قد يشعر الأهل في بعض الأحيان بأن سلوكيات طفلهم تثير الشكوك حول وجود اضطراب التوحد بسبب غرابتها، كما ولطالما استُخدم مصطلح التوحد بشكل خاطئ لوصف الأشخاص الانطوائيين في مجتمعاتنا العربية، ولكن ما هو التوحد حقيقةً؟ تعرّف عليه في هذا المقال.

ما هو التوحد؟ 

يُمكن تعريف التوحد  (Autism) أو اضطراب طيف التوحد  (Autism Spectrum Disorder) على أنه اضطراب وإعاقة في النمو، يظهر عادةً في مرحلة الطفولة المبكرة ويدوم مدى الحياة. 

يؤثر التوحد بشكلٍ أساسيّ على المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل والسلوكيات وتنظيم الذات، وعادةً ما تظهر أعراضه بصورةٍ مختلفة وبدرجات متفاوتة إلى حدٍّ كبير من فردٍ لآخر، مما يجعل منه حالةً طيفية (Spectrum condition) تجعل المصاب مختلفًا وتجعل دماغه يعمل بطريقة مميزة عن الآخرين.

ما هي أنواع التوحد؟ 

صُنِّف التوحد لأنواعٍ مختلفة يضمّ كلّ منها سمات وخصائص معينة، وفي الوقت الحالي يُطلق عليها جميعًا مصطلح “اضطرابات طيف التوحد”، في الآتي توضيحٌ لها حسب المصطلحات المستخدمة قديمًا:

متلازمة اسبرجر (Asperger’s syndrome)

يكون الشخص الذي يعاني من هذه المتلازمة شديد الذكاء وقادرًا على ممارسة حياته الطبيعية دون مُعيقات، ولكنّه مع ذلك يواجه صعوبة في الجانب الاجتماعي من حياته، إضافةً إلى ذلك، يعدّ هذا النوع من التوحد خفيفًا، ويتميز مصابوه باهتمامهم الكبير في جانب أو موضوع معين والحديث عنه مرارًا وتكرارًا دون ملل. 

اضطرابات نمائية شاملة غير محددة أو اضطراب التوحد غير النمطي  (Pervasive developmental disorders not otherwise specified or PDD-NOS, or atypical autism) 

تكون أعراض هذا النوع أكثر شدة من متلازمة اسبرجر، ويتميز بظهور اضطراب أو ضعف القدرة على التفاعل مع الآخرين، واختلالات في أشكال التواصل والسلوك والاهتمامات، ومع ذلك، تختلف الأعراض الظاهرة على المصابين باضطرابات نمائية شاملة غير محددة بشكلٍ كبير مقارنةً بالمصابين بحالات التوحد النمطية، ويُشار إلى أنّ هذا النوع يُصيب الأولاد الذكور بنسبة أكبر مقارنةً بتأثيره على الإناث، وتظهر أعراضه عادةً بعد عمر الثالثة.

 اضطراب التوحد 

هو مصطلح قديم مشابهًا لما يُطلق عليه في الوقت الراهن طيف التوحد، فهو أشمل من النوعين السابقين وأعراضه شبيهة بالأعراض التي تظهر في كلٍّ منها، ولكنْ بشِدة أكثر.

اضطرابات الطفولة التـحللية (Childhood disintegrative disorder or CDD)

يصِف هذا النوع الأطفال الذين يُظهرون تطورًا طبيعيّ، ومن ثم تنحدر مهاراتهم الاجتماعية واللغوية والعقلية بسرعةٍ كبيرة، ويحدث ذلك غالبًا بين عمر الثانية والرابعة، وتعد اضطرابات الطفولة التحللية من أكثر أنواع التوحد نُدرة وأشدها.

ما هي أسباب التوحد؟ 

غالبًا ما يتعلق التوحد بوجود تغير في وظائف أو تركيب الدماغ، ولكنْ حتى هذه اللحظة لم يُحدَّد سبب معين للإصابة بهذا الاضطراب، من جانبٍ آخر، وضحت العديد من الفرضيات إمكانية ارتباط التوحد بعوامل معينة تلعب دورًا مهمًا في تطوره، وهي:

العامل الجيني الوراثي: ومع ذلك لم يتوصل العلماء لوجود جين محدّد يُسبّب التوحد، وإنما لوحظ ظهور شكل معين للتوحد أو الاضطرابات المتعلقة به في العديد من العائلات.  

 مشكلات صحية محدّدة: فمن المحتمل أنّ الإصابة باضطرابات معينة قد يُسفر عنه مشكلات في تطور الدماغ والإصابة بالتوحد، وحتى الآن ما زالت الأبحاث مستمرة في مجال ربط تحفيز الإصابة بالتوحد بوجود مشكلات أو تناول بعض الأدوية خلال الحمل، و التعرض للعوامل البيئية، كالمواد الكيماوية ووملوثات الهواء، أو العدوى الفيروسية.

يجدر التنويه بأن التوحد لا علاقة له بسوء تربية أو رعاية الأهل، أو المطاعيم، أو النظام الغذائي.

ما هي العوامل التي تزيد فرصة الإصابة بالتوحد؟  

رغم أنّ التوحد قد يؤثر في الأطفال من مختلف الجنسيات والأعراق، ثمّة عوامل معينة قد تزيد من خطورة الإصابة بالمشكلة، منها:

– استهلاك الأم مواد معينة خلال فترة الحمل.

– وجود قرابة من الدرجة الأولى مصابة بالتوحد. 

– ولادة الطفل قبل موعده بكثير، كولادته قبل الأسبوع 26 من الحمل.

– ولادة الطفل ذكر، فالذكور أكثر عُرضة للإصابة بالتوحد مقارنةً بالإناث.

– ولادة الطفل لوالدين كبار في السن، ولكنْ لا بدّ من إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد العلاقة بين عمر الوالدين وولادة الطفل.  

– الإصابة بمشكلات صحية أو متلازمات معينة.

ما هي أعراض  التوحد؟

أعراض التوحد كثيرة ومتنوعة، وهذه الأعراض قد يظهر بعضها على غير المُصابين بالتوحد، غير أنها في حالة مرضى التوحد تُشكِّل تحديًا كبيرًا وصعوبات في مجالات الحياة المختلفة، وفي المحاور الآتية توضيح لعدد من هذه الأعراض التي قد تبدأ بالظهور خلال عام الطفل الأول من حياته أو بما بعد ذلك:

أعراض تتعلق بمهارات تواصل والمهارات الاجتماعية:

والتي قد تكون تحديًا حقيقيًّا بالنسبة لمرضى التوحد، ومنها: 

– تجنب النظر في العين مباشرة أثناء الحديث.

– مقاومة ورفض الأحضان واللمس.

-عدم إظهار الطفل تعابير الوجه؛ كالفرح، والحزن، والخوف، والغضب، رغم إتمامه عمر 9 أشهر.

– عدم الاستجابة عند مناداة اسم الطفل في عمر 9 أشهر.

-عدم استعمال الإيماءات للتعبير في عمر 12 شهر، كالتلويح إشارةً للوداع.

– عدم ممارسة الطفل الألعاب التفاعلية في عمر 12 شهر.

– تفضيل الطفل للعب وحيدًا والانعزال.

– عدم القدرة على فهم إشارات الآخرين اللفظية وغير اللفظية.

-عدم مشاركة الاهتمامات مع الآخرين مع إتمامه عمر 15 شهرًا، كإطلاع الآخرين على لعبة يفضلها.

-عدم الإشارة لشيء مثير للاهتمام في عمر 18 شهرًا.

-عدم ملاحظة حزن الآخرين أو تعرضهم للأذى في عمر 24 شهر.

-إظهار اهتمام قليل بالأطفال الآخرين، وعدم مشاركتهم اللعب في عمر 36 شهر.

-عدم التظاهر والتمثيل أثناء اللعب ( كالتظاهر بأنه مدرّس أو بطل خارق) في عمر 48 شهر

-عدم الرقص أو الغناء أو التمثيل في عمر 60 شهر.

– إظهار ردود فعل عاطفية غير طبيعية.

أعراض تتعلق بالاهتمامات أو السلوكيات المتكرّرة أو المحدودة:

يتميز الطفل المصاب بالمتوحد بتصرفاته غير الاعتيادية والتي قد تكون عائقًا اجتماعيًّا بالنسبة له، ومن الأعراض التي تتعلق بالاهتمامات أو السلوكيات المتكرّرة أو المحدودة:

-ترديد كلمات وعبارات معينة باستمرار.

-اللعِب بالطريقة ذاتها دائمًا.

– ترتيب الألعاب بطريقة معينة، والشعور بالاستياء عند حدوث خلل بالترتيب.

-اتباع روتين ثابت دائمًا و الشعور بالاستياء بمجرد حدوث تغيير طفيف.

-تركيز الاهتمام على أجزاء الأشياء، كعجلات السيارة التي تدور مثلًا.

-رفرفة الأيدي، أو هز الجسم، أو تكرار حركات معينة بشكل مستمر، كما وقد تكون هذه الحركات مؤذية للجسد.

-وجود اهتمام بشيء معيّن يصل لحدّ الهوَس.

-وجود ردود فعل غير طبيعية للروائح أو الأصوات أو المناظر أو الشعور.

-الحساسية للضوء واللمس والأصوات، مع عدم المبالاة بشعور الألم والحرارة.

– اتباع عادات غذائية مختلفة وغير اعتياديّة، أو تحديد نوع معين من الطعام فقط لتناوله.

أعراض وعلامات أخرى: 

ومن هذه الأعراض:

– تأخر المهارات اللغوية أو فقدان القدرة السابقة على النطق، أو عدم القدرة على بدء محادثة أو الاستمرار بها.

– التحدث بنبرة صوت غريبة أو تشبه الإنسان الآلي، أو التحدث بإيقاع رنّان.

– تاخر ظهور المهارات الحركية.

– فرط الحركة والسلوكيات الاندفاعية.

– الإصابة بنوبات التشنج أو الصرع.

– المعاناة من الاضطرابات الهضمية، كالإصابة بالإمساك.

– إما فرط الخوف أو عدم الخوف تمامًا.

– تأخر مهارات التعلم أو المهارات الإدراكية (يجدرالذكر بأن بعض المصابين بالتوحد لديهم ذكاء متوسط أو حتى فوق المتوسط).

– القلق أو التوتر الشديد.

كيف يمكن الوقاية من التوحد؟

لا يوجد طريقة معينة يُمكن اتباعها للوقاية من التوحد، غير أنّ التشخيص المبكِّر يساعد في تقديم الدعم للمُصاب، وتحسين تطور مهاراته وسلوكياته ولغته، وكيفية أداء وظائفه بشكلٍ مناسب.

كيف يتم تشخيص  التوحد؟

يلجأ الطبيب المختص إلى تقييم تاريخ تطور الطفل وسلوكه لتشخيص الإصابة بالتوحد نظرًا لعدم وجود فحص مخبري أو طبي يؤكد الإصابة بهذا الاضطراب، ويعدّ التشخيص المبكّر خطوة مهمة وضرورية بالنسبة لحالات التوحد، فهي تساعد الفريق الطبي والعائلة على التأكد من تقديم الدعم الذي يحتاجه الطفل وضمان استخدام إمكانياته بالكامل.

وفي الحقيقة، قد يُشخِّص الطبيب حالة التوحد على عمر 18 شهر أو في وقت مبكّرٍ أكثر، ومع ذلك، من الممكن عدم الحصول على التشخيص النهائي حتى عمرٍ متأخر، كأنْ يكون في سن المراهقة أو الشباب.

ما هو علاج  التوحد؟

لا يعد التوحد مرضًا يمكن علاجه والشفاء منه، ولكن من الممكن تقديم المساعدة للتعايش والتكيف مع الحالة وأعراضها بعد تأكد التشخيص، وفي هذا الصدد يُذكر بأنّ الطبيب هو الشخص المُخوّل بتحديد الخطة العلاجية الأمثل للمصاب، وكلما كان بدء العلاج مبكرًا كلما كان تعلم المهارات الجديدة وتقوية جوانب مختلفة لدى المصاب أفضل، لذلك لا بدّ من المتابعة مع مقدّم الرعاية الصحية باستمرار للوصول لأفضل النتائج، وقد يتضمن علاج التوحد ما يأتي: 

العلاج السلوكي، النفسي، التعليمي:

وقد تتضمن جلسات هذا العلاج إشراك أفراد الأسرة والإخوة ومقدمي الرعاية، لمساعدة المصاب على ما يأتي:

– تعلم مهارات الحياة الأساسية للعيش بطريقة مستقلة، يعتمد فيها على نفسه.

– بناء أو زيادة نقاط القوة.

– التقليل من ممارسة السلوكيات التي تؤثر على وظائفه اليوميّة.

– تعلم المهارات اللغوية والفكرية والاجتماعية.

العلاج الدوائي: 

ربما يصِف الطبيب المختصّ بعض الأدوية التي تساهم في التخفيف من حدة الأعراض التي يعانيها المصاب بالتوحد؛ كالتوتر والاكتئاب، وفرط النشاط والحركة، ومشاكل التركيز، والسلوكيات المتكررة، والعدائية.

يجدر التنويه بأنه لا يوجد أدلة علمية قاطعة تفيد بأن المكملات الغذائية والفيتامينات وبعض علاجات الطب البديل قد تساعد في علاج التوحد، وينصح بعدم استخدام أي منها قبل استشارة الطبيب.

نصائح للتعامل مع طفل التوحد

يأتي هنا دور الوالدين والعائلة في مساعدة الطفل على التأقلم مع حالته والتعايش معها، وأهم ما يُنصَح به في هذا الخصوص: 

– الحفاظ على مبدأ الاستمرارية والثبات؛ أي عدم حث الطفل على تغيير ما تعلمه، ومعرفة التقنيات التي يستخدمها الطبيب معه ليتم الاستمرار بتطبيقها في المنزل والمدرسة وكل الأماكن، ممّا يساعد الطفل على فهم إمكانية تطبيق هذه السلوكيات خارج العيادة أيضًا.

– الحفاظ على جدول وروتين ثابت يشمل أوقات النوم وتناول الطعام والدراسة، وعند حدوث طارئ ما يجب تهيئة الطفل له.

– استعمال مبدأ المكافأة لتحفيز الطفل على التطور، كأن تشاركه لعبته المفضلة عند اتقانه مهارة جديدة.

– خلق مساحة آمنة في المنزل يُمكن للطفل الاسترخاء فيها والشعور بالأمان. 

– الانتباه لطريقة تعبير الطفل عن مشاعره، سواءً كانت تعابير وجه، أو أصوات يصدرها عند غضبه أو فرحه. 

– فهم طريقة تعبير الطفل عن غضبه ومعرفة مسبّبات الغضب لتجنّبه.

-الحرص على وجود وقت للمرح و اللعب.

– ملاحظة الأمور التي تسبب استثارة الطفل، كالإضاءة المزعجة التي قد تسبب مضايقته، أو صوت أو رائحة معينة، وتجنيبه الانزعاج.

– الانضمام لمجموعات الدعم والمساعدة لمشاركة خبرات كيفية التعامل مع أطفال التوحد، والحصول على الاستشارة المختصّة دائمًا.

ختامًا، الإصابة بالتوحد لا تعني عدم القدرة على عيش حياة جيدة، مع المساعدة الإضافية، يكون المصاب قادرًا على تكوين العلاقات الاجتماعية، والحصول على وظيفة وعيش حياته.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *