هل مررت بحدث أو تجربة قاسية جعلتك تعاني من حالتك النفسية السيئة ومشاعرك المتضاربة؟ ولم يكن بيدك حيلة كي تزيل هذا العائق من حياتك؟ يمر الكثير من الأشخاص بأحداث وتجارب مؤلمة، بعضهم قد يمضي دون أنْ يتأثر، وبعضهم الآخر قد يشكّل لهم مشكلة حقيقية في حياتهم، ماذا عليك أن تفعل حتى تتجاوز هذا الألم وتستعيد توازنك الطبيعي؟ تابع معنا هذا المقال حتى تتعرف على أهم النصائح التي ستساعدك على المضي قُدُمًا في الحياة.
ما هو الحدث الصادم؟
كما بينّا سابقًا، يمرّ الكثير من الأشخاص بتجارب مرهقة في حياتهم، ولكنْ عندما يتسبَّب الحدث أو التجربة في حدوث ضرر نفسي أو جسدي أو عاطفي أو روحي، يُطلق عليه حينها حدث صادم أو حدث صدمي (Traumatic event)، وفي الحقيقة، غالبًا ما تتميّز الأحداث الصادمة بأنّها تُثير شعورًا بالرعب أو العجز أو التعرّض لإصابات خطِرة أو التهديد بالتعرّض لإصابات خطِرة أو الموت، وقد تؤثر في الأشخاص الذين خاضوا التجربة نفسها أو ربما أقاربهم والأشخاص الذين شاهدوا الحدث بصورة مباشرة أو غير مباشرة (على شاشة التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي).
وعمومًا، في بعض الحالات يستمر الضَّرر الناجم عن الصدمات لفترة قصيرة يتحسّن فيها تدريجيًّا مع بعض طرق التأقلم، ولكّنه قد يمتد أحيانًا لفترة طويلة بعد التعرّض للحّدث الصادم ولا يتحسّن مع الوقت، وهذه الحالة قد يُطلق عليها اضطراب الكرب التالي للرضح أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وفي كلا الحالتين يحتاج الشخص الذي تعرَّض للصدمة للوقت الكافي والدعم اللازم للتعافي وإعادة بناء حياته والشعور بالراحة مرة أخرى.
ومن الأمثلة على الأحداث الصادمة في الحياة: التعرض لحادث سير شديد، أو جريمة عنيفة، أو هجوم إرهابي، أو حرب، أو مرض خطير، أو الحبس في السجن، أو التعرض للاغتصاب، أو التعرض للعنف المنزلي أو النزاعات العائلية الأخرى، أو وفاة أحد الأحباء، أو مشاهدة موت أحد، أو حدوث جائحة عالمية، أو حدوث الكوارث الطبيعية، كالإعصار والزلازل والفيضانات، أو التعرض للانفصال أو الإهمال.
ما هي الأعراض الناجمة عن الحدث الصادم؟
يتأثر الناس بطرقٍ مختلفة عند استجابتهم للأحداث الصادمة، فقد لا تظهر على بعضهم علامات واضحة، بينما تظهر على البعض أعراض نفسية وجسدية شديدة، فالمرحلة الأولى بعض الصدمة قد تكون الأعراض كواحدة أو أكثر من الآتي:
– يدخل الشخص في حالة صدمة شديدة وإنكار كدافع تلقائي لحماية نفسه من الآثار العاطفية للحدث.
– يشعر في بعض الحالات بالخدَر أو الانفصال عن الواقع.
– عدم الإحساس بكامل شِدة الصدمة مباشرة.
– الخوف والارتباك، والإحساس بالخطر.
– العجز والضعف، والغوص في الحزن والعديد من المشاعر المتداخلة.
تجاوز المرحلة الأولى من الصدمة قد يستغرق بضعة أسابيع، وبعدها تكون الاستجابة للصدمة مختلفة، ولكنْ من الشائع ظهورها كواحدة أو أكثر من الآتي:
– تقلبات مزاجية مفاجئة.
– ذكريات متكررة للحدث الصادم.
– كوابيس.
– صعوبة التركيز.
– تغيرات في نمط النوم، والأرق.
– الخوف الشديد من تكرار الحدث الصادم، خصوصًا مع اقتراب موعده.
– استمرار تجنب التفكير بالحدث.
– أعراض جسدية وسلوكية، مثل: الصداع والغثيان والتوتر.
– عزلة وانسحاب من الأنشطة اليومية.
– الإنكار.
– التهيج والقلق والغضب.
– الاكتئاب.
– تغيرات شديدة في المزاج، وصعوبة التحكم بردود الفعل.
– تفاقم مشكلة صحيّة موجودة.
متى أراجع الطبيب؟
عدد كبير من الأشخاص الذين يُصابون باضطرابات ما بعد الصدمة يتعافون خلال مدّة قصيرة دون الخضوع للعلاج، ولكنْ، في حال كانت الصدمة شديدة أو مباشرة أو متكرّرة واستمرّت الأعراض لأكثر من 3 شهور، أو كانت أعراض الصدمة شديدة بما يكفي خلال الشهر الأول لتؤثر على الحياة الاجتماعية اليومية، يجب الأخذ بعين الاعتبار مراجعة الاختصاصي النفسي، كذلك إذا كنتَ تعتقد بأنّ أحد أحبتكَ يعاني من اضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD) تحدث مع الطبيب المختص أو تواصل مع عيادة الصحة النفسية المحليّة في منطقتك.
ولا بدّ من توضيح أنّ أعراض ما بعد الصدمة تختلف عند الأطفال، وقد تحتاج بعضها مراجعة الطبيب المختصّ ليعمل مع الأهل على إيجاد أفضل الطرق التي تساعد على تأقلم الطفل مع ما واجهه من صدمة، ومن أهم هذه الأعراض:
– ظهور السلوك العنيف على الطفل.
– الانسحاب من الأنشطة الاجتماعيّة.
– مواجهة مشكلات شديدة في المدرسة.
– استمرار الهوس بالحدث الصادم.
– صعوبة في النوم مستمرّة.
– الانفجارات العاطفية.
نصائح للتعامل مع الأحداث الصادمة
توجد العديد من الطرق والنصائح التي قد تساعدك على التعامل مع الأحداث الصادمة التي تواجهها، والتقليل من جهدك النفسي والجسدي، والتي نذكر منها ما يلي:
تقبل مشاعرك
كن صبورًا وامنح نفسك الوقت الكافي لتقبل هذه المشاعر التي تنتابك دون الشعور بالذنب، ودون السماح لها بأن تطغى عليك، واعلم بأنكَ لا تستطيع التحكم في كل شيء، فالمشاعر الصعبة والمفاجئة التي تنتابك بعد الصدمة هي استجابة ورد فعل طبيعيّ من الضروريّ تقبلك لها وتفهّمها، وهو ما يساعدك على التعافي.
واجه الحدث الصادم
على عكس ما يبدو، فإن محاولة تجنب الحدث الصادم بعد مروره، لن يساعد على نسيانه، بينما يساعدكَ على التعافي مواجهة الذكريات المرتبطة به والأشياء التي تحفزها، للتعامل معها بطريقة تساعدكَ على المضي قُدُمًا في الحياة.
قلل اطلاعك على الوسائل الإعلامية
إذا حدثت الصدمة لك عن طريق الوسائل الإعلامية، أو تعرّضت لحدث صادم ويُعرَض على وسائل الإعلام، حاول تخفيف مشاهدة الأخبار والتعرض المستمر للفيديوهات والصور المرتبطة بالحدث إذا كانت تُثير مشاعر سلبيّة لديك، أو بإمكانك أخذ راحة لبضعة أيام منها حتى تستعيد قوتك، وإن كنت مهتمًّا بمتابعة الأخبار، فبإمكانك قراءة الصحف الورقية عوضًا عن مشاهدة مقاطع الفيديو والصور.
حل النزاعات الصغيرة
خذ الوقت الكافي لحل النزاعات الصغيرة اليومية حتى لا تتراكم وتتسبّب في زيادة شعورك بالتوتر والقلق، وباستطاعتك تقسيم المهام الكبيرة لمهام صغيرة، وتحديد أولوياتك لتسهيل التعامل معها إذا كان لديك متسع من الوقت، وإتاحة الوقت للتعامل مع المشكلات أو الأمور الكبيرة.
لا تعزل نفسك
اقضِ وقتًا مع الآخرين وشاركهم الحديث الذي لا يتعلق بالحدث الصادم؛ حيث أنّ فتح خطوط التواصل مع أحبتكَ هو جزءٌ مهمٌّ في عمليّة التعافي، وأقل ما يحدث هو أنّ التواصل مع شخص آخر وجهًا لوجه يحفز إفراز هرمونات تساعد على تخفيف ضغط وتوتر الصدمة، لذلك يُمكنكَ توسيع دائرة معارفك بالانضمام إلى مجموعات الدعم والمنظمات الاجتماعية ونوادي الرياضة والهوايات، ومقابلة أشخاص لديهم اهتمامات متشابهة معك، وعلى الرغم من أهمية التواصل مع الأحباء وجهًا لوجه، فقد تعدّت إمكانية التواصل حدود المسافات الفاصلة، ليصبح سهلًا ومُمكنًا في أي وقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا في الأوقات الصعبة والتي يصعب فيها التواصل مع الآخرين وجاهيًّا، وهذا الأمر سيساعدك على تجنب العُزلة.
عُد إلى روتينك الطبيعي
في العودة إلى روتين العمل اليومي بعد الحدث الصادم راحة واسترخاء واستعادة للشعور بالحياة الطبيعية، وتخفيف لشعورك بالقلق والتوتر واليأس، لذلك، خذ خطوة للوراء، وأعِد تقييم حياتك وأهدافك، وحاول الانخراط في أعمالك الروتينية في العمل والحياة الاجتماعية من جديد، ونسِّق جدولًا مليئًا بالأنشطة المنظِّمة ليومك.
شارك في الأنشطة الترفيهية ومارس هواياتك واهتماماتك الأخرى
فتكريس الطاقة للأنشطة والاهتمامات الأخرى حتى وإنْ كانت بسيطة يساعد على تنشيط الجسم والذهن وإشغاله بعيدًا عن الحدث الصادم، إذْ يمكنك أن تملأ وقتك بالعديد من الأعمال الإيجابية؛ كالقراءة، والطبخ، واللّعب مع الأطفال، والتطوّع ومساعدة الآخرين.
ابتعد عن الكحول والمخدرات
الاستسلام لتعاطي هذه المواد بهدف تشتيت الذهن والحصول على الراحة اللحظية لن يؤدي سوى إلى الوقوع في مزيدٍ من المشاكل العقلية والجسديَّة على المدى البعيد مع استمرار الشرب والتعاطي، وإن كنت تعاني من الإدمان، قم بالتحدث مع طبيبك لمساعدتك على التخلص من آثاره بسلامة، ولدعمك بالطرق الصحية والسليمة.
تجنب اتخاذ قرارات كبيرة ومصيرية في ظل الحدث الصادم
انتظر حتى تستردّ توازنك العاطفي واستقرار حياتك قبل اتّخاذ أيْ قرارات تتعلق بالأمور الحياتية، مثل: العمل والمنزل والأسرة، فذلك يساعدك على تجنّب التوتر، والتفكير بوضوح، واتخاذ القرارات الصحيحة وفي الوقت المناسب.
اتبع عادات صحية جيدة
وأهم هذه العادات والسلوكيات الصحيّة:
– ممارسة الرياضة: عند التفكير بالأمر، ربما تجد أنّه من الصعب ممارسة الرياضة تحت الضغط الناجم عن الصدمة، ولكنْ فكر في أهمية ذلك، إذْ تُساهم تأدية التمارين الرياضيَّة في تحفيز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج، وإضفاء الشعور بالرضا والمساعدة على تجاوز الحدث الصادم، وفي هذا السياق، يُمكنكَ إضافة النشاط والحماس لحياتك بالمشي، أو الجري، أو لعب كرة السلة، أو الملاكمة، أو السباحة، وغيرها، مع عدم إغفال الحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة.
– تناول غذاء صحي ومتوازن: بحيث تحتوي وجبات الطعام على كميات كافية من الفيتامينات، والبروتينات عالية الجودة، والدهون الصحية، مثل أحماض أوميغا 3 الدهنية، فهذه المواد تساعد على تحسين طاقتك وحالتك المزاجية، وقدرتك على التعامل مع آثار الصدمة.
– احصل على نوم جيد: فبعد الحدث الصادم قد ترافقك بعض الذكريات السيئة أو الكوابيس، لذلك، من المهم اتباع استراتيجيات تُحسن من نوعيّة نومك، أهمها تجنب تناول الكافيين فترة المساء، والقيام بالأشياء التي تساعد على الاسترخاء قبل النوم؛ كالتأمل والقراءة، إلى جانب الابتعاد عن ممارسة الرياضة قُرب موعد النوم، وتحديد موعد للنوم والاستيقاظ يوميًّا، مع أهمية تجهيز بيئة نوم هادئة ومريحة ومظلمة.
– مارس التأمّل أو غيرها من تمارين الاسترخاء: كالتنفس العميق أو التمدد اللطيف أو التركيز على الزفير، كلها من التمارين الداعية على الهدوء والاسترخاء والتقليل من التوتر، حتى لو لم تمارسه من قبل.
اطلب المساعدة
شارك عائلتك وأصدقاؤك التجربة التي مررت بها واطلب منهم الدعم، وإذا زادت حدة الأعراض لديك بعد مرور شهر على الحدث الذي واجهته قم بالتواصل مع أخصَّائي الصحة النفسية لاستشارته عن حالتك، والحصول على الدعم اللازم.
انضم إلى مجموعة دعم
الانضمام لمجموعات الدعم يُتيح لك فرصة التواصل مع الأشخاص الآخرين المتضررين بعد تجربة قاسية، وهذه الخطوة تفيدكم جميعًا في التغلب على شعور العجز واليأس، وبإمكان طبيبك أو ذوي الاختصاص إرشادك لمجموعات الدعم المحلية، أو بإمكانك إيجاد واحدة عبر الانترنت.
كن لطيفًا مع نفسك
استمع لحاجة جسدك، وافعل الأشياء التي تجعلك سعيدًا، فبإمكانك مثلا: أخذ حمام دافئ، أو قراءة كتاب تحبه، أو الذهاب في نزهة لطيفة، أو مشاهدة مباراة مع أصدقاءك.
عزز طاقتك الإيمانية
قم بالاستماع إلى الدروس الوعظية والتأملية، والتي تساعد على هدوء الأعصاب وبث السرور في النفس.
احتفل مع الآخرين
الشعور بالفرح والاحتفال بالنجاحات مع عائلتك وأصدقاءك ليس صعبًا ويُمكنكَ القيام به، فهو جزءٌ مهمٌّ من طريق العودة للحياة الطبيعيَّة.
ما الذي يمكنك فعله لطفلك بعد تعرضه لحدث صادم؟
قد يساعدك الآتي على مساعدة طفلك الذي تعرّض للصدمة:
– شجّع طفلك على التعبير عن مشاعرة وأفكاره، دون إصدار الأحكام عليه.
– وضح لطفلك فكرة أنه من الطبيعيّ شعوره بالاستياء بسبب حدوث شيء سيء أو مخيف.
– ساعده على العودة لأنشطته اليوميّة الروتينيّة.
وأخيرًا، تذكر أنه من الضروريّ الاهتمام باحتياجاتك الخاصّة وإعطاءها الأولويّة دائمًا، خاصةً في أوقات الأزمات، واتباعك للنصائح السابق ذكرها يساعدك على التعامل مع المشكلات التي تواجهها بعد الصدمة، وإيجاد أفضل السبل لتهدئة أعصابك، واستعادة توازنك العاطفي والجسدي والعقلي معًا، وتمكينك من التعامل مع الصدمة بشكلٍ أفضل، وإذا أصبحت مغمورًا وعائمًا في آثار تعرّضك للصدمة ولم تتمكّن من تجاوزها أو الشعور بالتحسن مع الوقت، سارع إلى زيارة الطبيب أو المستشار النفسي واطلب المساعدة لتخطّي ما تمرّ به.
*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى
المراجع: