(Borderline Personality Disorder)

هل كنت يومًا سعيدًا برفقة أحد أصدقائك و شَعَرْتَ بالغضب الشّديد فجأةً منه؟ هل يسبّب ابتعاد أصدقائك عنك خوفًا غير مبرّر؟ هل يسبّب رفض أحدهم لك أو لأفكارك فزعًا وأفكارًا سلبيّةً؟

يحتاج المرء -عادة- لبعض الوقت لتغيير المشاعر المتضادّة أو المختلفة، لكنّ بعض الأشخاص يمرّون بهذه التّغييرات في ثوانٍ قليلة. و قد يكون سبب هذا الخوف من الهجر و المزاج المتغيّر هو اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة، والذي سنتحدث عنه في هذا المقال.

 

ما هو اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة؟ 

اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة (Borderline Personality Disorderهو أحد اضطرابات الشّخصيّة التي تؤثّر على قدرة المرء على تنظيم عواطفه، وعلى صورته أمام نفسه و الآخرين، ما يعيق سير حياة المصاب، ويزيد صعوبة تحكّمه بالمشاعر والتّصرّفات. حيث يعاني المصاب باضطراب الشخصية الحدية من نوباتٍ حادّةٍ من الخوف من الهَجْرِ أو عدم الاستقرار، كما يجد صعوبةً بالغةً في البقاء وحيدًا. فضلًا عن مشاعر الغضب والتهور، ومعاناته من التغيّراتِ الحادّةِ في المزاج، ما يدفع النّاس إلى الابتعاد عنه.

ما هي أعراض الإصابة باضطراب الشّخصيّة الحدّيّة؟ 

تختلف الأعراض وحدّتها من شخصٍ لآخر، فلكلّ تجاربه الخاصّة وحدوده التي يبني علاقاته وتصرّفاته عليها، ومن هذه الأعراض:

  • الخوف الشّديد من الهَجْرِ، أو أن يتم تركهم والتخلي عنهم -حتى لو كان ذلك لساعات محدودة كالتأخر عن المنزل في العمل، أو السفر لمدة يومين-.. حيث يتجنب المصاب بهذا الاضطراب أن يُرفَضَ من قِبَلِ الآخرين، فيلجأ لأساليب متطرفة لتجنب الانفصال والهجر والرفض الواقعي أو الوهمي.
  • وجود نمطٍ معين في تعامله مع العلاقات الاجتماعيّة، إذ تكون انفعاليّةً وغير مستقرّةٍ، فتجد المصاب يُقدّسُ الطّرف الآخر لحظةً، ثم يظنّ بأنه فقد اهتمام الطّرف الآخر به أو يشعر بوحشيّته في لحظةٍ أخرى.
  • التغيّر السريع لصورة المصاب أمام نفسه واختلال شعوره بقيمته، بما يتضمنه ذلك من تغيير للأهداف والقيم الشّخصيّة، ونظرته لنفسه، فتارة تكون نظرة سلبية وقد يشعر بأنه غير موجودٍ على الإطلاق، وتارة تكون نظرة المرء لنفسه كبيرة وتتخذ صورة جنون العظمة والاعتقاد بوجود دوافع مشبوهة تجاهه من قبل الآخرين. كما وقد يتغير ما يفضله ويكرهه المصاب من الأشياء بطريقة مربكة.
  • الحساسية المفرطة، والنظر إلى الأمور بشكل متطرف، بمعنى أنها كلها سيئة أو كلها جيدة.
  • التّصرّفات المتهوّرة والخطيرة، كلعب القمار، وقيادة السّيّارة بأسلوبٍ طائشٍ، وإنفاق ما لا يملك من النّقود، وتعاطي المخدّرات، أو الأكل بشراهة، أو قد يقوم بتخريب الإنجازات الشّخصيّة وما يظهر خطواته في التّقدّم والتّطوّر.
  • المرور بفتراتٍ من الذّعر والشّكّ المرتبط بالتّوتّر والقلق، والشعور بالانفصال عن الواقع الذي قد يستمرّ من عدّة دقائق إلى عدّة ساعاتٍ، وكأن الإنسان خارج جسمه.
  • تغيّرات المزاج الحادة، فينتقل مزاجه من الفرح إلى الحزن إلى الغضب إلى القلق إلى العار. 
  • الشّعور الدّائم بالفراغ الكبير.
  • التّهديد بالانتحار أو إيذاء النّفس قولًا أو فعلًا، و غالبًا ما يكون تصرّفًا لتجنّب الانفصال عن شخصٍ ما أو لتجنّب رفض الشّخص له.
  • الغضب العارم في غير مكانه، ما يدفع المصاب إلى افتعال المشاكل، والصّراخ، ورمي وتكسير الأشياء.

 

متى تظهر الإصابة باضطراب الشخصية الحدية وكيف يتم تشخيصه؟

يبدأ الاضطراب بالظهور عند المصاب في بداية مرحلة البلوغ و أواخر مرحلة المراهقة، التي تُعرَف بتغيراتها النفسية والجسمانية وتقلبات المزاج المرتبطة بها، ثم يتحسن مع مرور الوقت.

ذلك لا يعني -بالطبع- أن كل اليافعين الذين يمرون بفترة البلوغ هم مصابون بهذا الاضطراب، ولا يمكن تصنيف مخاوفهم واندفاعهم وتهورهم وغضبهم على أنهم يعانون من الشخصية الحدية، فهذه المرحلة تحمل معها كثيرًا من هذه المشاعر والسلوكيات.

ولذلك لا يتم تشخيص هذا المرض إلا من قِبل طبيب نفسي أو معالجٍ نفسي، فإن كنت تشكّ بإصابتك باضطراب الشّخصيّة الحدّيّة أو كنت تعرف شخصًا تظهر عليه بعض أعراض الاضطراب، لا تتردد في اللجوء للاستشارة الموثوقة، حيث يقوم الطّبيب أو المعالج النّفسيّ بتقييم الحالة الصّحيّة للشّخص، و قد يطلب منه الإجابة على بعض الاستبانات، كما يقوم بالتّحقّق من التّاريخ المرضيّ لعائلة المصاب مع إجراء فحصٍ جسديّ وافٍ، ثمّ يناقش المريض بالأعراض التي يعاني منها.

 

ما هي مسبّبات الإصابة باضطراب الشّخصيّة الحديّةّ؟ 

من المؤسف أن مسبّبات الإصابة باضطراب الشّخصيّة الحدّيّة غير مفهومةٍ بالكامل حتّى اللّحظة. إلّا أن هناك عوامل مرتبطة بالإصابة به، مثل: 

  • العوامل الجينيّة؛ حيث أنّ احتماليّة الإصابة باضطراب الشّخصيّة الحدّيّة تزداد عند وجود فرد مصاب به في العائلة، وخاصة إن كان المصاب قريبًا من الدّرجة الأولى (الأب، الأم، والأخوة).
  • العوامل التّطوّريّة؛ حيث أنّ إصابات الدّماغ خلال إحدى مراحل التّطوّر والنّموّ تزيد فرصة الإصابة بهذا الاضطراب، لا سيما إن كان الجزء المصاب مسؤولًا عن ضبط وتنظيم المشاعر.
  • العوامل البيئيّة؛ خصوصًا في مرحلة الطفولة، حيث أن المواقف الحياتية، والصعوبات، والصدمات، والتعرض لعلاقات غير مستقرة والتعرض لبعض الخلافات أو العنف الجسدي أو الجنسي، كلها أمور قد تلعب دورًا في نشوء الإصابة بالاضطراب. 

من الجدير بالذكر هنا أن وجود هذه العوامل لا يعني بالضرورة الإصابة باضطراب الشخصية الحدية، فهناك كثيرون يصدفون هذه العوامل ولا يصابون بهذا الاضطراب، وأنه لا يتم تشخيص الإصابة إلا من قِبَل طبيب نفسي أو معالج نفسي.

ما هي الاضطرابات المرتبطة باضطراب الشّخصيّة الحدّيّة؟

قد يصعب تشخيص اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الاضطرابات النّفسيّة الأخرى، أو بسبب تزامن إصابة الشّخص بأحد الاضطرابات الأخرى واضطراب الشّخصيّة الحدّيّة. ومن الاضطرابات التي قد تتزامن مع اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة:

  • الاكتئاب 
  • تعاطي الكحول أو المخدّرات 
  • اضطرابات القلق
  • اضطرابات الطعام (Eating Disorders)
  • اضطراب ما بعد الصّدمة (PTSD)
  • اضطراب المزاج ثنائي القطب (Bipolar Disorder)
  • اضطراب نقص الانتباه وفرط النّشاط (ADHD)
  • اضطرابات الشّخصيّة الأخرى 

 

كيف يتمّ علاج اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة؟ 

يتمّ علاج اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة عن طريق العلاج النّفسيّ (Psychotherapy) بشكلٍ رئيسيّ، إذ يزوّد المصاب بالوسائل التي تُساعده على التّعايش مع الاضطراب ليتمكن من الشعور بالتّحسّن والاستقرار في حياته، بالإضافة لعلاج الأمراض والاضطرابات الأخرى المصاحبة لاضطراب الشخصية الحدية، والتي قد تزيد سوء الحالة ما لم يتم علاجها.

من العلاجات المستخدمة في علاج اضطراب الشخصية الحدية:

  • العلاج النّفسيّ: حيث يتعلّم المصاب عن الاضطراب، وكيفيّة السّيطرة على مشاعره ومعرفة مصدرها، فيعمل على تقليل اندفاعه، وتحسين علاقاته الاجتماعيّة، وتعزيز قدرته على إنجاز المهام الحياتيّة، من خلال أحد العلاجات النّفسيّة المناسبة له، و نذكر منها:
  • العلاج السّلوكيّ الجدليّ (Dialectical Behavior Therapy- DBT)؛ وهو علاج مصمم خصيصًا لهذا الاضطراب، حيث يتعلّم المصاب فيه كيفيّة إدارة مشاعره وتحمّل ضغوطات الحياة المختلفة وتحسين علاقاته الاجتماعيّة.
  • العلاج التّخطيطيّ (Schema-Focused Therapy) ؛ والذي يساعد المصاب على تحقيق احتياجاته ورغباته بطريقةٍ سليمةٍ لا تؤذي صاحبها أو من هم حوله. 
  • العلاج القائم على العقلية (Mentalization-Based Therapy) ؛ يركّز هذا العلاج على تنمية مهارات التّفكير قبل التّصرّف، بحيث يرى الشّخص الموقف من منظورات متعدّدةٍ قبل المباشرة بالتّصرّف.
  •  
  • العلاج الدّوائيّ: بالرّغم من عدم وجود أدويةٍ مختصّةٍ بعلاج اضطراب الشّخصيّة الحدّيّة إلّا أنّ بإمكان الطبيب النّفسيّ وصف بعض مضادّات الاكتئاب (Antidepressants) ، أو مضادّات الهذيان (Antipsychotics) ، أو مثبّتات المزاج (Mood Stabilizers) للمساعدة على تقليل حدّة الأعراض والمشاكل المرافقة للاضطراب، وفق حالة المصاب.
  • الإدخال (العلاج في المستشفى): و هو مخصّصٌ للحالات المعقّدة و التي تحتاج قدرًا أكبر من الرّعاية، حيث يكون العلاج مكثّفًا داخل المستشفى النّفسيّ لمنع المصاب من أذيّة نفسه أو محاولة الانتحار. 

 

كيف يمكن للمصاب باضطراب الشخصية الحدية أن يساعد نفسه؟

لا بد أن يرغب المصاب باضطراب الشخصية الحدية بأن يساعد نفسه وأن يسعى للتأقلم مع هذا الاضطراب إذا أراد أن تتحسن حالته. وتكون الخطوة الأولى بالتوقف عن لوم نفسه على مرضه وأن يستبدل اللوم بتحمل المسؤولية في السعي للعلاج، وأن لا يتردد في طلب المساعدة من المختصّ أو في طلب الدعم من العائلة والأصدقاء عند حاجته لذلك. 

ينصح كذلك بالنصائح البسيطة التالية:

  • التعلم والتعرف على الاضطراب وعلى ما يحفز ظهور أعراضه.
  • الانتباه للافتراضات التي يتم افتراضها عن الآخرين، والتخلّي عن الاعتقاد بأن مشاعر وأفكار الناس معروفة، وعوضًا عن ذلك من الممكن سؤال المقرّبين بشكلٍ مباشرٍ عن مشاعرهم وأفكارهم والتحقق مما يقصدونه بتصرفاتهم بطريقة لينة.
  • تعلم السّيطرة على المشاعر من خلال تقنيات الاسترخاء المختلفة، كالتّأمّل و تقنيات التّنفّس، وغيرها.
  • الالتزام بالخطة العلاجية وجلسات العلاج النفسي.
  • اتّباع نظام حياةٍ صحيّ، كالحرص على تناول الغذاء الصحيّ المتوازن، وممارسة الرّياضة، وممارسة الأنشطة الاجتماعيّة.
  • عند الاندفاع للقيام بسلوكيات مؤذية ومتهورة، يجب إلهاء النفس بنشاطات عكس ما يشعر به المصاب، أو نشاطات يستمتع بها، أو التمارين الرياضية.
  • تعلم كيفيّة وضع حدودٍ للنفس وللآخرين، فلا يؤذي المصاب نفسه أو غيره بتعبيره عن مشاعره وإفصاحه عن مكنونات نفسه، وهنا لا بد من ذكر وجوب تعلّم المصاب لطرق التّعامل مع ما يثير مشاعره الاندفاعيّة والانفعالية.
  • يمكن للمصاب أن يحفز حواسه حيث أن الانخراط في الإحساس أحد أسرع الطرق وأسهلها لتهدئة النفس، مع العلم بأن لكل حالة مزاجية استراتيجية مناسبة مختلفة عن غيرها من الحالات. على سبيل المثال يمكن تحفيز الحواس التالية كما هو موضح أدناه:
  • اللمس: في حالة عدم الشعور بشكل كافي يمكن تمرير اليد بماء بارد أو ساخن، أو الإمساك بمكعب ثلج أو بقطعة أثاث بإحكام والشعور والإحساس بها. من جهة أخرى، في حالة الشعور المفرط والحاجة للتهدئة، يمكن أخذ حمام ساخن أو استخدام غطاء السرير للتغطية أو حضن حيوانٍ أليفٍ.
  • الشم: تجربة الروائح القوية كالحمضيات والتوابل والبخور، كما ويمكن إشعال شمعة أو شم الأزهار أو الطعام اللذيذ أو العطر المفضل.
  • التذوق: في حالة الشعور بالخدران والفراغ، يمكن مص النعناع أو حلوى ذات نكهة  قوية، أو تناول شيءٍ ذو مذاق قوي ولكن بشكل بطيء. أما في حالة الرغبة بالهدوء، يمكن شرب الشاي الساخن أو الحساء.
  • السمع: من الممكن الاستماع للموسيقى الصاخبة أو رنة الجرس في حالة الحاجة إلى هزةٍ ما. بالمقابل، للتهدئة يقوم المصاب بتشغيل الموسيقى الهادئة أو الاستماع لأصوات الطبيعة الهادئة كالرياح والطيور والمحيط.
  • البصر: ينصح المصاب  بالتركيز على صورة أو منظر يلفت الانتباه أمامه، أو حتى من خياله.

 

ختامًا، صحيحٌ أن تعلّم السّيطرة على المشاعر عمليّةٌ تحتاج الكثير من الوقت و الجهد، لكن مكافأتها عظيمة، فاليأس والإحباط والملل السريع من العلاج يؤثر سلبًا على محاولات التعلم والتقدم والتحسن. فإن كنت تعاني من هذا الاضطراب تذكر دائمًا بأن العمل الدؤوب والمستمر سيؤتي أُكُله وستجد نتيجته ولو بعد حين.

 

*** تمت الكتابة  والتدقيق من قبل فريق إعداد المحتوى

المراجع:

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Email

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *