اضطراب شد خصل الشعر (Hair-pulling Disorder)

يعدّ تساقط الشعر والصلع من المشكلات المنتشرة بين الأفراد، والأسباب الكامنة وراء حدوثه كثيرة ومتنوعة؛ ربما يكون لها علاقة بالجينات الوراثية، أو نقص عناصر مهمة في الجسم، أو تعرّض الشعر لظروف بيئية تُسبّب تلفه، كذلك الحال مع السلوك القهري الذي يدفع الشخص لشدّ شعره ونتفه، وهو ما يُعرَف باضطراب شد خصل الشعر، والذي سيدور الحديث عنه في هذا المقال.

ما هو اضطراب شد خصل الشعر؟

اضطراب شد خصل الشعر أو اضطراب شدّ الشعر (Hair-pulling disorder) أو هوس نتف الشعر (Trichotillomania)؛ هو نوع من الاضطرابات التي تظهر على صورة رغبة قوية لدى الشخص في شدّ شعره باستمرار ممّا يؤدي إلى إصابته بالصلع الخفيف أو الكامل، والذي غالبًا ما يكون في فروة الرأس،ولكنّ سلوك شدّ الشعر قد يشمل أجزاء أخرى في الجسم؛ كالحاجبين والرموش أو أيّة مناطق في الجسم يُغطِّيها الشعر.

ويُعدّ اضطراب شدّ الشعر من المشكلات الأكثر شيوعًا في مرحلة المراهقة والمراحل المبكرة من سنّ الرشد، وغالبًا ما يكون له أثرًا سلبيًّا كبيرًا على الصحة النفسية بالنسبة لهذه الفئة العمريّة، وفي الحقيقة، صُنِّف اضطراب شدّ خصل الشعر ضمن الاضطرابات التابعة لاضطراب الوسواس القهري  (OCD)، فهو يظهر على صورة سلوك قهري لشدّ الشعر مختلف الشِّدة؛ فقد يكون خفيفًا يُمكن السيطرة عليه بسهولة أو شديدًا ومُنهِكًا لدرجة كبيرة.

ما هي أسباب اضطراب شد خصل الشعر؟

أسباب الإصابة بهذا الاضطراب غير واضحة حتى الآن، ولكنْ قد يكون تطوّره ناجمًا عن اجتماع عوامل بيئية وجينية، وفي الآتي توضيح بعض من هذه العوامل:

– التغيرات الهرمونية في مرحلة البلوغ.

– العامل الجيني ووجود طفرات جينية معينة، ولكنْ لا بدّ من إجراء دراسات أكثر لتأكيد دور هذا العامل في تطور الاضطراب.

– اضطراب التوازن الكيميائي في الدماغ، والذي يكون مشابهًا لما يحدث في حالة اضطراب الوسواس القهري.

– تغير في تركيبة الدماغ؛ فقد لوحظ وجود تغيرات في مناطق معينة في الدماغ لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب شدّ الشعر.

– حدوثه كنوع من الإدمان على سلوك نتف الشعر.

– آلية للتأقلم، فقد يبدأ السلوك بعد التعرّض لمواقف مُثيرة للتوتر والقلق، أو بسبب الملل، وبعد ذلك يُصبح شدّ الشعر مع الوقت عادة متكرّرة.

ما العوامل التي تزيد فرصة الإصابة باضطراب شد خصل الشعر؟

يُمكن إجمال بعض من هذه العوامل في الآتي:

العمر: فكما بينّا سابقًا، تظهر هذه المُشكلة عادةً في مرحلة المراهقة المبكّرة أيْ بين عمر 10-13 سنة، وقد تؤثر في الأطفال والرّضَّع ولكنّها تكون غالبًا خفيفة وتزول من تِلقاء نفسها.

الجنس: فبالنسبة للبالغين تكون النساء أكثر عرضة للإصابة باضطراب شد الشعر مقارنةً مع الرجال، أمّا بين الأطفال فإنّ فرص الإصابة بين الذكور والإناث تكون متساوية.

التوتر: فالمواقف والأحداث التي تُثير التوتر الشديد قد تُحفّز تطوّر هذا الاضطراب.

التاريخ العائلي: فقد يظهر الاضطراب في حالة وجود أقارب من الدرجة الأولى مصابين به.

الاضطرابات الأخرى: فقد يُعاني المُصاب بهذا الاضطراب من اضطراب الوسواس القهري، أو الاكتئاب، أو القلق.

ما هي أعراض اضطراب شد خصل الشعر؟

تختلف حدة الأعراض وطبيعتها من شخصٍ لآخر، ولكنْ بناءً على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس (DSM-5)، فإنّ من يعاني هذا الاضطراب تظهر عليه الأعراض الآتية:

– شد الشعر بصورة متكرِّرة، ممّا يُسفر عنه صلع أو فقدان الشعر، وغالبًا ما يكون شكل بقع الصلع على فروة الرأس غير طبيعيّ، ومتمركزة بصورة أكبر في أحد جانبيّ الرأس مقارنةً بالجانب الآخر، أو ربما يعاني المُصاب من خِفة الشعر.

– انعكاس هذا السلوك سلبًا على حياة المُصاب، خاصةً في ما يتعلّق بحياته الاجتماعية والعملية.

– تكرار محاولة وقف هذا السلوك القهري أو التخفيف من عدد مرّات حدوثه.

– لا يحدث تساقط الشعر أو سحبه بسبب مشكلة أخرى، كالمعاناة من مشكلة جلديّة معينة.

– عدم حدوث شدّ الشعر ونتفه بسبب حالة نفسية أخرى، كالمعاناة من اضطراب تشوه الجسم (Dysmorphia) الذي قد يُسبب نتف الشعر لمحاولة تحسين المظهر جرّاء الاعتقاد بأن مظهر الشعر غير مناسب ويؤثر على الشكل.

 وقد يترتب على الإصابة بهذا الاضطراب ظهور أعراض أخرى، مثل:

– الشعور بالخجل وانعدام الثقة بالنفس.

– تراكم كرات الشعر في الجهاز الهضمي بسبب بلع الشعر أو مضغه بعد نتفه.

– ظهور عادات جديدة، كاللعب بالشعر بعد نتفه، وتمريره على الوجه أو الشفاه.

– الإحساس براحة شديدة ورضا تامّ بعد القيام بهذا السلوك، رغم زيادة شِدة مشاعر الاندفاع والتوتر قبل نتف الشعر أو عند مقاومة الرغبة في نتفه.

ويُشار إلى أنّ اضطراب شدّ الشعر تختلف شِدة أعراضه وتتذبذب مع الوقت في حالة عدم الخضوع للعلاج، وقد يحدث ذلك بسبب التغيرات الهرمونية في الجسم أو وجود أيّة أسباب أخرى.

ما هي مضاعفات اضطراب شد خصل الشعر؟

قد ينعكس هذا الاضطراب سلبًا على حياة المُصاب ويكون سببًا في ظهور مضاعفات مختلفة، مثل:

– حدوث التهابات والعدوى في أجزاء الجلد التي يتم فيها سحب الشعر باستمرار.

– الإصابة بالصلع وصعوبة نموّ الشعر بصورة دائمة بسبب تلف البشرة.

– انسداد في الجهاز الهضمي مع مرور السنوات بسبب تشكل كرات من الشعر في المعدة والأمعاء الدقيقة، وربما يعاني المصاب أيضًا من نزول الوزن وتقيؤ، وقد ينتهي الأمر بالوفاة.

– تأثر الحياة العاطفية والاجتماعية والعملية بسبب انعدام الثقة وتجنب الأنشطة الاجتماعية. 

– المعاناة من الاكتئاب أو القلق أو تعاطي الكحول أو المخدرات.

هل يمكن تجنب الإصابة باضطراب شد خصل الشعر؟

لا يوجد طريقة محددة لمنع الإصابة باضطراب نتف الشعر أو تقليل فرصة الإصابة به، ومع ذلك، فإن الحصول على العلاج المبكّر عند ظهور الأعراض قد يساعد على تخفيف المشكلة والسيطرة عليها ومنع مضاعفاتها التي تنعكس سلبًا على حياة الشخص وعائلته وأصدقائه.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

يتوجّب على الشخص الذي يعاني من حالة نتف الشعر باستمرار أو لديه طفل يُظهِر هذا السلوك مراجعة الطبيب في أقرب فرصة مُمكنة، خاصةً إذا كان سلوكه قهريًّا لا يُمكن وقفه أو يُسبّب له الإحراج أو الخجل بسبب المظهر الناجم عنه، فالعلاج في هذه الحالة ضروريّ باعتبار سلوك نتف الشعر اضطرابًا نفسيًّا و ليس مجرّد عادة سيئة.

كيف يتم تشخيص اضطراب شد خصل الشعر؟

عند مراجعة الطبيب لتشخيص الاضطراب فإنّه قد يقوم بخطوة أو أكثر من الموضَّحة في الآتي:

– فحص الشعر وأجزاء تساقط الشعر لمعرفة مقدار الصلع أو نسبة الشعر المفقودة.

– مناقشة حالة نتف الشعر مع المُصاب وطرح الأسئلة التي تتعلق بها.

– تقييم وتشخيص الإصابة بأيْ مشكلات نفسية أو جسدية قد يُصاحبها نتف الشعر، كوجود التهاب معيّن.

– استبعاد الأسباب الأخرى التي قد تكون وراء حدوث نتف الشعر أو تساقطه عن طريق إجراء فحوصات معينة يُحدّدها الطبيب.

– استخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5-TR) لإعطاء التشخيص المناسب، والذي يقوم به عادةً الأخصائي النفسي، إذْ أنّ تشخيص اضطراب نتف الشعر لا يحتاج إجراء فحوصات مخبرية أو تصوير للكشف عنه.

ما هو علاج اضطراب شد خصل الشعر؟

قد تكون فرصة التعافي التام من الإصابة بهذا الاضطراب مُمكنة خلال مرحلة الطفولة، حتى أنّه قد يزول من تلقاء نفسه دون تدخّل، ولكنّه عادةً ما يكون لدى البالغين مزمنًا ولا يمكن التخلص منه بسهولة، وإنّما يُمكن التعايش معه والتخفيف من حدته قدر المُستطاع.

وبكلّ الأحوال، يحدّد الطبيب المختص العلاج المناسب للمُصاب ويضع له خطة علاجية لا بدّ من الالتزام بها لتحقيق تحسّن ملحوظ على الأعراض، وقد يتضمن العلاج في حالات اضطراب شدّ خصل الشعر اتباع العلاج النفسي أو العلاج الدوائي أو كلاهما معًا، وفي الآتي توضيح ذلك:

العلاج النفسي يعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أحد أنواع العلاج النفسي الفعّالة في السيطرة على هذا الاضطراب، بالأخص طريقة تدريب عكس العادة؛ الذي يهدف إلى التخلص من العادة السيئة واستبدالها بعادة وسلوك لا يُلحق ضررًا، وعادةً ما ينطوي العلاج على:- متابعة عادة شد الشعر بتدوين الأعراض في مذكرات.- تمييز المحفزات والدوافع للقيام بشد الشعر وتعلم كيفية تجنبها. – استبدال شد الشعر بعادة غير مؤذية، مثل الضغط على الكرات الاسفنجية لتخفيف التوتر.- الحصول على الدعم العاطفي والتشجيع من قِبل الأشخاص المقرَّبين. وقد يكون لأنواع معينة من العلاج الجماعي والدعم دورًا مهمًّا في السيطرة على الأعراض.  

العلاج الدوائي في بعض الحالات يلجأ الطبيب المُختصّ إلى وصف أنواع معينة من الأدوية للسيطرة على أعراض المُشكلة كمضادات الاطتئاب أو مضادات الذهان أو مضادات الاختلاج.   

هل يوجد طرق أخرى لعلاج اضطراب شد خصل الشعر؟

قد يلجأ البعض إلى زيارة أطباء باختصاصات أخرى لتخفيف العلامات والأعراض الناجمة عن الاضطراب وتؤثر على المظهر، كمراجعة أخصائي الجلدية ليساعد على علاج تلف ومشكلات الجلد، أو مراجعة جرّاح التجميل والترميم بهدف زراعة الجلد في أجزاء معينة، وربما يساعد بعض الأخصائيين في إيجاد الحلول المتعلقة بتحفيز نمو الشعر مرة أخرى.

نصائح للتأقلم والتعامل مع اضطراب شد خصل الشعر

هذه عدة نصائح قد تساعد الأشخاص المصابين باضطراب نتف الشعر على التحكم برغبتهم في شدّ الشعر:

– ابدأ بتشكيل كرة وهمية بواسطة راحة يدك، وقم بشدّ العضلات في الذراع.

– قم تغطية الرأس بقبعة أو ربطه بمنديل.

– ضع لاصقات جروح على أطراف الأصابع.

– قم بقص الشعر.

– مارس التمارين الرياضية.

– استحمّ بماء معتدل الحرارة ومريح لتخفيف القلق والتوتر.  

– ابدأ بممارسة تمارين التنفس العميق حتى تزول الرغبة في شدّ الشعر.

– تكرار قول أو جملة معينة عند الرغبة في شد الشعر بشكل متكرّر وبصوتٍ عالي.

– احصل على الدعم من الأشخاص المحيطين، والتحدث معهم عن ما تعانيه.

– تناول الأدوية التي يصفها الطبيب بناءً على تعليماته.

– انتظم في مراجعة طبيبك، ولا تُفوّت جلسات العلاج.

وأخيرًا، اضطراب شدّ خصل الشعر أو هوس نتف الشعر يُعتبر من المشكلات التي يُمكن السيطرة عليها باتباع خطة علاجية يُحدّدها الطبيب، خاصةً إذا بدأ العلاج في مراحل مبكّرة من ظهور الأعراض، وهو كغيره من الاضطرابات يحتاج الالتزام بالعلاج حتى وإنْ كان التحسن بطيئًا ولا يظهر بسرعة، وعليكَ دائمًا تجنّب إخفاء معاناتك ومحاولة إحاطة نفسك بالأصدقاء والأحباء الذين تثق بهم لتناقشهم حول ما تشعر به، وتحصل على الدعم والمساعدة التي تُمكِّنك من تخطي هذه المرحلة بنجاح.

*** تمّت الكتابة والتدقيق من قِبَل فريق إعداد المحتوى     

المراجع:

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *