الحزن بسبب الفقد والخسارة

كثيرًا ما يتعرَّض الإنسان في حياته لمواقف الفقد والخسارة التي تُثير مشاعر الحزن والفجَع لديه، ويبدو أنّ رد الفعل تجاه المواقف يختلف بشكلٍ كبير من فرد لآخر، فلكل شخص طريقة يُعبِّر فيها عن مشاعره، ومدّة زمنية ليتجاوز حزنه، ولكنْ كيف نعرف أنّ ما نعانيه حقًّا هو حزن متعلق بالفقدان؟ ومتى نحتاج الرجوع للطبيب ليكون باستطاعتنا تخطي هذه المرحلة؟ في هذا المقال إجابة عن هذه التساؤلات وغيرها ممّا يتبادر في ذهنك. 

ما هو الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟

يُطلق عليه أيضًا مُصطلح الفَجَع (Grief)، وهو عبارة عن ردّ فعل طبيعيّ يظهر على صورة ألم ومعاناة عاطفية يشعر بها الشخص عند خسارته شيئًا أو شخصًا له مكانة خاصّة في قلبه، وقد يؤثر هذا الحزن على الصحة الجسدية، وربما يصِل لمرحلة أكثر تعقيدًا بحيث يتأثر إنجاز بعض أنشطة الحياة الطبيعية بسببه.

وقد يحدث الحزن بسبب الفقد والخسارة عند التعرض للآتي: فقدان شخص عزيز على القلب أو حيوان أليف، أو فقدان الشعور بالأمان بعد صدمة حياتية، أو الابتعاد عن المنزل، أو التخرج من الجامعة، أو خسارة حلم، أو الطلاق، أو الانفصال، أو فقدان صداقة أو فقدان الصحة، أو تغيير العمل أو فقدانه، أو التعرُّض لمرض أحد أفراد الأسرة، أو بيع المنزل، أو خسارة الاستقرار المادي. مهما كان نوع الخسارة، فهي شخصية بالنسبة لمن يعاني منها ، ولا يجب الشعور بالخجل حيالها.

ما هي أعراض الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟

تؤثر الخسارة على الأشخاص بطرق مختلفة، وتتقلب مشاعر الحزن ما بين صدمة إلى الشعور بالذنب إلى الحزن العميق وإلى مشاعر متخبطة أخرى، وقد تظهر أعراض الحزن بسبب الفقد والخسارة كواحدة أو أكثر من ما يأتي:

– الصدمة وعدم تقبل ما حدث من خسارة.

– الشعور بالذنب أو لوم الذات تجاه أشياء فعلتها أو لم تفعلها، أو تجاه شعورك بالتقصير في منع خسارتك.

– الاكتئاب والحزن العميق.

– البكاء المتكرّر، وعدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء.  

– الخوف والشعور بالقلق والخطر. 

– الغضب.

– الشعور بالبرود العاطفي أو التنميل في المشاعر.

– عدم الثقة بالآخرين والانعزال عنهم، وتجنب الأنشطة الاجتماعية.

– الحاجة للتمسك بذكريات الشخص، مثل ملابسه أو رسائله أو متعلقاته الأخرى.

– صعوبة في التفكير أو التركيز واتخاذ القرارات.

– اشتياق شديد ومتواصل للشخص المتوفى، وتمنى الموت معه.

– الشعور بانعدام القيمة أو فقدان الأمل.

– أعراض جسدية، مثل الإعياء والغثيان، وفقدان أو زيادة الوزن، وانخفاض المناعة، والإصابة بالأوجاع والآلام، وضعف الشهية أو الإفراط في الأكل، والنوم لفترات طويلة أو عدم الحصول على ساعات نومٍ كافية.

وقد تصل الأعراض لمراحل أكثر تعقيدًا في حالات الحزن المعقَّد (أحد أنواع الحزن بسبب الفقد)، ومن هذه الأعراض:

– تعاطي الكحول أو المخدرات.

– وجود أفكار أو سلوكيات انتحارية.

– اضطرابات شديدة في النوم.

– اضطراب ما بعد الصدمة.

– صعوبة تكوين العلاقات وممارسة الأنشطة اليومية.

– زيادة خطر الإصابة بأمراض جسدية، مثل أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم.


ما هي أنواع الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟

أنواع الحزن والفَجَع في هذه الحالة تختلف بحسب نوع الخسارة وشدِّتها، ولكنّها قد تتضمّن ما يأتي:

الحزن المحروم (Disenfranchised grief)
هذا النوع من الحزن الناجم عن الفقدان والخسارة قد يواجَه بالكتمان ويكون التعايش معه صعبًا لأسباب عِدة، كأن يكون الحزن متعلّق بخسارة لا يقدِّرها الآخرون، مثال ذلك فقدان حيوان أليف، أو أنْ يحدث عدم تفهُّم من قِبَل الآخرين لقيمة الخسارة، كما في حالة فقدان الأمان والعاطفة بخسارة شخصٍ عزيز على القلب ولا يقدِّر الآخرين قيمته وأهميته بالنسبة لك، أو ربما تُسبّب الخسارة الشعور بوصمة عار لدى الفاقد، كخسارة أحد أفراد الأسرة بالانتحار، أو يصعب الجهر بها، كالتعرض للاجهاض. 

الحزن التوقعي (Anticipatory grief)
الخسارة هنا تكون مُتوقَّعة وليست مُفاجئة، إذْ يبدأ الحزن مُسبقًا قبل حدوث الخسارة ويتطوّر تدريجيًّا لوجود إشارات ودلائل على احتمالية حدوث الفقدان، مثال ذلك أنْ تبدأ بالحزن قبل خسارتك لوظيفتك المُتوقَّع فقدانها أصلًا أو التقاعد منها، أو توقُّع موت حيوانك الأليف بسبب معرفتك بمرضه مُسبقًا.

الحزن المعقد (Complicated grief)
من المرجَّح أن تتلاشى مشاعر الحزن تدريجيًّا بمرور الوقت، أو ربما يبدأ الشخص بتقبُّل الخسارة والمُضيّ قُدُمًا، ولكن قد يعاني البعض من استمرار تِلك المشاعر وتفاقمها حتى مع مرور الوقت إلى حين الوصول لمرحلة الحزن المعقَّد أو اضطراب الفجيعة المعقدة المستمرة (Persistent complex bereavement disorder)، والذي ينجم عادةً عن وفاة أحد أفراد الأسرة، إذْ تسبب الخسارة هنا حالة من الفَجَع والحداد، وتؤثر على الفاقد نفسيًّا وجسديًّا، ويعاني فيها من صعوبة التعافي واستمرار ممارسة الأنشطة الحياتية وتكوين العلاقات بالشكل الطبيعيّ، وفي هذا النوع من الحزن من الضروريّ الحصول على الدعم واتخاذ الخطوات الصحيحة  من أجل العِلاج بناءً على توصيات الطبيب المُختصّ أو المُعالج.

ما هي مراحل الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟ 

قد ينتقل الفرد خلال فترة حزنه بسبب الفقد من مرحلةٍ لأخرى، ومعرفته بهذه المراحل قد يساعد على فهم سبب ما يحدث له من رد فعل تجاه الخسارة والألم، رغم أنه من الصعب التحكم بها، إذْ يمر كل شخص في مراحل الفَجَع بطريقته الخاصة، فقد يشهد المراحل جميعها أو ربما بعضًا منها، وقد يمضي الحزن دون المرور بأيٍّ منها، كما أنّه من غير الضروري الانتقال من مرحلة لأخرى بصورةٍ متسلسلة ومرتّبة، إضافةً إلى أن طول مدة كل مرحلة تختلف من شخص لآخر، لذلك لا داعي للقلق حيال هذا الأمر، وعمومًا، تنقسم مراحل الحزن بسبب الفقد والخسارة إلى خمسة مراحل، وهي:

الإنكار: فقد يشعر الشخص بالصدمة وصعوبة التصديق في بداية الأمر عند التعرض للخسارة، ومن الطبيعي التفكير باستحالة حدوث ما قد حدث بالفعل من فقدان، وهذا رد فعل طبيعي ومؤقت لاندفاع المشاعر المربكة بصورة مفاجئة، ويظهر كآلية للدفاع عن المشاعر المتدفِّقة جراء الصدمة.

الغضب: عند وضوح الأمور وإدراك الواقع وما حدث من فقدان، قد يشعر الشخص بالإحباط أو صعوبة القيام بأيْ تغيير، وهو ما قد يُحوِّل المشاعر لحالةٍ من الغضب والاستياء الشديد، ليبدأ بإلقاء اللوم على نفسه أو على الآخرين من حوله بشأن خسارته، بل وقد يوجِّه مشاعر الغضب تجاه الشخص المتوفى بسبب تركه له.

المساومة: “سأفعل هكذا في المقابل …”، “ماذا لو …”.، فخلال هذه المرحلة يفكر الفرد مليًّا في ما يمكن فعله لمحاولة منع حدوث تلك الخسارة.

الاكتئاب: والذي قد يظهر على صورة أعراض مختلفة؛ قد تتضمن مشكلات النوم، وفقدان الشهية، والبكاء، والشعور بالوحدة والارتباك، فقد تنتاب الفرد مشاعر الاكتئاب عندما يبدأ بفهم الخسارة وتأثيرها على حياته.

القبول: فعلى الرغم من وجود مشاعر الحزن قد يبدأ الشخص في هذه المرحلة بتقبل حقيقة خسارته وأنه أمر يصعب تغييره، و يبدأ المضي قُدُمًا في الحياة.


ما هي أسباب حدوث الحزن المعقد بسبب الفقد والخسارة ؟ 

كما ذكر سابقًا، فإنّ الحزن المتعلِّق بالفقد يعدّ استجابة طبيعية لدى البشر نتيجة تعرّضهم للخسارة، وتختلف شِدة هذا الحزن وطريقة التعبير عنه من شخص لآخر، ولكنْ، فيما يتعلق بحدوث الحزن المعقَّد الذي يندرج تحت أنواع الحزن بسبب الفقد، يجب الإشارة إلى أنّ سبب الدخول في هذه الحالة الصعبة غير معروف حتى الآن، بينما قد يكون لبعض العوامل دورًا في تطوره، كالشخصية، والصفات الوراثية، والبيئة المُحيطة، وطبيعة المواد الكيميائية في الجسم.

كما توجد مجموعة من العوامل التي قد تزيد من خطورة المعاناة من الحزن والفجَع المعقَّد، منها:

– التقدم بالعمر.

– وفاة طفل للشخص.

– حدوث وفاة غير متوقَّعة أو عنيفة.

– تاريخ سابق للإصابة بالاكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو قلق الانفصال.

– وجود علاقة اعتمادية أو مقرّبة جدًّا مع شخص متوفى.

– غياب الصداقة أو نظام الدعم.

– التعرض لتجارب صادمة خلال مرحلة الطفولة، كالاستغلال أو الهجر.

– الصعوبات المالية الكبرى.

كيف تكون الوقاية من الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟ 

التعبير عن مشاعر الحزن عند حدوث الفقد ضروريٌّ ولا يُنصح بتجنبه أو تفادي التعبير عنه، وهو ما قد يساهم أيضًا في تجنب الدخول في حالة الحزن المُعقَّد ومضاعفاته وتأثيرها على الحياة اليومية، وربما يساعد أيضًا طلب الدعم والاستشارة المبكرة على منع تفاقم الأفكار السلبية ولكنْ ليس حتمًا.

كم تستمر مدة الحزن بسبب الفقد والخسارة في الحالة الطبيعية ؟

في الحقيقة، يصعب الإجابة عن هذا السؤال، فلا يوجد مدة محدّدة تستمر فيها مشاعر الفقد والخسارة، ولا يُمكن الحكم على طول المدة وقصرها دون الأخذ باعتبارات عديدة، فالتعامل مع الحزن بسبب الفقد والخسارة يعتمد على عِدة أشياء؛ كالمعتقدات، والشخصية، والعمر، وشبكة الدعم المساندة، وطبيعة الفقدان، ولكنْ في نهاية المطاف سيتحسن الشعور، وسيكون من المُمكن العودة للأنشطة اليومية حتى وإنْ بقيَت مشاعر الحزن موجودة.


متى يتم اللجوء لتشخيص الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟ 

تعد تجربة الحزن بعد الفقد والخسارة من التجارب الفريدة التي تختلف بشكلٍ كبير من شخصٍ لآخر، وهذه المشاعر طبيعية حتى وإنْ كانت غير مألوفة في بداية الخسارة، وغالبًا لا تستدعي اللجوء للتشخيص الطبي، غير أنّ استمرار الحزن وعدم تحسّنه، بل وربما تفاقم أعراضه، أو إخفائه والتظاهر بعدم وجوده، وتأثيره على سير جوانب الحياة اليومية، يوجب استشارة الطبيب المُختصّ لتجنب أية مضاعفات له.

وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ التشخيص يكون مسؤولية الطبيب وحده، وهو مرحلة مهمة وضرورية لإجراء الفحوصات الطبية والنفسية اللازمة، من بعد الأخذ في عين الاعتبار الأعراض والظروف الخاصة بالمُصاب، وعليه يُحدّد العلاج الأنسب.


ما علاج الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟ 

بعد مراجعة الطبيب لتشخيص الحالة النفسية جرَّاء استمرار مشاعر الحزن بسبب الفقد والخسارة وتأثيرها على استمرار الحياة على طبيعتها وإنجاز المهام الاعتيادية، فإنه قد يوصي بالعلاج النفسي للتعامل مع الحالة، وتحسين المهارات اللازمة للتكيف مع الخسارة، والتعامل مع المشاكل النفسية الأخرى التي قد يعانيها البعض في الحالات الشديدة، كالاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، كما أنه قد يصِف أنواعًا معينة من الأدوية، مثل الأدوية المضادة للاكتئاب.

وهنا يجدر الإشارة إلى ضرورة عدم تناول الأدوية أو التوقف عن استخدامها دون استشارة الطبيب المعالج، فهو المسؤول فقط عن تحديد العلاج المناسب لكل حالة، والتأكد من إعلام الطبيب عنها قبل تناول أي دواء آخر أو الخضوع لجراحة.

 كيف أتعامل مع مشاعر الحزن بسبب الفقد والخسارة ؟

لا يمكنك منع مشاعر الحزن والخسارة، خاصةً عندما يحين موعد الأعياد والعطل السنوية، فقد تشعر بأنكَ مغمور بمشاعر الحزن والذكريات المؤلمة، ولكنْ، قد يساعدكَ اتباع بعض النصائح على التعامل والتعايش مع حالة الخسارة التي تواجهها، ومن هذه النصائح:

– أخذ فترة راحة كافية للتعافي وتقبّل المشاعر. اعلم كذلك بأنه لا يوجد شعور صحيح معين يجب أن تشعر به حيال خسارتك، لذا لا تضغط على نفسك واسمح لنفسك بأن تشعر بما تشعر به وتعبر عنه بالطريقة التي تناسبك.

– طلب المساعدة من الأصدقاء أو مزودي الرعاية الصحية.

– مشاركة الأفكار والمشاعر مع صديق ثقة، أو ربما البكاء عند الحاجة، تذكر أن البكاء لا يعني الضعف، ولا يعتبر كذلك دليلًا وحيدًأ للحزن حيث أن بعض الأشخاص يشعرون بالحزن دون القدرة على البكاء. 

– إمضاء الوقت مع العائلة والآخرين، وعدم الاستسلام للعزلة.

-عدم تجاهل الألم أو منعه من الظهور أو تجنب مواجهته، حيث أن ذلك يؤدي لتفاقم الحزن على المدى الطويل.

– الانضمام لمجموعات الدعم النفسي.

– الانشغال بممارسة هواية ممتعة، أو تعلم أمور جديدة.

– ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

– تناول الغذاء الصحي.

– الحصول على القدر الكافي من النوم والراحة.

وأخيرًا، اسمح لنفسكَ بالتعبير عن الحزن عند فقدانكَ شيء أو شخص عزيز، ولا تُخفي ما تشعر به ظنًّا منكَ أنّ ذلك سيفيد في تخطي الأمر، فجميعنا معرضون للخسارة، بل اطلب مساعدة أصدقائك وعائلتك ولا تتردد في استشارة الطبيب عند الحاجة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *