الاكتئاب الهياجي (Agitated depression)

عند تعرض البعض لحدث سيء في حياتهم تنتابهم مشاعر الحزن وعدم الرغبة في إنجاز أيّة أعمال لفترة معينة -وهذا أمر طبيعي-.. يصنف بعض الناس هذه الحالة على أنها “اكتئاب”، ولكنها -في الحقيقة- تختلف عنه، فالاكتئاب يصاحبه استمرار مشاعر الحزن وفقدان الأمل لفترةٍ طويلة دون تحسّن ودون وجود سبب معين -في كثير من الحالات-، وبشكلٍ يؤثر على إنجاز المهام اليومية والروتينية مع الانغماس المستمر في مشاعر الألم النفسي، بل إن الأمر يتعدى ذلك في بعض الحالات ليصاحب الاكتئاب ظهور أعراض شبيهة بأعراض القلق والهياج بدل الكسل والخمول، ولتمييز هذه الحالات تم وصفها بـ”الاكتئاب الهياجي”. 

فما هو الاكتئاب الهياجي (Agitated depression)؟

الاكتئاب الهياجي (Agitated depression)، أو الاكتئاب التهيّجي، أو الاكتئاب المضطرب، أو الاكتئاب الهيجاني، ليس مصطلحًا طبيًّا بحدّ ذاته، ولكنّه قد يصِف نوعًا من الاكتئاب الذي تظهر أعراضه على صورة حزن أو فقدان للأمل أو شعور بالعجز والضيق، مصحوبًا بأعراض القلق والهياج والغضب، والمقصود بالهياج هنا حالة الانفعال الذي يُنتِج سلوكات وحركات اندفاعية يرافقها الغضب في كثير من الأحيان، فمن يعاني هذا النوع من الاكتئاب عادةً لا يشكو من الكسل أو بطء إنجاز المهام، وإنما يكون سلوكه متقلّبًا، ومزاجه سيء، ويعاني من الانفعال.

يصنف البعض حالة الاكتئاب الهياجي كنوع من الاكتئاب الشديد المصاحب للهياج النفسي الحركي (Psychomotor agitation)، أو اعتباره كنوع من أنواع القلق الشديد، أو واحدًا من سمات اضطرابات المزاج أو المشكلات الصحيّة، كاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب.

ما هي أعراض الاكتئاب الهياجي (Agitated depression)؟

كما بينّا سابقًا، فإنّ الاكتئاب الهياجي يجمع ما بين أعراض الاكتئاب الاعتياديّة، وأعراض الهَوَس والانفعال الشديد؛ ومع ذلك فكل مصاب يعاني من أعراض فريدة تجمع بين الاكتئاب والهياج، والتي تظهر بصورة مفاجئة أو تتطوّر مع الوقت، فقد يشعر البعض بواحد من الأعراض فقط، بينما تنتاب آخرون مجموعة من الأعراض في الوقت ذاته.. ومن هذه الأعراض ما يتعلق بالاكتئاب بحد ذاته مثل:

– الشعور بالإعياء وفقدان الطاقة.

– انخفاض المزاج أو الحزن.

– الأرق أو كثرة النوم.

– الشعور بالخواء، أو الذنب، أو انعدام القيمة.

– التشاؤم.

– صعوبة التركيز أو التفكير بوضوح.

– عدم القدرة على اتخاذ القرارات الروتينيّة بسهولة.

– التفكير بالانتحار، أو محاولة الانتحار.

– فقدان الاهتمام بالأشياء التي كان يهتمّ بها مسبقًا.

– تناول كميات أكبر أو أقل من الكميات المعتادة من الطعام، فيتبعها زيادة أو نزول الوزن.

أما الأعراض التي تتعلق بالهياج والانفعال، والتي يعاني منها المصاب بالاكتئاب الهياجي إضافة للأعراض السابقة:

– القلق والتوتر.

– الانزعاج من أبسط الأشياء و/أو الصراخ.

– الغضب أو الهياج الشديد.

– الحركة الشديدة أو القيام بحركات من غير وعي.

– قضم الأظافر، والعبث بالجلد أو الثياب أو الشعر أو عصر اليدين وفركهما.

– تشابك القدمين أو المشي السريع جيئة وذهابًا بما يدل على التوتر.

– كثرة الكلام، أو صعوبة خوض محادثة.

– التململ.

– مشاكل في التركيز.

– الشعور بالإثارة أو بالحاجة للهجوم أو التصرّف بسرعة أو السلوك التخريبي أو العنيف.

ما هي الأسباب والعوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب الهياجي (Agitated depression)؟

في الحقيقة لا يوجد سبب واضح يبرّر حدوث الاكتئاب الهياجي، ولكن يبدو أنّ هناك عددًا من العوامل قد تلعب دورًا في زيادة احتماليّة تطوّر هذه المشكلة، من أهمها:

– وجود تاريخ عائلي للإصابة باضطراب ثنائي القطب.

– تأثير عوامل بيئيّة وثقافيّة، وعوامل اجتماعيّة ونفسيّة، كالعيش في بيئة أسريّة مختلّة، أو التعرّض لأحداث صادمة، أو الانتقال للعيش أو العمل في بيئة جديدة.

– تعاطي المخدّرات، أو تناول المشروبات الكحوليّة.

– استخدام مضادات الاكتئاب.

– الإصابة باضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد.

– المعاناة من التوتّر الشديد.

– الإصابة بالقلق، أو اضطراب الشخصيّة الحديّة، أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).

– الاضطراب الهرمونيّ.

– الإصابة بالخرف.

– الإصابة بعدوى، مثل تسمّم الدم.

– اضطراب توازن الكاهرل في الدم (وهي معادن توجد في الدم وفي مناطق أخرى من الجسم، ومنها الصوديوم والمغنيسيوم و البوتاسيوم والكالسيوم وغيرها).

كيف يتم تشخيص الاكتئاب الهياجي (Agitated depression)؟

إن أهم نقطة في تشخيص الاكتئاب الهياجي وغيره من الاضطرابات النفسية أن التشخيص لا يتم إلا عن طريق طبيب مختص، إذ لا يمكن لأيٍّ كان أن يقوم بتشخيص الاكتئاب الهياجي لمجرد القراءة عنه لتشابه أعراضه مع اضطرابات أخرى.

فإذا شعر أحدهم بميله إلى إيذاء نفسه أو الآخرين، أو في حال شعر بهياج يعيق إنجازه للمهام اليوميّة الاعتياديّة، فيجب عليه مراجعة الطبيب في أقرب فرصة ممكنة، فهناك بعض الإجراءات التي يتبعها الطبيب النفسي ليتمكن من تشخيص الاكتئاب الهياجي، وتتلخص هذه الإجراءات في:

– أخذ التاريخ الطبي الكامل للشخص المعني.

– اتّباع أسلوب الكلام وملاحظة المزاج.

– معرفة الأعراض التي يعاني منها الشخص، وسؤاله عن الأشياء التي تحسّن مزاجه أو ربما تتسبّب في تراجعه، إلى جانب معرفة وقت ظهور الأعراض، أو إن كان يتعاطى الكحول أو المخدرات، وقد يساعد الأشخاص المقربون من المصاب في التشخيص حين يصفون للطبيب تقلبات مزاجه والأعراض التي يعانيها.

– طلب إجراء فحوصات مختلفة للدم بهدف استبعاد الأسباب المحتملة وراء الإصابة بالهياج، كالاضطراب الهرموني، أو نقص الفيتامينات.

– استبعاد الإصابة بأنواع أخرى من الاضطرابات النفسيّة، كاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب. 

ويعتمد الطبيب في تشخيصه للإصابة بالاكتئاب الهياجي على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-V) والذي ينصّ على أنّ تشخيص الاكتئاب الهياجي يتطلب ظهور واحدة -على الأقل- من نوبات الاكتئاب الشديدة، وما لا يقلّ عن اثنتين من الأعراض الآتية:

– تسارع الأفكار، والانزعاج منها.

– الهياج النفسي الحركي، أو ظهور أعراض الهياج.

– توتّر داخلي شديد أو الشعور بالإثارة النفسيّة.

ما هي أساليب علاج الاكتئاب الهياجي (Agitated depression) التي يتبعها الأطباء في العادة؟

بعد تشخيص الإصابة بالاكتئاب الهياجي يحدّد الطبيب الخطّة العلاجيّة الأنسب للسيطرة على الأعراض، والتي عادةً ما تضمّ علاجات دوائية معينة، وعلاجًا نفسيًا متخصّصًا يجب الالتزام به، وعلاجات أخرى متنوعة حسب حالة المريض والأعراض التي تنتابه وشدة الاكتئاب الهياجي عنده.

  1. العلاج الدوائي

يحدّد الطبيب العلاج الدوائي المناسب بالاعتماد على الأعراض التي يعانيها المصاب، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مضادات الاكتئاب لا تساعد المصاب بالاكتئاب الهياجي في كثيرٍ من الأحيان، وإنّما قد تزيد من أعراض الهياج وتحفزها لديه، بينما تساعد أنواع أخرى من الأدوية على تخفيف الأعراض، ومنها الأدوية التي تهدف إلى تهدئة المصاب بسرعة، كمضادات الذهان، ومضادات الصرع، والليثيوم، والبنزوديازيبينات.

ومع ذلك، فقد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب للمصاب بعد السيطرة على أعراض الهياج وتحسّنها إلى جانب الأدوية الأخرى، مع مراقبة المصاب عن كثب أثناء تناولها؛ ولا بد من الإشارة هنا إلى أهمية التزام المصاب بجرعات الدواء التي يحدّدها الطبيب، وإخباره في حال بدأت حالته النفسيّة بالتراجع رغم تناول الأدوية بانتظام، أو إن راودته أفكار انتحاريّة.

  1. العلاج النفسي

في علاج اضطرابات المزاج، يعدّ العلاج النفسي جزءًا أساسيًّا في الخطّة العلاجيّة، فهو العلاج الذي يساعد على تحديد العوامل التي تحفّز ظهور الأعراض المختلفة للاكتئاب الهياجي وتفاقمها، ومعرفة كيفيّة تطوير آليات للتأقلم وعادات سليمة تساهم في السيطرة على الأعراض، ومن أبرز تقنيات العلاج النفسي المستخدمة في حالات الاكتئاب الهياجي، ما يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy)، فهو يساعد المصاب على تغيير أفكاره وسلوكيّاته السلبيّة، واستبدالها بسلوكيات وتوجهات سليمة تساعد في السيطرة على أعراض الاكتئاب الهياجي.

  1. المعالجة بالتخليج الكهربائي

يستخدم الأطباء النفسيون في حالات الاكتئاب الهياجي الشديد ما يعرف بالمعالجة بالتخليج الكهربائي (Electroconvulsive therapy)، وهو من الإجراءات الطبية التي يجري فيها تمرير تيار كهربائي خلال الدماغ تحت تأثير التخدير العامّ، ممّا يحفّز حدوث نوبات قصيرة عند الشخص المراد علاجه، فتساهم في تغيير نسب المواد الكيميائية في الدماغ والسيطرة على أعراض مشكلات صحيّة معيّنة أخرى.

كيف يمكن للمصاب بالاكتئاب الهياجي (Agitated depression) أن يخفف من حالة الهيجان؟

قد يفيد اتّباع بعض السلوكيات والاستراتيجيات لتهدئة الهياج والغضب عند المصاب بالاكتئاب الهياجي، ومن هذه السلوكيات:

– تحديد موعد منتظم للنوم يوميًّا، مع الحرص على تهيئة مكان النوم جيدًا، ليوفّر الراحة اللازمة والقدرة على الاسترخاء، وقد يتضمن ذلك الاستحمام بماء دافيء قبل النوم، وتناول كوب من شاي الأعشاب الذي يخلو من الكافيين، وقراءة كتاب ممتع، وتهدئة الأنوار في الغرفة، والابتعاد عن استخدام الأجهزة الالكترونيّة والشاشات والنظر إليها قبل النوم.

– محاولة التوقف عن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين قدر الإمكان، فهذه المشروبات تعزّز من الهياج والشعور بعدم الراحة لدى المصاب بالاكتئاب الهياجي.

– الحرص على ممارسة التمارين الرياضيّة بانتظام، كممارسة الرياضة لمدّة نصف ساعة في اليوم -على الأقل- خلال معظم أيام الأسبوع، فالرياضة تساعد على تعزيز جودة النوم وتحسين المزاج، بالإضافة إلى أهميّتها في دعم صحّة الجسم عمومًا. 

– مناقشة الأشخاص المقربين ممن يمكن الوثوق بهم حول المشكلة، فقد يقترحون طرقًا مناسبة لتقديم المساعدة والتحكّم بالغضب ومنع تصاعد الموقف المحفّز لأعراض الهياج وتفاقمه.

– إمضاء الوقت خارج البيت قدر الإمكان، سواءً في ممارسة الأنشطة الممتعة، أو القيام بأنشطة العناية بالحديقة، أو غيرها.

– اتباع إحدى تقنيات الاسترخاء التي تساعد على إدخال الطمأنينة إلى النفس وتهدئتها، مثل تمارين التنفس، وتقنيات التأمل المخصّصة للاكتئاب، والتصور الموجه (Guided imagery)، وغيره؛ ومحاولة التمرّن على إحداها خلال اليوم في حالة عدم ظهور أعراض الهياج للتمكّن من استخدامها في الأوقات المناسبة.

– أن يحدد المصاب أمورًا تشدّ جميع حواسه عند ممارستها، ويحرص على الاستمتاع بها حتى تكون ملجأً صحيًّا يقصده عند الشعور بالهياج، فيساعد على تهدئة النفس وتثبيط الانفعال.

– التمرن على الوعي التام (Mindfulness)، أي التركيز على ما يحدث في اللحظة الحاليّة مع عدم النظر للماضي أو القلق بشأن المستقبل.

– التمرّن على التحكّم بالغضب والسيطرة عليه، وعلى معرفة الوقت الملائم للانسحاب من الموقف الذي يثير الغضب، فذلك يساعد على معرفة المحفّزات التي تثير التوتر والقلق، مما يزيد من فرصة السيطرة عليها بتقنيات الاسترخاء التي تم تعلمها والتدرب عليها في وقتٍ سابق.

وأخيرًا،

مخطئ من ظن بأنه وحده من يعاني من هذا الاضطراب، أو من يعتقد بأنه قد تورط في مشكلة لا نهاية لها.. فالاكتئاب الهياجي من المشكلات الشائعة التي يمكن السيطرة عليها باتباع خطّة علاجيّة مدروسة يضعها الطبيب، لذلك لا يجب التردّد في طلب المساعدة عند الحاجة واللجوء إلى طبيب مختص أو أخصائي نفسي.. فتلقي العلاج في وقتٍ مبكّر يساعد على تحسّن الأعراض ويمكّن الإنسان من العودة لممارسة أنشطته اليوميّة الاعتياديّة بكفاءة جيدة.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *