التغيرات النفسية في فترة المراهقة

تكثر الصراعات والمناوشات بين الأهل وأبنائهم في سنّ المراهقة، فهذا الطفل الذي اعتاد على مساعدة والديه ورعايتهم له يمرّ في مرحلة انتقاليّة صعبة، متأثّرًا بالعديد من التغيرات النفسية والإدراكيّة والجسميّة المتسارعة، فينعكس أثر هذه التغيّرات على سلوكياته وتصرفاته، وللتعرف أكثر على التغيرات النفسيّة التي تحدث في فترة المراهقة، يمكن الاطلاع على محاور هذا المقال.

طبيعة التغيرات النفسية في سنّ المراهقة

تمتدّ فترة المراهقة بين عمر 12 و13 إلى عمر 20 و24 سنة تقريبًا، وهي الفترة الانتقاليّة بين الطفولة وسنّ الرشد، وترتبط هذه المرحلة بمجموعة من التغيرات الفسيولوجيّة والبيولوجيّة التي تحدث في جسم الطفل المراهق، ومن وجهة نظر نفسيّة، تتضمّن التغيرات النفسية في مرحلة المراهقة تطوّر بنية معرفيّة جديدة لدى المراهق، كالقدرة على التفكير المجرّد والاستنباط والإبداع، والسيطرة على الاندفاع، وتطوّر قدرات حل المشكلات، واتخاذ القرار، وترسيخ القيم والمعايير الأخلاقيّة، والتعامل مع تطوُّر المهارات الإدراكيّة الخاصّة بهذه الفترة.

ويشار إلى أنّ القلق يعدّ واحدًا من المشكلات النفسيّة التي قد يعانيها المراهق والتي ترتبط غالبًا بالتغيرات الطبيعيّة التي تحدث في جسده، وتطوّر علاقاته مع الآخرين، والإحساس بمكانته في هذا العالم، أي أنّ القلق البسيط ووجود بعض التحديات ما هي إلّا مشكلات طبيعيّة تظهر عادةً في مرحلة المراهقة، كذلك يعاني العديد من المراهقين من أعراض الاكتئاب وأشكال الضغط النفسي التي ليس بالضرورة أن تستمر معهم لما بعد فترة المراهقة، ومع ذلك، قد تتطوّر المشكلات النفسيّة الخطِرة في هذه المرحلة العُمريّة، إذ لوحظ أنّ العديد من الأمراض النفسية التي يعاني منها الشخص البالغ تبدأ أعراضها في سنّ المراهقة.

وعليه، من الضروري انتباه الأهل للأعراض التحذيريّة والتغيرات التي تظهر على ابنهم المراهق وتدلّ على معاناته من مشكلة نفسيّة حقيقيّة تستدعي تلقي العلاج المتخصّص للسيطرة عليها في مراحلها الأولى قبل تفاقمها.

كيف يتعامل الطفل المراهق مع التغيرات العاطفيّة التي يمرّ بها؟

يبدأ الطفل خلال فترة المراهقة بملاحظة عواطفه والسيطرة عليها وتنظيمها، ويُصبح أكثر إدراكًا لطبيعة مشاعره ومشاعر الآخرين، لذلك نجد أنّ بعض الأطفال يُمكنهم التأقلم مع التغيرات العاطفية بسهولة خلال هذه المرحلة، بينما يحتاج البعض الآخر للدعم النفسي بهدف بناء الثقة بالنفس، وبكلّ الأحوال، فإنّ التطور العاطفي عند المراهق يمنحه فرصة بناء مهاراته واكتشاف ميزاته الفريدة التي يتمّتع بها بينما يُصبح أكثر استقلالًا. 

ومن أبرز التغيرات العاطفية في سنّ المراهقة:

– إمكانيّة فهم مشاعر الآخرين، ومع ذلك قد يسيء المراهق فهم بعض تعابير الوجه أو لغة الجسد، وفي هذه الحالة قد يحتاج للمساعدة لفهم ما يشعر به غيره.

– تطوّر المشاعر العنيفة والعواطف الحادّة.

– تقلب المزاج وعدم توقّعه، فدماغ الطفل في هذه المرحلة مازال يتعلم كيفيّة السيطرة على العواطف والتعبير عنها.

– اتخاذ قرارات متهوّرة، فهو في مرحلة تطوير مهارات اتخاذ القرار وتعلم وجود تبعات لسلوكياته، ولم ينضج بعد.

هل تغيرات المزاج عند المراهق طبيعية؟

أجل، هي تغيرات طبيعيّة ومتوقَّعة خلال فترة المراهقة، خاصةً وأنّ مرحلة المراهقة تتضمّن حدوث العديد من التغيرات في الدماغ وتطوّره، ومع ذلك، يتوجب على الآباء مراقبة التغيرات المزاجية لدى طفلهم المراهق، فأحيانًا تُشير هذه التغيرات إلى وجود مشكلة أكثر خطورة وتحتاج المساعدة بالفعل، ولتقييم التقلبات المزاجية لدى المراهق ومعرفة ما إن كانت طبيعيّة أو غير طبيعية يمكن الاعتماد على الآتي:

– شِدة التغيرات المزاجية، وملاحظة حدوث تغيرات واضحة في المشاعر والأفكار والسلوكيات.

– مدة استمرار التقلبات المزاجيّة، أي يجب الانتباه إذا كان المزاج السلبي عند المراهق يستمر لأكثر من أسبوعين.

– أثرها على حياة المراهق، بمعنى آخر: “هل تؤثر التغيرات المزاجيّة لدى المراهق على حياته في المنزل أو المدرسة أو على علاقات الصداقة؟”.

نصائح لكيفيّة التعامل مع المراهقين

ثمّة مجموعة من النصائح التي يمكن تقديمها للأهل والمقربين من الطفل المراهق للمساعدة على دعمه عاطفيًّا واجتماعيًّا:

احرص على الاستماع الجيد لطفلك المراهق أثناء حديثه، فإن لم تُنهِ عملك بعد، من الأفضل أن تُخصِّص وقتًا مناسبًا تتمكّن فيه من الاستماع لحديث طفلك دون مقاطعته أو تشتّت الانتباه، واحترام رأيه ومشاعره ووجهة نظره تجاه الأشياء، فالاستماع الجيد يعزّز العلاقة مع طفلك خلال مرحلة المراهقة.

كن نموذجًا يُحتذى به في علاقاتك مع الآخرين، إذ يتعلّم المراهق من طبيعة العلاقات التي تسعى إلى تكوينها مع الآخرين، فاحرص على أن تكون إيجابيّة، ومبنيّة على التعاطف والاحترام، كذلك من الجيد أن تكون قدوة لطفلك من حيث كيفية التعامل مع المشاعر الصعبة والتقلبات والصراعات، كأن تحاول بإيجابية التعامل مع مزاج ابنك الصعب بقول : “أنا متعب، وأشعر بأنّني لا أستطيع التحدّث معك حاليًّا دون أن أشعر بالضيق، هل يمكننا تأجيل المحادثة إلى وقتٍ لاحق؟” بدلًا من الانخراط في جدالات عقيمة لا فائدة منها.

مصارحة الطفل المراهق حول طبيعة مشاعرك، وتوضيح إحساسك تجاهه عندما يسلك سلوكًا معيّنًا، فبذلك يمكنك تعليمه كيف يمكنه فهم العواطف والاستجابة لها، فمثًلا يمكنك توضيح شعورك الإيجابي عند قيام ابنك بفعل شيء معيّن مستحبّ بالنسبة لك، كقول” لقد شعرت بسعادة عارمة في اللحظة التي دعوتني فيها لحضور يوم التحصيل الدراسي”.

ركز على الإيجابيات في لحظات التقلب المزاجي والانزعاج الذي يمر به طفلك المراهق بدلًا من الدخول معه في صراعات غير منتهية، كأن تمدح طفلك كونه صديق وفيّ، أو أنّه يحاول بجدّ التفوّق في المدرسة.

تعرّف على أصدقاء طفلك واستقبلهم في المنزل حتى تساعد ابنك على تقوية علاقاته الاجتماعية وتُشعره باهتمامك في صداقاته، وفي حال شعرت بأنّ أصدقائه مصدرٌ لقلقك، تجنب انتقادهم أمامه أو منعه من تكوين صداقات مع الآخرين، والذي قد يدفعه إلى التقرّب منهم أكثر وقضاء مزيد من الوقت معهم، وإنّما حاول توجيهه لمجموعات اجتماعيّة أخرى يمكنه الانسجام معها وتكوين صداقات بنّاءة ومُثمرة.

حافظ على وضع حدود صحيّة أثناء إعطاء طفلك المراهق الفرصة للتعبير عن استقلاليّته بطريقة سليمة وآمنة، كذلك من الجيد إعطاء الطفل المراهق المساحة الكافية التي يمكنه فيها التعبير عن مشاعره، وتعزيز قدرته على حلّ المشكلات بنفسه.

عزّز لديه السلوكيات الإيجابية بملاحظتها والاعتراف بوجودها، وشجعه أيضًا على اتباع عادات سليمة بالنسبة للنوم والأكل. 

ساعد طفلك المراهق على فهم مزاجه وتأثير فترة البلوغ على عواطفه وجسمه وما يمرّ به من تغيّرات تزعجه.

تعامل بطريقة سليمة مع استجابة طفلك المراهق بعنف وعدوانية تجاهك، كأن تترك المكان عندما يتصرف بعدوانيّة تجاهك بعد إخباره بأنّ للحديث بقيّة وأنّ بالإمكان إكمال الحوار عندما تهدأ أعصابه، وفي هذه اللحظة حاول توفير المساحة الكافية له وإخراج الشخص الذي يُثير أعصابه من المكان، كما يتوجب عليك في بعض الحالات وضع عواقب بسيطة تترتّب على سلوكه العنيف لتوضيح فكرة أنّ العنف ليس مقبولًا، ولا تنسى أن تُتابع علاقاته في المدرسة، فأحيانًا يواجه المراهق مشكلات مختلفة مع معلّميه وزملائه في المدرسة، وفي حال لم تُجدِ أيّ طريقة نفعًا في التعامل مع سلوك طفلك العدوانيّ، عليك مراجعة الأخصائي النفسي أو المستشار النفسي في المدرسة لمعرفة أفضل الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها للتعامل مع المشكلة.

انظر إلى الصورة الأكبر واقتنع بأنّ طفلك لا يقصد إزعاجك، بل إنّه لا يدرك حقيقةً كيفيّة تأثير كلماته عليك، وتذكر بأنّ النزاع بينك وبينه دليل على نضجه وتطوّره، وأنّ فترة المراهقة ستنتهي وكلّ ما تواجهه من صعوبة في التعامل مع ابنك مؤقّت.

تجنب توجيه الإهانة لطفلك المراهق مهما حدث، وحاول عدم الاستهزاء به أو الضحك عليه في حال بدأ بطرح أسئلة حمقاء، كما يفيد أيضًا عدم إصدار الأحكام وتفهّم طبيعة مشاعره حتى في حالة عدم الموافقة على سلوكياته، فهذا يجعله يجد الطريق إليك سهلًا، ويمكّنه من محادثتك بكلّ حريّة.

شجع طفلك المراهق على المشاركة في قرارات العائلة، وحل المشكلات العائليّة سويّة، وتفهّم محاولته تحدّي رأيك واتباع طريقته الخاصّة في الأمور، كما يفيد أيضًا تشجيعه على المشاركة في الأنشطة التي يختارها وتعزيز ثقته بنفسه.

نصائح للمراهق نفسه في حالة تقلبات المزاج

إذا كنت مراهقًا وتمرّ بفترة صعبة من التغيرات النفسيّة وتقلبات المزاج، يمكنك اتّباع الآتي:

تدرّب على التعبير عن مشاعرك واحتياجاتك العاطفيّة في الفترة التي تشعر فيها بتقلبات مزاجيّة قويّة وسرعة انفعال وحزن، وتدرّب على التواصل البنّاء مع الآخرين، أي بعيدًا عن الصراخ والغضب حتى تتمكّن من السيطرة على مشاعرك، ويمكنك أيضًا الاحتفاظ بدفتر يوميّات يُسهّل عليك تنظيم أفكارك ومشاعرك، كما يساعدك في هذه الحالة أخذ الوقت الكافي بعيدًا عن الآخرين ولمفردك حتى يتسنّى لك تهدئة أعصابك، وفي بعض الحالات قد ترغب في اللجوء لطلب المساعدة من شخصٍ مختصّ أو أحد الوالدين أو شخص موثوق لتتمكن من السيطرة على مشاعرك.

حاول التدرب على أن تكون صديقًا جيّدًا يُمكن الوثوق به، إذ قد يعزّز هذا التصرّف ثقتك بنفسك ونظرتك لذاتك، خاصةً وأنّك تشعر في هذه المرحلة بأهميّة تكوين علاقات عميقة مع أقرانك.

قف أمام المرآة يوميًّا وجد شيئًا فيك تُثني عليه، فهذا الأسلوب يساعد على تعزيز نظرتك الإيجابيّة لذاتك، وتقبُّل تغيرات جسمك المؤقتة التي تُزعجك في هذه المرحلة.

تمرّن على الثقة بالنفس، إذ يمكنك بناء ثقتك بنفسك مع الوقت بالممارسة والتدريب، واستغلال الوقت للحديث الإيجابيّ مع النفس.

افتح باب الحوار مع والديك وشاركهم الظروف التي تمرّ بها، فقد يقدّم والديك نصائح وتوجيهات قيمة تساعدك على مواجهة مشكلاتك، خاصةً وأنهم أنفسهم مرّوا بمرحلة المراهقة.

حاول الانخراط في نشاط رياضي، إذ تساهم الرياضة في تعزيز الثقة بالنفس وتخفيف مستوى التوتّر، ويساعد ذلك حتمًا على التحكّم بالتغيّرات الصعبة التي تحدث في مرحلة البلوغ.

تعلّم وثقّف نفسك أكثر حول التغيرات التي تحدث في جسمك والتغيرات المتوقّع حدوثها للاستعداد لها والنظر لمشكلاتك من زاوية أخرى، بمعنى رؤيتها على أنّها تغيرات طبيعيّة، فالمعرفة والتثقيف يُعطيك القوّة.

حاول عدم بناء العداء مع والدك، وتأكد أنّهما يرغبان بتحقيق الأفضل لك، وأنهم لا يكنون لك سوى مشاعر الحبّ الكبير، حتى وإن كنت غير موافق على طريقتهم في التعبير عن ذلك، فهم كباقي البشر لديهم نقاط ضعف واحتياجات ومشاعر.

استمع لوالديك بتفهّم، وحاول رؤية الموقف من منظورهم الخاصّ، وتعامل مع والديك باحترام وتهذيب كما تفعل عند تعاملك مع آباء وأمهات أصدقائك.

أدّي واجباتك وتحمّل مسؤولياتك في البيت والمدرسة، فبهذه الطريقة قد يساعدك والديك على تحقيق ما تريده وتحتاجه فعلًا.

وأخيرًا، يمرّ المراهق بالعديد من التغيرات النفسية والعاطفية التي تؤثر على علاقاته مع عائلته والأفراد المقرّبين منه، لذلك يجب دائمًا التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة بطريقة سليمة من حيث توفير الدعم العاطفي لهم، وإعطائهم المجال للتعبير عن مشاعرهم، وإبداء رأيهم الخاصّ، والابتعاد عن المواجهات العنيفة والحوارات العقيمة معهم، وفي حال كانت التقلبات المزاجيّة التي يمرّ بها الطفل خارجة عن السيطرة ومتواصلة، من الأفضل الرجوع إلى الأخصائي النفسي واستشارته في هذا الشأن للوقوف على المشكلة والتعامل معها.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

 المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *