويشكِّلُ هذا الجانبُ الطفولي لدى الشخص جزءًا من نفسيّته وعواطفه، ولكن ما الذي يحدث عندما يكون الطفل الداخلي فينا يعاني من مشكلاتٍ معيّنة مرتبطة بالماضي؟ وكيف سنتعاملُ معه؟ سنتعرّف في هذا المقال بشكلٍ أكبر حول مشكلاتِ الطفل الداخلي، وكيف يمكن التعامل مع هذه المشاكل؟

ما هو الطفل الداخلي؟

الطفل الداخلي(Inner child): هو ذلك الجزء الداخلي، الموجود لدى الجميع والذي يؤثّر على الأفعال والقرارات المتخذة وفق تعريف عالم النفس كارل غوستاف يونغ(Carl Jung)، بعد ملاحظتهِ طبيعة العواطف والمشاعر الداخليّة لديه، كما يُستخدم مصطلح الطفل الداخلي لوصف الرابط الموجود في داخل الشخص مع نفسه وهو طفل ومع ذكرياتِ الطفولةِ لديه، فالطفل الداخلي هو ذلك الطفل الذي يمثِّلنا ونحنُ في مرحلةِ الاعتمادِ على المربّين، المرحلة التي لا يكونُ لدينا فيها الكثيرَ من الخياراتِ المتاحة للانتقاء منها، كما يمتلك الطفل الداخلي في هذه المرحلة الذكريات والعواطف، الجيّد منها والسيئ،  ولذلك ترتبط في بعض الأحيان سلوكيّات ومشاعر الشخص بتلكَ الفترةِ التي مرَّ بها خلالَ مرحلةِ الطفولة، والتي تكونُ سببًا في شعوره بالضغطِ النفسي والضيقِ الداخلي، خاصةً عندما يكتسبُ الأطفال الداخليون كلَّ الكلماتِ والسلوكيّاتِ السلبيّة والضارة من المحيط، وتتأثّر هويّتهم كأشخاص بالغين رغمَ تمتُعهم بسلطةٍ كبيرةٍ على علاقاتهم وقراراتهم.

ما هي أعراض وجود مشكلة لدى الطفل الداخلي؟

ينعكس الأذى الذي تعرَّض له الطفل الداخلي في داخلك بصورةٍ مباشرة على طريقةِ شعورِك بانعدامِ الأمان في العالم، ومن العلامات التي قد تدل على تضرُّر الطفل الداخلي لديك:

  • السعي الدائم لإرضاء الناس.
  • الإحساس القوي بوجود خطأ كبير في الذات.
  • محاولة التمرُّد باستمرار.
  • عدم معارضة الآخرين.
  • الشعور بالقلق الشديد.
  • الشعور بالذنب حِيالَ وضعِ حدود في العلاقات.
  • الميل للاكتناز.
  • تخبئة الممتلكات، وعدم القدرة على التخلّي عنها وعن الأشخاص.
  • وجود مشكلات في بدءِ المهام وإنهائِها.
  • إظهار النقد الذاتي المتواصل.
  • الإحساس بالخجل بِمُجرَّد التعبير عن المشاعر.
  • الاندفاع لتحقيق إنجازات كبيرة، تفوقُ القدرةَ على التحمُّل.
  • عدم القدرة على الوثوق بالآخرين.
  • الخوف من الهُجران.
  • الشعور بالخجل من الجسم.
  • تجنُّب الدخول في صراعات مهما كانت النتائج.
  • السعي نحو تحقيق الكمال.

ما هي الأسباب وراء مشكلات الطفل الداخلي؟

قد تظهر مشكلات الطفل الداخلي والجروح العميقة في مرحلةِ البلوغ وذلك بتأثير عوامل مختلفة تظهر خلالَ مرحلةِ الطفولة، من أبرزها:

التعرُّض للإهمال الجسدي، سواءً بعدم توفير المسكن الآمن أو الطعام الملائم للطفل، أو عدم حمايته من التعرُّض للإساءة أيًّا كان نوعُها، وقد يؤدي ذلك إلى ظهور عدد من المشكلات، خاصةً في مرحلةِ سنِّ الرُشد والبلوغ، مثل إيذاء النفس، والمعاناة من اضطرابات الأكل، وضعفِ الثقةِ بالنفس، والإدمان، واضطراب الأداء الجنسي، والقيام بالسلوكيّاتِ العنيفة.

  • التعرُّض للإهمال النفسي، ويحدث هذا النوع من الإهمال بسبب فشل مسؤول الرعاية في إظهار التقدير للطفل والاستماع إليه، إلى جانب إهانته ودعوته بألقاب مسيئة، أو انتهاك خصوصيّته والصراخ في وجههِ والاستخفاف به، وقد يكون هذا النوع من الإهمال سببًا في ميل الشخص البالغ للشعور بالغضبِ الداخلي الشديد، وعدمُ القدرةِ على محبةِ نفسه، والإصابةِ بالاضطراباتِ النفسيّة والجسديّة، وعدم إظهار الاحترام للآخرين، ومواجهة مشكلات في تكوين علاقات صحيّة وسليمة.
  • الإهمال العاطفي، بمعنى عدم الاهتمام بتوفير الدعم العاطفي والاحترام والحب للطفل، مما يُسبب ظهور عدد من المشكلات في مرحلة البلوغ والرُشد، مثل القلق، والاكتئاب، وضعفُ الثقةِ بالنفس، وعدم الاهتمام بالاحتياجات العاطفيّة الذاتيّة، وتجنُّب تكوين علاقات عاطفيّة مع الآخرين.

ما هو علاج الطفل الداخلي؟

يساعد علاج مشكلات الطفل الداخلي على فهم الاحتياجات التي ظهرت في مرحلةِ الطفولة ومعرفة كيفيّة توفيرها للنفس في مرحلة الرُشد والبلوغ بهدف تخطّي جروح وآلام الماضي، إذ يتمكَّن الشخص من فتحِ بابِ الحوار مع الطفل الداخلي لديه والتواصل مع ماضيه بناءً على توجيهات الطبيب أو المعالج النفسي، وينطوي العلاج أيضًا على تعزيز حبِّ الذات، والقبول، والتعاطُف مع النفس.

ما النصائح التي يمكن أن تُساعد على تعافي الطفل الداخلي لديك؟

قد تظهر مشكلات الطفل الداخلي في مرحلة سنِّ الرُشد من خلال سلوكيّاته وطبيعة مشاعره، خاصةً إذا لم يتعامل معها كما يجب، لذلك قد يُفيد اتّباع بعض الطرق والنصائح على تعافي الطفل الداخلي من المشكلات، ومنها:

الاعتراف بوجود الطفل الداخلي لديك، والذي غالبًا ما يتضمَّن التعرُّف على الأشياء التي سبّبت لكَ الألم في الطفولة ومحاولة قبولها، كما من الممكن مخاطبة الطفل الداخلي لديك كما لو كان شخصًا على قيد الحياة، إذ قد يساعد ذلك على إخراج المشاكل الداخليّة من الداخل وفهم انعكاس هذه المشكلات على الحياة الحاليّة.

استمع لما قد يقوله الطفل الداخلي، بمعنى استمع للمشاعر الداخليّة لديك، تِلكَ المشاعر التي تتجلّى في مواقف معيّنة وتُحفّزُ ظهورَ العواطف الشديدة أو الانزعاج، واسمح لها بالظهور بدلًا من تثبيطها ومحاولة دفعها وتهميشها، إذ قد تُلاحظ أنكَ تشعُر بالعار، أو القلق، أو الغضب، أو انعدام الأمان، وقد تكون كلُّ مشكلةٍ لديك، تعود لحدثٍ معيّن وقع في الماضي. 

اكتب رسالة لطفلِكَ الداخلي، حاول تدوين بعضَ ذكرياتِ الطفولة في الرسالةِ من وجهةِ نظرك وأنتَ شخصٌ بالغ، الأمر الذي قد يساعد على إعطاء نظرة ثاقبة للأمور والظروف المؤلمة التي مررت بها ولم تكن مفهومة وقتها، فمثلًا، قد لا تكون واعيًا لسبب غضب شقيقك عليك ومحاولته تحطيم ألعابك، فأنت تخافه وما زلت تخافه بالطريقة ذاتها، ولكنّكَ قد تجد غضبه منطقيًّا في حال اكتشفت أنّهُ كان يتعرّض للتنمُّر والإساءة من الآخرين وانعكس ذلك على سلوكه في المنزل، لذلك فإنَّ كتابةَ خطاب لنفسك يساعدك على توضيح الأحداث وبثِّ الطمأنينةِ والراحةِ في النفس.

احتضِن نفسك يوميًّا؛ لتشعر بالهدوء والسلام الداخلي، وحاول لمسَ جسدك بنعومةٍ وهدوء للشعورِ بالأمان ومحاولةِ التعافي من الصدماتِ السابقة التي تعرّضتَ لها.

حاول تخيُّل طفولة سعيدة تعيشُها، وحاول وضع نفسك في حالةٍ تشعرُ فيها بالأمان والهدوء وعدم الاضطراب، فمنَ الجيّد أن تتذكر اللحظات التي كنت تشعُر فيها بسعادةٍ غامرة، والأوقات التي كنت فيها تذهبُ إلى حديقةِ الحيوان مع جدّك، أو تقوم بطهي الفطائر مع والدتِك، وفي حال لم تتذكر أيّةَ ذكرى جميلة من طفولتكَ السابقة يُمكنك أيضًا استحضار صورة خياليّة لحدث مرَرتَ به في طفولتك وشعرتَ فيه بالحب والأمان والسلام الداخلي.

تجنَّب توجيه الكلام السلبي لنفسك، فلا تقل أنا لا أعني شيئًا، أو أنا لستُ كافيًا، بل حاول دائمًا التحدُّث مع نفسك بطريقةٍ إيجابيّة.

حاول تجربة تقنيّة التأمُّل، إذ قد يساعد التأمُّل على تعزيز الصحّة النفسيّة والجسديّة، إلى جانب إمكانيّة التعامل مع مشكلاتِ الطفل الداخلي، ويتجلّى ذلك من خلال محاولةِ الانتباه للمشاعر الداخليّة، وتمييز المحفّز لردِّ الفعل غيرِ المنطقيّ، ويساعد التأمُّل أيضًا على الشعورِ براحةٍ أكبر مع المشاعر غيرِ المرغوبة وقبولها، وهذا ما قد يساعد على إيجاد طرق ملائمة للتعبير عن المشاعر بطريقةٍ صحيّة وسليمة.

دوّن في دفتر يوميّات ما تمرُّ به من مشاعر ومواقف مضطربة في حياتك؛ لمعرفةِ النمط الذي تتبعه في حياتك وأنتَ شخصٌ بالغ، الأمر الذي قد يساعدك على إيجاد أفضل الطُرق للتعامل مع هذه المشاعر التي تواجهها بعد ربطها بأحداثِ الماضي.

حاول إدخال البهجة إلى نفسك والشعور بالسعادة؛ لتعزيز صحتك النفسيّة والاسترخاء ومحاولةِ شفاء جراح الماضي، حتى وإن كان الطفل الداخلي لديك يفتقد روح المتعة والمرح والمشاعر الإيجابيّة، ومن الأفضل أن تُنظِّم جدولًا تُحدِّد فيه أوقات المرح والمتعة، مثل تناول المثلّجات بعدَ النزهة، والانخراط في لعب ألعاب الفيديو مع الشريك أو الأطفال، أو الاستمتاع في جلسة مع الأصدقاء المقربين.

إتاحة الفرصة لتحقيق الأهداف والطموحات في المستقبل، وترك المجال متاحًا للحوار بينكَ وبينَ الطفل الداخلي لديك، بل وحاول دائمًا تعزيز الاتصال الذي فتحته من خلال التأكيد على نيّتك في مواصلةِ الاستماع وتقديم الحب والمساهمة في التئام الجروح العاطفيّة.

تحدَّث مع معالج، إذ يُدرك المعالجون عادةً كيفيَّة تأثير تجارب وأحداثِ الطفولةِ الماضية على حياتك وعلاقاتك ورفاهيّتك، فترتكِز محاولاتهم على كيفيّة إنشاء مساحة آمنة لك لتبدأ في التغلُّبِ على المشكلاتِ العاطفيّة التي تُفيد في شفاء الطفل الداخلي لديك، ويعدُّ العلاجُ السلوكي المعرفي (CBT)، على سبيل المثال أسلوبًا علاجيًّا عالي الفعاليّة، ولكنّهُ يُركّز على تجاربك في الوقت الحاضر، بينما يُفيدُ العلاجُ النفسي الديناميكي أو العلاج النفسي التحليلي (Psychodynamic psychotherapy) في استكشاف الطفل الداخلي لديك والاطلاع على تجاربك السابقة. 

وأخيرًا، لم يفت الأوان بعد أن تتعافى من صدمةِ الطفولة ومشكلاتِ الطفل الداخلي لديك، والتي قد تنعكس على سلوكيّاتك ونفسيّتك في الوقت الراهن وتشعُر بأنّها تتحكّم بك، إذ يُمكنكَ تعلُّم رعاية الجانب الطفولي في داخلك ومحاولةِ تخطّي المشكلات التي تعرَّضتَ لها في السابق، إلى جانب تعزيز التعاطف مع الذات وتعلُّم التعبير عن المشاعر بطريقةٍ إيجابية، وفي حال واجهتَ صعوبةً في حلِّ مشكلاتِ الطفل الداخلي لديك، يمكنكَ اللجوء للعلاجِ النفسي والاستعانةِ بنصائح المعالج المختص في هذا المجال.

*** تمت الكتابة والتدقيق من قبل فريق المحتوى.

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *